المفقودون في عشريّة الدم... الجرح المفتوح

المفقودون في عشريّة الدم... الجرح المفتوح

15 ديسمبر 2014
تؤكد الأمهات وجود 7400 مفقود (كنزو تريبويّار/فرانس برس)
+ الخط -
ما زال مصير 7400 مفقود في أحداث الجزائر الدامية، غامضاً. بالنسبة للسلطات الجزائرية، فإن الملف طُوي وأصبح جزءاً من ذاكرة المأساة الوطنية، وبالنسبة لعائلات المفقودين فإن الجرح لم يندمل، على الرغم من حصولهم على تعويضات مالية من الدولة. يهم الأهل معرفة الحقيقة، أو على الأقلّ معرفة أماكن قبور أبنائهم من أجل زيارتهم.

كما في كل أربعاء، تتجمّع أمهات المفقودين قبالة مقرّ "الهيئة الاستشارية لحقوق الانسان" للمطالبة بكشف الحقيقة في ملف أبنائهن. تصرّ العائلات، عبر وقفتها الأسبوعية، على الكشف عن ظروف وملابسات فقدان أبنائها. تريد الأمهات اعتراف السلطة بمسؤوليتها الكاملة عن الملف، الذي لا تعوّضه بدلات مادية أو معنوية.

تصرّ رئيسة جمعية "آس أو آس مفقودون"، فاطمة يوس (70 عاماً)، على النضال من أجل معرفة حقيقة فقدان ابنها. تحدثت يوس، نهاية الأسبوع الماضي، في ندوة نظمتها "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان" في العاصمة الجزائرية، وقالت إن "السلطة الجزائرية تحاول تسوية الملف وفق قانون المصالحة الوطنية، الذي تضمّن منح عطايا مالية تُقدّر بقيمة سبعة آلاف دولار أميركي لقاء كل مفقود، مع توقيع العائلة على تسوية إدارية، وعدم رفع أية دعوى قضائية لاحقة".

تعتبر يوس أن "هذا النوع من التسويات لا تحققه العدالة مطلقاً، كونها لا تكشف الحقيقة، ولا تعطي للعائلات حق معرفة ظروف اختفاء أبنائها". وتتفهّم الدوافع والظروف الاجتماعية التي دفعت ببعض العائلات إلى قبول هذه التسوية.

ويعتقد رئيس "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، نور الدين بن يسعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التسوية التي فرضتها السلطة في ما يتعلق بملف المفقودين، وفقاً لقانون المصالحة، لم يحقق العدالة، باعتباره تهرّباً من التحرّي والتحقيق وتحديد المسؤوليات عن اختفاء المواطنين. بالنسبة لي، يكرّس ذلك اللاعقاب واللاعدالة".

غير أن رئيس "لجنة المساعدة القضائية لتطبيق قانون المصالحة الوطنية"، مروان عزي، يردّ على هذه المواقف بالقول إن "الرقم الرسمي لعدد المفقودين في الجزائر بلغ 700 مفقود". ويشير إلى أن "الجزء الغالب من عائلات المفقودين، حصلت على التعويضات المالية التي أقرّها قانون السلم والمصالحة الوطنية، وقبلت بالتسوية التي أقرّها قانون المصالحة الوطنية". واتهم منظمات حقوقية دولية بالوقوف وراء محاولة دفع عائلات المفقودين إلى اعادة فتح الملف مجدداً.

وبالنسبة لمديرة مكتب "منظمة العفو الدولية"، (أمنستي)، في الجزائر، حسينة أوصديق، فإن "السلطات الجزائرية تقدم خطاباً مزدوجاً. فالمواقف الإيجابية التي تعبّر عنها الجزائر في الهيئات الحقوقية الدولية، كثيرة، لكن سلوكها على أرض الواقع غير ذلك تماماً. في قضية المفقودين، تقدّم السلطة التزامات بحلّ المعضلة، لكنها تعتقد أن تسوية مالية ما يُمكن أن تغلق باب النقاش حول الملف".

تردّ السلطات على هذه المطالبات بإجابة قانونية تفيد بأن قانون "المصالحة الوطنية" وإرادة الشعب الجزائري الذي صوّت بنسبة 85 في المئة لصالح إجازة هذا القانون، حسما الملف. كما أن القانون يمنع أي طرف متضرر من رفع دعاوى قضائية ضد مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والجيش، أو توجيه اتهامات لها ولعناصرها العاملة فيها سابقاً، من نوع "التورّط في قضايا خطف أو قتل".
كما يحظر القانون على أي طرف سياسي أو إعلامي أو باحث في الخوض في ملفات الأزمة الدامية. فمن وجهة نظر السلطة، إن الخوض في هذه الملفات في الوقت الحالي، وفي ظرف لم تهدأ النفوس فيه بعد، قد يهدد السلم المدني، ويعيد خلط الأوراق، ويهز استقرار البلد، ويهدم كل منجزات المصالحة الوطنية التي تحققت منذ عام 2005.

وتعتبر السلطات أن هذه المنجزات هي التي سمحت بإعادة توجيه المجهود السياسي والمالي للدولة، وإعادة إنجاز البنية التحتية وتحسين الخدمات والتكفّل بمشكلات الصحة والتربية والسكن والعمل.
ويعتقد المتابعون لمسار تنفيذ قانون "المصالحة الوطنية"، أن الوضع الحالي في الجزائر، على الصعيد السياسي والاجتماعي والمدني، قد لا يتيح أية فرصة لمعالجات جدية لملف المفقودين وبعض الملفات الأخرى المتصلة بالأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينات، وربما قد يأتي ظرف لاحق بعد عقود يمكن خلالها معالجة هذه الملفات المغلقة".