البنتاغون يُحرج باكستان أمام الهند وأفغانستان

البنتاغون يُحرج باكستان أمام الهند وأفغانستان

11 نوفمبر 2014
زار قائد الجيش الباكستاني كابول لفتح صفحة جديدة(فرانس برس)
+ الخط -

يكشف التقرير نصف السنوي، الصادر أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركيّة "البنتاغون"، أنّ مسلحين من الهند وأفغانستان يواصلون التمتّع بملاذات آمنة في باكستان، المتّهمة باستخدام الجماعات المسلّحة لمكافحة التفوّق الهندي في المنطقة، والحفاظ على نفوذها في أفغانستان.

ولم تتأخّر باكستان في رفض المزاعم التي يتضمنها التقرير، إذ سارعت وزارة الخارجيّة الباكستانيّة، فور صدوره، إلى استدعاء السفير الأميركي لدى إسلام أباد، ريتشارد أولسن، وأبلغته رفض واحتجاج بلادها على التعليقات التي يتضمنها التقرير، واصفة إياها بـ "غير المرغوبة".
وفي سياق متّصل، يعتبر مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي والشؤون الخارجيّة، سرتاج عزيز، أنّ المعلومات التي يحتويها تقرير "البنتاغون" بشأن باكستان عارية عن الصحة تماماً، كما أنّها تعارض الواقع، إذ تأتي في وقت يقوم فيه الجيش الباكستاني بالعمليّة العسكريّة الأكبر في المناطق القبليّة ضدّ المسلحين. ويشير إلى أنّ "باكستان تمثّل خط النار الأول منذ بداية الحرب على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركيّة عام 2001".

من جهته، يرى القيادي في حزب الشعب الباكستاني، ووزير الإعلام السابق، قمر الزمان كائره، أنّ التقرير "محاولة لإخضاع باكستان إلى مزيد من المطالب الأميركيّة، لا سيّما أنّه يأتي قبيل زيارة هامّة لقائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف إلى واشنطن. وفي موازاة إشارته إلى أنّ "تقارير مماثلة تُعدّ أمراً روتينياً، قبل زيارات هامّة لمسؤولين باكستانيين إلى واشنطن"، يشير كائره إلى أنّ التقرير يلوّح إلى حزمة من المطالب الأميركيّة تنتظر قائد الجيش الباكستاني لدى زيارته المرتقبة إلى واشنطن.
ولم يتردّد العالم الديني وزعيم جمعية "علماء الإسلام"، كبرى الأحزاب الدينيّة في باكستان، المولوي فضل الرحمن، في اتّهام "الولايات المتحدة الأميركيّة بالعمل على بسط النفوذ الهندي في المنطقة"، متوقّعاً أن يكون للتقرير تأثيراً عكسياً على أمن واستقرار المنطقة. كما طالب فضل الرحمن، الذي يترأس اللجنة البرلمانيّة الخاصة بشؤون إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند باكستان، حكومة باكستان بمراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً في ما يتعلّق بالحرب على الإرهاب.
ويأتي تقرير البنتاغون في فترة تتبادل فيها أفغانستان وباكستان الزيارات، لتطبيع وتحسين العلاقات بين الدولتين، وتزامناً مع حالة من التصعيد على الحدود الهندية ــ الباكستانية، مع استمرار تبادل الاتهامات بالانتهاكات الحدوديّة بين البلدين من جهة، وبين باكستان وأفغانستان من جهة أخرى.

وتشكّل زيارة مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي سرتاج عزيز إلى كابول، ومن بعدها زيارة قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف، في السادس من الشهر الحالي، وفق الخبراء، أساساً لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين كابول وإسلام آباد. وفي موازاة تأكيد راحيل في كابول أنّ بلاده "ترغب بإنجاح المصالحة الوطنيّة الأفغانية، وهي تتعاون مع أفغانستان بهذا الشأن"، وصفت الرئاسة الأفغانية الزيارة بأنّها "خطوة هامة، قد تكون بداية صفحة جديدة في العلاقات والتعاون بين الدولتين". وانتهت الزيارة بإعلان الطرفين أنّ الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمدزاي سيقوم بزيارة مهمة إلى باكستان، منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

ولا يستبعد مراقبون أن يكون تقرير البنتاغون، الذي اتهم باكستان بدعم المسلحين في أفغانستان، محاولة لتقويض الجهود التي تبذل لتطبيع وتحسين العلاقات بين الجارتين أفغانستان وباكستان. والأهم هنا أن الصين أبدت رغبتها أخيراً في لعب دور لحلّ الأزمة الأمنيّة الأفغانية، وقد دارت نقاشات بهذا الشأن بين الصين وأفغانستان خلال زيارة الرئيس الأفغاني الأخيرة إلى بكين. كما أكّدت الخارجية الصينيّة بعد زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى بكين، أن الصين ستواصل الحديث مع إسلام أباد بشأن أفغانستان. وعلى الرغم من أنّ المراقبين يثمّنون دور الصين بهذا الصدد، لكنّهم يطرحون تساؤلات حول موقف الولايات المتحدة الأميركيّة إزاء التدخّل الصيني لحلّ الأزمة الأمنية التي تعاني منها كلٌّ من باكستان وأفغانستان.

أكثر من ذلك، يأتي تقرير البنتاغون، في وقت تسود فيه حالة من التوتر والتصعيد على الحدود الهندية الباكستانية. وتتهم باكستان القوات الهندية المرابطة على الحدود بانتهاك حدودها. لذا يخشى الباكستانيون من أن يساهم التقرير الأميركي في زيادة حدّة التوتر على الحدود، وأن يحثّ الجانب الهندي على المزيد من التصعيد، والانتهاكات الحدوديّة.
إضافة إلى ما سبق، لا يستبعد بعض المراقبين أنّ ترغب بعض القوى العالميّة، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، في استمرار النزاعات بين دول المنطقة، لا سيما أفغانستان وباكستان والهند، للحصول على مصالحها، وأن يكون تقرير البنتاغون، بالتالي، خطوة نحو هذا الهدف.

وبغض النظر عن ذلك، فالمعلوم حالياً أنّ تقرير وزارة الدفاع الأميركيّة سيضعف موقف باكستان إزاء الأزمة الأمنيّة في أفغانستان من جهة، والنزاعات الحدودية مع الهند من جهة أخرى، باعتبار أنّه يعزّز موقفي أفغانستان والهند. ويتوجب على باكستان، بحسب خبراء، مراجعة حساباتها مع دول المنطقة، لا سيما أفغانستان، لأن التطوّرات الإقليميّة والمحليّة المتسارعة ليست في صالحها، وعليها أن تبذل قصارى جهودها لإحلال الأمن في أفغانستان، وهو ما سيصبّ في مصلحتها ومصلحة المنطقة بأسرها.