ترامب وإدارة أزمة كورونا: التحريض والعنصرية لتعويض الفشل

ترامب وإدارة أزمة كورونا: التحريض والعنصرية لتعويض الفشل

22 مارس 2020
تدارك الرئيس الأميركي خطورة الوضع متأخراً (جابين بوتسفورد/Getty)
+ الخط -
"عشرة على عشرة"، هكذا وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أداءه في مكافحة انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) في الولايات المتحدة، عندما سئل عن الأمر خلال مؤتمر صحافي قبل أيام. لكن هذا ما لا يشعر به الكثير من الأميركيين، ليس فقط لناحية عدم جهوزية بلادهم طبياً لمجاراة حالة الطوارئ، بل حتى لناحية قدرة الرئيس على تحمّل المسؤولية ومخاطبة مواطنيه كرجل ناضج يقود البلد في واحدة من أكبر أزماتها في العصر الحديث. لا بل إنّ ترامب لديه إشكالية حقيقية في عجزه عن التعاطف مع الناس، وأغلب ما يركز عليه ويهتم به هو البورصة و"وول ستريت". أمّا مؤتمراته الصحافية، فتارة يهاجم فيها الصحافيين، وتارة أخرى يعلن فيها عن وجود أدوية في السوق قد تكون مفيدة ضدّ الفيروس، وهي معلومات غير صحيحة. وفي هذا كله، لا ينسى أن يكيل المديح لنفسه ولإدارته. علماً بأنّ آخر هجماته البائسة كانت أول من أمس الجمعة عندما انفجر بوجه صحافي لأنه سأله "ماذا تقول للأميركيين الذين يشعرون بالخوف؟".

لا يوجد خطاب يتذكره الأميركيون لترامب يجعلهم يشعرون بالطمأنينة، وبأنّ قيادة بلادهم تقوم بكل ما في وسعها لمحاربة الفيروس. بل إنّ ترامب أنكر وحاول حتى قرابة عشرة أيام مضت التقليل من أهمية التقارير الإعلامية التي تشير إلى خطورة الوضع. وذهب إلى حدّ القول إنّ فيروس كورونا ليس أخطر من الأنفلونزا العادية، وسخر ممن يحذرون من خطورته.

لكن خطورة ترامب لا تكمن في شخصه فقط، بل بالآلة السياسية والاقتصادية والإعلامية المحيطة به، والتي لها نفوذ ربما هو الأوسع في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، استمرّ بعض المذيعين في قناة "فوكس نيوز" اليمينية، أكثر محطة شعبية في الولايات المتحدة والمفضلة لترامب، بوصف التقارير عن انتشار فيروس كورونا وخطورته، بأنها "خدعة ليبرالية" مصممة لإسقاط الرئيس وكجزء من الخطط لعزله. وحتى الثالث عشر من شهر مارس/آذار الحالي، أي قبل حوالي الأسبوع، كذّب مذيعوها وقللوا من خطورة الفيروس وكرروا على مسامع الملايين مقولات كـ"إن أسوأ سيناريو لانتشار الفيروس وخطورته، لن يكون أسوأ من الانفلونزا. وحتى بدون لقاح (للكورونا)، فإنّ الإنفلونزا (التي يوجد ضدّها لقاح) تسبب الوفيات أكثر من كورونا". وعندما لم يكن أمام القناة مفرّ، كما هو الحال بالنسبة لترامب، غيروا الأسطوانة للحديث عن خطورة الفيروس، ولكن مع محاولة عنصرية لتحميل الصين المسؤولية عن انتشاره وقد تمّ تغيير اسمه إلى "الفيروس الصيني"، وهو ما فعله ترامب، وما تردّده وسائل الإعلام اليمينية.

تدارك الرئيس الأميركي الأمر متأخراً، وبدأ بتخصيص الحزمات والمليارات لدعم قطاع الاقتصاد، البنوك، وبورصة "وول ستريت" وغيرها، وكذلك القطاع الصحي وغيره من القطاعات المتضررة. كما أعلن حالة الطوارئ، إضافة إلى تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي للحصول على الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة وباء كورونا. ويمنح هذا القانون، الرئيس القدرة على تحريك القطاع الخاص لتلبية احتياجات الأمن الوطني في وقت الأزمات.

وجاء إعلان ترامب بعد دعوات كثيرة ومستمرة من حكام ولايات عديدة على رأسهم حاكم ولاية نيويورك، آندرو كومو، للحكومة الفدرالية لتفعيل القوانين المختلفة كما توظيف الموارد العسكرية، لبناء المستشفيات وتوجيه الصناعة لتلبية الحاجات الملحة في الوقت الراهن. وقال كومو أخيراً إنّ ولاية نيويورك تحتاج إلى ما لا يقل عن 3 ملايين كمامة من نوع N95، و50 مليون كمامة جراحية و15 ألف جهاز تنفس، و25 مليون ثوب جراحي وقفازات وغيرها، إذا أرادت أن تكون مستعدة لمواجهة حالات الطوارئ القصوى جراء كورونا والتي من المتوقع أن تضرب نيويورك خلال الأسابيع المقبلة.

والمقلق حالياً، حيث انتشار الوباء في بدايته، أنّ مستشفيات عديدة في كل من ولايتي نيويورك وواشنطن، وهي أكثر الولايات التي تشهد انتشاراً للوباء، أصدرت توجيهات صحية جديدة بتقييد استخدام الأقنعة والقفازات والأثواب الواقية، في ظلّ الإمدادات المحدودة. مما يجعل الطواقم الطبية أكثر عرضة للإصابة، ويزيد الضغط لناحية النقص في عدد الأطباء والطواقم الصحية، كما يهدد بانتشار العدوى بشكل أكبر. وهو ما أكده مراراً مسؤولون في إدارة ترامب. وكشف تسريب إعلامي أخيراً أنّ تقريراً سرياً قدّم للبيت الأبيض العام الماضي، من ضمن التقارير الدورية التي تقدم بشأن مجالات مختلفة وحول جهوزية البلد في سيناريوهات عديدة، عدم جهوزية الولايات المتحدة في حالة طوارئ.

وحتى بعد أن يعلن ترامب عن إجراء ما، فإنّ التنفيذ يكون بطيئاً، في الوقت الذي يبدأ هو بلوم الآخرين وتبرئة الحكومة الفدرالية من مسؤولياتها. وخلال مؤتمر صحافي الخميس الماضي، هاجم حكّام الولايات قائلاً: "إن مسؤوليتهم سدّ الحاجة والنقص في المعدات الطبية وغيرها لمواجهة فيروس كورونا". ولكن من المعروف أنه ليس لدى هذه الولايات الإمكانية التصنيعية ولا حتى القانونية أو السياسية لاتخاذ قرارات بهذا الشأن خارج حدودها المحلية.

وتواجه الولايات المتحدة في ظلّ هذه الأزمة تحديات كثيرة تحت إدارة رئيس كترامب، لعلّ أبرزها حالياً هو الفحوصات المخبرية لتحديد المصابين بفيروس كورونا، والتي ما زالت غير متاحة على نطاق واسع، ناهيك عن أنّ الحصول على النتائج يأخذ على الأقل يومين في أغلب المستشفيات. ويأتي ذلك فيما يقارن كثيرون أثر وتبعات الأزمة الاقتصادية التي ستواجهها الولايات المتحدة جراء كورونا، بأثر أزمتين أخريين مجتمعتين، هما هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وأزمة العقارات عام 2008، لا بل إنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ الوضع قد يكون أسوأ بكثير مما خلفته الأزمتين.

ويناقش الكونغرس الأميركي حالياً مقترحاً لتقديم حزمة مساعدات بقيمة ترليون دولار للأميركيين وذلك في إطار تعويم الاقتصاد، واستباق الكساد والأزمة المالية المقبلة. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الحزمة مساء اليوم الأحد، قبل التصويت عليها غداً الإثنين، فيما ستظهر التفاصيل مدى استيعاب الإدارة الحالية لمسؤوليتها، وما تعلمته من دروس سابقة بما فيها هجمات سبتمبر وتبعاتها الاقتصادية.

يواجه العالم حرباً ضدّ فيروس كورونا كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس أخيراً من نيويورك. لكن يبدو أنّ أميركا، أغنى وأقوى دولة في العالم عسكرياً، غير مستعدة لها تحت إدارة ترامب. فكما قال أكثر من خبير سابق في إدارة الطوارئ، فإنّ المعركة الأولى في الحرب الحالية هي على الجبهة الصحية. فلا تمكن محاربة الكساد الاقتصادي والأزمة المالية المقبلة بشكل جدي إن لم يتم كسب الحرب على الجبهة الصحية. حتى الآن، أميركا تسابق الفيروس الذي لا يمكنها أن تقيس حجم انتشاره بعد، فيما ستكون الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد حجم الخسائر الفادحة، والتي بدأت آثارها تظهر بوضوح في مختلف القطاعات.

المساهمون