الانتخابات السودانية: الحزب الحاكم يسعى لإبعاد تهمة التفرّد

الانتخابات السودانية: الحزب الحاكم يسعى لإبعاد تهمة التفرّد

10 يناير 2015
الانتخابات ستجري في أبريل المقبل (فرانس برس)
+ الخط -

يُشكّل تنازل حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان عن التنافس في ما نسبته 30 في المائة من الدوائر النيابية المختلفة خلال الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في أبريل/نيسان المقبل، خطوة لإفساح المجال أمام الأحزاب المتحالفة معه للفوز فيها.

وتأتي الخطوة بعد تفاهمات بين "المؤتمر الوطني" والأحزاب السياسية التي تشاركه في الحكومة الحالية، لضمان مشاركتها في العملية الانتخابية التي أعلنت أحزاب المعارضة مقاطعتها، بما فيها الأحزاب التي وافقت على مبدأ الحوار وانخرطت فيها، بينها حزب "الأمة" برئاسة الصادق المهدي، والحزب "الشيوعي" بزعامة مختار الخطيب، و"المؤتمر الشعبي" بقيادة حسن الترابي.

ويُلاحَظ أن الدوائر التي تم إخلاؤها من مرشحي الحزب الحاكم، تقع ضمن مناطق النفوذ التاريخية للحزب "الاتحادي الديمقراطي" بزعامة محمد عثمان الميرغني، الأمر الذي يصب في خانة محاولة النظام إغراء هذا الحزب للمشاركة وضمان فوزه في المقاعد البرلمانية، وخصوصاً أن "المؤتمر الوطني" يحرص على مشاركة "الاتحادي" في الانتخابات كجزء من الأحزاب التاريخية الكبيرة ذات الشعبية، باعتبار أن بقية الأحزاب المشاركة لا وزن لها عملياً على الأرض وجميعها انشقت عن الأحزاب التاريخية، كما يُتهم النظام بتكوينها ويُطلَق عليها "أحزاب الفكة" للتقليل من قيمتها.

واعتبر نائب رئيس "المؤتمر الوطني"، إبراهيم غندور، إعلان حزبه عدم التنافس في 30 في المائة من الدوائر، تأكيداً على رغبة الحزب بعدم الانفراد بمقاعد البرلمان، على الرغم من قدرته الفوز بالأغلبية المطلقة، على حد قوله، مضيفاً "نحن نريد للبرلمان المقبل أن يكون قوس قزح".

وأعلن غندور، في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم، أن الحزب قدّم 426 مرشحاً للمجالس النيابية بنسبة تجديد في الوجوه بلغت 53 في المائة.

إلا أنه عملياً فالحزب رشّح الوجوه البرلمانية نفسها التي هي صاحبة نفوذ والمعروفة بـ "صقور النظام"، فقائمة الحزب احتفظت بالقيادات التي دخلت البرلمان في انتخابات 2010 الماضية باستثناء قلة، أحدهم انسلخ عن الحزب (غازي صلاح الدين)، وآخر توفي (مندور المهدي)، وبعضهم ظروفه الصحية لا تسمح له بالترشح، كرئيس البرلمان السابق أحمد ابراهيم الطاهر، ووزير الإعلام السابق كمال عبيد، الذي لوحظ غيابه في البرلمان الحالي، بينما احتفظ كل من نواب رئيس الجمهورية السابقين والحاليين ومساعديه بمقاعدهم، وهم علي عثمان محمد طه وحسبو عبد الرحمن ونافع علي نافع وابراهيم غندور ورئيس البرلمان الحالي الفاتح عز الدين، فيما دخل النائب الأول لرئيس الجهورية بكري حسن صالح كوجه جديد.

وأعيد مرة أخرى مدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش، الذي اتُهم قبل عامين بتدبير محاولة انقلابية زُج معها في السجن لأكثر من شهرين، قبل أن يُطلق سراحه عبر عفو رئاسي.

ومن الأسماء التي غابت عن تشكيلة المرشحين الجديدة، شخصيات جدلية أثارت قضايا ساخنة في البرلمان الحالي، كإسماعيل أكرد الذي سبق أن جاء اسمه ضمن "مذكرة سبتمبر"، التي رفعها وقتها رئيس حركة "الإصلاح الآن" غازي صلاح إلى رئيس الجمهورية، إبان تظاهرات سبتمبر/أيلول الاحتجاجية التي شهدتها البلاد بسبب زيادة أسعار المحروقات، واتخذ الحزب إجراءات عقابية ضد موقّعيها بين الفصل والتجميد، إضافة إلى النائب البرلمانية عواطف الجعلي التي وقفت ضد التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان أخيراً، والمتعلقة بتعيين حكام الولايات بدلاً عن انتخابهم وتوسيع صلاحيات جهاز الأمن.

وغاب أيضاً زعيم قبيلة المحاميد موسى هلال، الذي قاد تمرداً غير مباشر ضد الحكومة، لكن الرجل نفسه والحكومة لا يريدان الاعتراف بذلك، على الرغم من أنه خاض معارك في عدد من مناطق إقليم دارفور ضد الحكومة، وفرض سيطرته على مناطق معيّنة وبدأ في إدارتها من دون أن تتخذ الخرطوم ضده أي إجراء أو محاولة تجريده من مناصبه الدستورية التي يشغلها، إذ يتقلد منصب مستشار في وزارة الحكم المحلي، فضلاً عن أنه نائب برلماني.

ويرى مراقبون أن خطوة النظام بشأن هلال قد تكون تنطلق من أن الحكومة لا تريد أن تفتح جبهات جديدة مع الرجل الذي يتمتع بنفوذ قبلي عائلي في دارفور، كما أن لديه سيطرة على فرقة حرس الحدود التي شكّلتها الحكومة لمحاربة المتمردين في دارفور.

وكان هلال أعلن الأسبوع الماضي نيّته الترشح عبر الحزب الجديد الذي شكّله، لكنّ المراقبين يجزمون بأنه لن يدخل الانتخابات، ولا سيما أنه بدأ اتصالات مع الحركات المسلّحة الدارفورية ويحاول جاهداً أن يجد له مكاناً بينها، إلا أن الأخيرة لا تثق فيه باعتباره خاض حرباً ضدها في دارفور إلى جانب الحكومة؛ وهو ما يجعله متردداً ما بين الانسلاخ عن الحزب الحاكم أو البقاء فيه.

لكن مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور، أكد أن غياب هلال عن تشكيلة الحزب للبرلمان بسبب عدم انتخابه من قبل الكتلة الانتخابية لغيابه، جازماً بأن الرجل لا يزال عضواً في "المؤتمر الوطني"، "ويمكنه أن يشغل مناصب قيادية أخرى".

ويقول القيادي في "المؤتمر الوطني" ربيع عبد العاطي لـ "العربي الجديد"، إن هلال ما زال عضواً في الحزب، كما أن العلاقة معه لم تصل إلى نقطة اللاعودة "وكلما حصلت تفاهمات تجنبنا الصدام"، مضيفاً "هناك مساحة واسعة من التسامح والتفاهم داخل الحزب".

ويتحدث مراقبون عن استحالة نجاح الحزب الحاكم في تسديد فاتورة التغيير والمضي قدماً في تنفيذها، باعتبار أن هناك دوائر من المستحيل أن تشهد تغييراً جذرياً سواء في السياسات أو الوجوه، ولا سيما أن وجود هذه الشخصيات في مراكز نفوذ القرار لأكثر من ربع قرن يجعلها مسيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي يصعب معه تغييرها.

ويقول المحلل السياسي ماهر محمد الأمين، لـ "العربي الجديد"، إن التغيير لم يطل رموزاً أساسية بل جاء بشخصيات منسيّة كوزير العدل السابق عبد الباسط سبدراد، كما أن الإبعاد طال شخصيات برلمانية صُنّفت كمصدر إزعاج للحزب الحاكم، كالقيادي فيه قطبي المهدي.

ويرى أن "الزج باللاعبين الأساسيين في البرلمان مرة أخرى يؤكد أن "المؤتمر" لا يقوى على التغيير باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى صراع عنيف داخله، وخصوصاً أن الوجوه القديمة لا خلاف عليها"، مضيفاً "لكن القائمة طُعّمت بوجوه وبمراكز قوى جديدة لتعمل على تفكيك المراكز القديمة، لكنها قطعاً تنشأ تحت رعاية القديمة وبواسطتها حتى يتسنى لها تفكيكها متى أرادت".

ويعتبر أن تنازل "المؤتمر" عن 30 في المائة من الدوائر جاء بناء على حساباته مع حلفائه ممن وافقوا على خوض الانتخابات.

لكن القيادي بالحزب ربيع عبد العاطي يدافع عن قرار الحزب في التجديد، معتبراً أن "التجديد لا يأتي بين يوم وليلة أو بين عام وآخر وإنما بشكل تدريجي، فتحقيق أي تغيير في البناء السياسي لا يتم إلا خطوة خطوة وعبر مراحل"، مضيفاً أن "الحزب حاول الإبقاء على القيادات في البرلمان فقط وليس الجهاز التنفيذي، ويمكن لهذه القيادات أن تمنح خبراتها للنواب الجدد".

المساهمون