محاولات لإحياء المصالحة الفلسطينية: بدائلها خطرة

محاولات لإحياء المصالحة الفلسطينية: بدائلها خطرة

03 يناير 2018
تزداد أوضاع سكان غزة تدهوراً (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
تذهب الأوضاع في قطاع غزة المحاصر، أكثر فأكثر نحو الانهيار والانفجار، في ظل الأزمات المعيشية والإنسانية والاقتصادية الضاغطة التي تتزايد تأثيراتها على مليوني فلسطيني يعيشون في البقعة السكانية الأكثر اكتظاظاً في العالم.
الحياة في غزة باتت صعبة وقاسية إلى أبعد حد في ظل الانهيارات المتتالية لتجارها وأسواقها، ذلك أنّ المصالحة الوطنية التي كان يُعول عليها في حلحلة الأزمات لم تفعل شيئاً، وبالعكس تماماً فإنّ الوضع الحالي، لا مصالحة ولا انقسام، هو وصفة سحرية لدفع الأوضاع في القطاع نحو الانفجار.
هذا الانفجار الذي يبدو أنه يقترب، إن لم يتحرك وسطاء المصالحة والتهدئة، سيكون أقسى من ذي قبل، فلا شيء تخسره غزة إن ذهبت لحرب رابعة مع إسرائيل، رغم رغبة حركة "حماس" وجناحها العسكري كتائب القسام في إبعاد شبح الحرب إلى أطول مدة ممكنة.

لكن "حماس" التي تحاول المحافظة على الهدوء في القطاع، لا يبدو أنها في وارد اتخاذ خطوات قاسية ضد مطلقي الصواريخ الفردية، وربما تكون أطلقت بعضها كرسائل لإسرائيل بأنّ بيدها ما تستطيع من خلاله تحريك الأوضاع وقلب المعادلة القائمة التي تراها ضاغطة أكثر من أي وقت مضى، ووصلت إلى ذروتها.

والهدوء التي ترغب فيه "حماس" وتسعى للمحافظة عليه، لا يعني بمنطقها استمرار الحصار الخانق، ويتطلب تراجع الموقف الإسرائيلي المعطّل للمصالحة والمهدد لها، ذلك أنّ الحركة أرسلت عبر وسطاء خلال الأيام الماضية رسائل لإسرائيل بأنها لن تسمح باستمرار الوضع في غزة كما هو عليه الآن. وفي خضم تباطؤ المصالحة وتعثرها الحالي، تكشف معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، أنّ الإدارة الأميركية أبلغت السلطة الفلسطينية قبل قرار رئيسها دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، أنّ المصالحة مع "حماس" تعني نهاية السلطة وقيادتها الحالية.
أما إسرائيل، وفق المصادر نفسها، فقد أبلغت السلطة أنّ أي تحرك لإنهاء الانقسام الفلسطيني يجب أن يوازيه اتفاق على نزع سلاح "حماس" في غزة، وهو ما لم توافق عليه السلطة التي نقلت رسائل مباشرة للاحتلال بأن عودتها للقطاع وتمكينها من القيام بكل التزاماتها تعني بالمحصلة عدم السماح لأحد باستخدام سلاحه ضد إسرائيل وفق اتفاق التهدئة والاتفاقيات الفصائلية الداخلية.
وفي غزة، معلوم أن الفصائل الفلسطينية متفقة على عدم القيام بأعمال مقاومة في ظل التوافق الوطني على ذلك، والذي نتج بعد عدوان عام 2014 الذي استمر 51 يوماً، ولا تزال آثاره ماثلة في القطاع لليوم.
ويبدو أنّ "حماس" لم تعترض على هذه النقطة، إذ إنها أبلغت قيادات "فتح" في حوارات القاهرة وغزة مؤخراً أنها لن تذهب إلى حرب مع الاحتلال، وأنها ستعمل على حفظ المصالحة، وستستمر في سياسات ضبط النفس تجاه الخروقات الإسرائيلية، على أنّ تمضي المصالحة وتتقدم وينتهي الانقسام.
وتراهن "حماس" على أنّ الأوضاع السياسية الضاغطة التي تعيشها السلطة الفلسطينية ستدفعها لإنجاز المصالحة وتقوية موقفها بتوحيد شطري الوطن، لكن رهانها هذا يبدو "عبثياً" في ظل مخاوف السلطة من عقوبات إسرائيلية وأميركية إذا ما استمرت في المصالحة مع الحركة، ومخاوف أخرى من أنّ تكون غزة، لبنان ثانية.

الراعي المصري، والذي أعلن نفسه ضامناً للمصالحة مع بدء تطبيق بنودها في أكتوبر الماضي، بات متباطئاً أكثر فأكثر في دعوة الطرفين للقاء مشترك، أو إعادة وفده الأمني إلى القطاع، مع تحفظه على خطوات الطرفين ورغبته في أنّ ينجزا شيئاً على الأرض ليثبتا جديتهما ومن ثم يعود بثقله للملف.
وبعد لقاء رئيس وفد المصالحة في "فتح" عزام الأحمد الأخير مع مسؤولي جهاز المخابرات المصرية، لم يجرِ أي اتصال بين المسؤولين المصريين وحركة "حماس"، ولا بين الحركة ونظيرتها الفلسطينية "فتح".
وتحاول "حماس"، عبر لقاءات تعقدها مع ممثلي المجتمع المدني والفصائل والوجهاء والمخاتير والشباب، اطلاعهم على ما تسميه "تراجع" السلطة الفلسطينية عن تفاهمات المصالحة المبرمة، لكن هذه الخطوات على أهميتها في شرح مواقف الحركة، لا تؤثر عملياً في السلطة وحركة "فتح".
وفي غزة، بات قادة حركتي "حماس" و"فتح" يتهربون من الإجابة على أسئلة الصحافيين حول المصالحة وخطواتها المعلقة والمتعثرة، ويطلب القياديون من الصحافيين الانتظار، على أمل أن تتغير الظروف الحالية ويحدث تقدم مفاجئ في مساعي إنهاء الانقسام.
وعلى الأرض، بدأت أصوات تدعو للتحرك الجماهيري، في ظل الانهيار شبه التام للأوضاع المعيشية والاقتصادية والإنسانية، وفي ظل التدهور الكبير الذي وصلت إليه غزة، ومن المنتظر خروج تظاهرات يجري التحشيد لها شبابياً في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع الخميس المقبل للضغط على طرفي اتفاقية المصالحة لإكمال خطواتهما.
كما بدأ بعض تجار غزة بإغلاق محالهم التجارية وإعلان الإضراب، بشكل مناطقي، لإرسال رسائل لكل الأطراف بسوء الأوضاع المعيشية في القطاع، ووصولها إلى مراحل ما قبل الانهيار الشامل والكامل.