20 عاماً على وادي عربة: مصلحة إسرائيل أولاً

20 عاماً على وادي عربة: مصلحة إسرائيل أولاً

27 أكتوبر 2014
تساهم الحركات السياسية بخلق مناخٍ معادٍ لإسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

 

تبدو الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية "وادي عربة"، التي تحلّ اليوم الأحد، مناسبة جدية لمناقشة المخاطر التي تهدد العلاقات الأردنية ـ الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن دوائر صنع القرار في تل أبيب تدرك أهمية العلاقات مع الأردن، بوصفها إحدى ركائز "الأمن القومي" الإسرائيلي، لكن ذلك لا يجد تعبيره في السياسات الإسرائيلية، التي كثيراً ما تحرج النظام الأردني وتقلّص هامش المناورة أمامه، خصوصاً في الحلبة الداخلية الأردنية.

فقد أصدر "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، دراسة تخلص إلى أن تفجّر الأوضاع في القدس المحتلة، يمثّل أكبر مصادر الخطر التي تهدد مستقبل العلاقات بين الجانبين، وسط محاولات العديد من النخب الحاكمة في تل أبيب تغيير الوقع القائم في المسجد الأقصى، عبر سن قوانين تقلّص صلاحيات الأوقاف الإسلامية.

ويرى معدّا الدراسة، أودي ديكل وعومر عيناف، أن "الانتقادات الأردنية للسلوك الإسرائيلي تمثل رسالة تحذير يتوجب الاستماع لها ومراعاتها".

وانطلاقاً "من مسؤولية الأردن المباشرة عن الأماكن الإسلامية في المدينة، فإن النظام الأردني لا يمكنه أن يغض الطرف عمّا تقوم به إسرائيل في المدينة، وتحديداً في الحرم الشريف، على اعتبار أن الأمر يمس بمصداقية النظام أمام الرأي العام الأردني".

ولم يفت ديكل وعيناف التذكير بأن العلاقات مع الأردن تمثل أحد أهم أعمدة "الأمن القومي" الإسرائيلي، التي يتوجب الحفاظ عليها.

ويدعو الباحثان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى المسارعة لطمأنة الأردنيين بأنه لا يلتزم فقط بعدم تغيير الوضع القائم في الأقصى، بل يطالبان بالسماح للأردن بممارسة مراقبة أمنية داخل الأقصى للتأكد من أن إسرائيل غير معنية بإشعال المنطقة.

لكن السفير الإسرائيلي في عمان، دانييل نيفو، يبدو أقل تأثراً بجملة لانتقادات الأردنية لإسرائيل. ففي مقابلة أجراها معه الصحافي جاكي حوكي، من إذاعة الجيش الإسرائيلي، صباح الخميس الماضي، قال نيفو إنه لا يمكن لإسرائيل "أن تحلم بدولة جارة أفضل من الأردن"، وأشار إلى أن "التعاون الاستراتيجي والتنسيق الأمني يتعاظم بشكل مطرد، علاوة على أن وتيرة تدشين المشاريع الاقتصادية المشتركة بين الجانبين تتزايد بشكل لافت".

كما تطرق نيفو للانتقادات الرسمية الأردنية، وفي مقدمتها تحذيرات الملك عبد الله من "عواقب" السياسة الإسرائيلية في القدس. واعتبر أن "هذه الانتقادات تندرج في إطار محاولة النظام في عمان استرضاء الرأي العام الأردني، وتمثل استجابة للضغوط التي تمارسها أطراف عربية على المملكة لاتخاذ موقف ممّا تقوم به إسرائيل في القدس".

ويشير نيفو إلى أن "الانتقادات الأردنية، لم تحل دون مواصلة تطور وتعاظم تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني وزيادة وتيرة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الجانبين".

يضاف إلى ذلك أن "الأردن توصل مع إسرائيل، قبل شهر، لاتفاق يقضي بتزويده بالغاز الذي تنتجه حقول الغاز المكتشفة حديثاً أمام السواحل الفلسطينية، كما أن الحكومة الأردنية وافقت على تأسيس محطة لتحلية المياه في مدينة العقبة لتزويد ميناء إيلات بالمياة الصالحة للشرب".

وامتدح نيفو الأردن بوصفه "جزيرة استقرار في بحر متلاطم"، مشيراً إلى أن "إسرائيل معنية تماماً بمواصلة التعاون معها"، قبل أن يستدرك بأن الشعب الأردني ليس شريكاً في الاحتفاء بمناسبة مرور عقدين على توقيع اتفاقية "وادي عربة"، متسائلاً: "كيف يمكن تصوّر ذلك، بعدما شاهد الأردنيون ما حدث في غزة خلال الحرب".

ويتهم نيفو الحركات السياسية الأردنية، وتحديداً الإسلامية والتجمعات النقابية في عمّان، بأنها تلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام الأردني المعادي لإسرائيل.

ويعترف بأن فاعلية الرأي العام تدفع الكثير من رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يعملون في الأردن لعدم الكشف عن أنفسهم حتى لا تتأثر أعمالهم بشكل سلبي.

لكن من الواضح أن مظاهر الاطمئنان التي عبّر عنها نيفو، لا تعكس التحديات الجدية التي تهدد مستقبل العلاقات بين الجانبين، خصوصاً مع صعود اليمين المتطرف في إسرائيل. وإذا كانت استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تؤكد أن الانتخابات المقبلة ستفضي إلى تعاظم قوة اليمين الديني المتطرف، خصوصاً حزب "البيت اليهودي" برئاسة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، فإن ذلك يعني مزيداً من التدهور قد يصيب العلاقات.

وقد تعهّد بينيت بالحرص بعد الانتخابات على المضيّ قدماً في سن قوانين وتشريعات إدارية تسمح بـ"تفعيل السيادة اليهودية" على المسجد الأقصى، وهذا يمثل وصفة لإحراج النظام في عمان وتقليص هامش المناورة أمامه.

وتكمن المفارقة هنا في كون نخب اليمين الحاكم، التي لا تبدي حساسية كبيرة إزاء تداعيات سياساتها في القدس على مصداقية النظام الأردني داخلياً، تبدي حرصاً كبيراً على استقرار هذا النظام. وترى دوائر صنع القرار ومحافل التقدير الإستراتيجي في بقاء واستقرار النظام في الأردن الوسيلة الأمثل لمنع تفجّر الجبهة الشرقية من جديد.

وحين تفجر تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية"، لم يتردد وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في القول بأن إسرائيل لن تسمح بالمس باستقرار النظام في عمان، واعتبر أن استقرار نظام الحكم الهاشمي "مصلحة قومية" لبلاده.

لكن السفير الإسرائيلي الأسبق في عمان، عوديد عيران، يرى أن استقرار النظام مهدد أيضاً بفعل تردي الاوضاع الاقتصادية الناجمة عن استقبال الأردن مئات الآلاف من المهاجرين من العراق وسورية. وعلى الرغم من أن عيران يرى أن قدرة إسرائيل على مساعدة عمان محدودة من ناحية اقتصادية، إلا أنه دعا، في دراسة نشرها "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي في أغسطس/ آب الماضي، إلى تحرك الدبلوماسية الإسرائيلية لإقناع الغرب بتقديم الدعم المطلوب للأردن، انطلاقاً من الاقرار بأهمية استقرار نظام الحكم الحالي في عمان.

ولعلّ التوصيف الأشد بلاغة، الذي يختصر أهمية النظام الاردني بالنسبة لإسرائيل، ما كتبه وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، أنه "عندما ننظر للشرق، فيجب أن نشكر الرب على أن الأردن هناك".