25 يناير من 6 إبريل: المحلّة أطلقت ثورة المصريّين

25 يناير من 6 إبريل: المحلّة أطلقت ثورة المصريّين

06 ابريل 2014
لا تزال الإضرابات محظورة بفعل قانون التظاهر (أرشيف، getty)
+ الخط -

هل هو مصنع داخل مدينة، أم مدينة داخل مصنع؟ هذا السؤال يقفز إلى ذهنك بمجرد أن تخطو خطواتك الأولى داخل مصنع غزل المحلة في مدينة المحلة المصرية. المصنع، الذي اشتهر بأعمدته الثلاثة وجودة منتجاته، شكّل عماله، في فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، نقطة تحوّل في الشارع المصري، وقاد ثورة داخل دلتا مصر وصلت إلى القاهرة بعدها بنحو 3 سنوات.

أسوار تخفي خلفها مبانٍ أثرية على مساحة 650 فداناً، تحيط بها واحدة من قلاع صناعة الغزل والنسيج في مصر: إنها شركة غزل المحلة، تلك التي يدور حولها تاريخ نضال عمالي كان الأشهر من بين الاعتصامات والإضرابات العمالية. نضال لا يهدأ حتى يشتعل مرة أخرى، باحثاً عن مطلب. يضيف إلى ذلك التاريخ بعدٌ زماني ومكاني، إنها الحكاية الأولى لـ"6 إبريل".

7 ديسمبر/ كانون الأول 2006

يُعَدّ هذا التاريخ الشرارة الأولى التي خرجت من شركة غزل المحلة، وامتدّ إلى بقاع مصر، ليعيد إحياء الإضرابات والاعتصامات مرة أخرى داخل روح العمال الضائعة حقوقهم. هكذا يتحدث القيادي العمالي في الشركة، محمد العطار، الذي قاد إضراب غزل المحلة الشهير مع عدد آخر من القادة العماليين في الشركة.

ويقول العطار، لـ"العربي الجديد"، إن الإضراب استمر لمدة 3 أيام فقط، وخرج من بعده حوالى 260 إضراباً في شركات ومصانع مختلفة تنادي بالعدالة والمساواة والعيش الكريم، معتبراً أن المطالب التي رفعها العمال، منذ إضرابهم الأول، ظاهرها اقتصادي ولكن باطنها كان سياسياً.

23 سبتمبر/ أيلول 2007

بالتزامن مع الإضراب الثاني لشركة غزل المحلة، كانت سياسة بيع الشركات إلى القطاع الخاص، أو "الخصخصة"، التي بدأت في 2006، تنطلق بسرعة كبيرة، وكان إضراب غزل المحلة يشجع باقي العمال في الشركات، التي تتعمّد الحكومات المتعاقبة تخسيرها لبيعها، على الإضراب وتنظيم وقفات احتجاجية لعرقلة صفقات الخصخصة، على حد قول العطار، الذي أشار إلى تنظيم 350 إضراباً عن العمل في مصانع وشركات مختلفة، بعد الإضراب الثاني لغزل المحلة الذي استمر 9 أيام.

فبراير/ شباط 2008

في ذلك الشهر، سمعت مصر للمرة الأولى بالمطالبة بوضع حد أدنى للأجور قيمته 1200 جنيه، في تظاهرة ضمت الآلاف من عمال المحلة، تحت شعار: "حد أدنى للأجور للّي ساكنين في القبور، وحد أقصى للأجور للّي عايشين في القصور"، و"مطالبنا حد أدنى... 120 ورقة بمدنة"، في إشارة إلى ورقة الـ100 جنيه في العملة المصرية، المميزة بالمئذنة.

6 إبريل/ نيسان 2008

في ذلك اليوم، كانت مصر تنتظر تنفيذ دعوة لإضراب عام أطلقتها بعض الحركات السياسية. إلا أن كثيرين لا يعرفون أن الدعوة الأساسية خرجت من داخل مصنع غزل المحلة، حيث كان العمال حينها قد أعدوا لإضراب داخل المصنع للمطالبة بزيادة في الحوافز والبدلات ومحاسبة المسؤولين في الشركة عن الخسائر المتكررة التي تكبّدتها.

ويروي العطار أنه تم الإعداد لذلك اليوم في مكتب مؤسس "التيار الشعبي"، المرشح الرئاسي حمدين صباحي. وكان من بين الحضور في الاجتماع التمهيدي، الإعلامي حمدي قنديل، والقيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" سعد الكتاتني، ومنسق "حركة أطباء بلا حقوق"، الأمين العام لنقابة الأطباء منى مينا، وعدد من الشخصيات السياسية.

لم يكن اختيار يوم 6 إبريل، بالمصادفة، فمع اليوم الخامس من كل شهر ميلادي، يكون العمال قد استوفوا كل أجورهم وحوافزهم من الشركة، لذلك تقرر اختيار يوم السادس من ذلك الشهر، حتى يكون الجميع قد استوفوا حقوقهم من الشركة.

فضلاً عن ذلك، فإنّ الخيار وقع على السادس من أبريل لأنه سبق الانتخابات المحلية التي كان من المقرر تنظيمها في 8 إبريل 2008، وكان لإضراب عمال المحلة، رسالة واضحة للنظام، بحسب العطار دائماً.

لم تكن دعوة العمال للإضراب آنذاك، محصورة بعمال المصنع فحسب، بل كانت موجهة إلى أسرهم أيضاً، وكانت تحثهم على مساندتهم من خلال التجمع في "ميدان الشون" المقابل لإحدى بوابات المصنع. وجاءت هذه الدعوات عبر بيان وزّعه العمال، وجاء فيه: "صوت المحلة بيقول للظلم في بر مصر: علّي في سور السجن وعلّي، بكره الناس هاتقوم ما تخلّي".

في اليوم الموعود، كانت قوات الأمن قد اتخذت أماكنها وحاصرت أبواب المصنع، وألقت القبض على عدد من القيادات العمالية. إلا أن كل هذا لم يمنع المئات من التجمع في الميدان لمساندة أبنائهم المحتجزين في المصنع من قبل قوات الأمن.

سريعاً، تحوّل التجمع إلى تظاهرة ساخطة على الأحوال الاقتصادية التي مرت فيها مصر، ثم تطورت إلى اشتباكات بين قوات الأمن والأهالي، في مشهد لم تشهده مصر منذ سنين. كان المشهد يُختصر بقنابل غاز وإطلاق أعيرة نارية وسقوط شهداء وصور للرئيس المخلوع حسني مبارك ممزقة وملقاة على الأرض، وهو ما كان ينذر بأن الثورة ستنتقل يوماً ما إلى سائر ربوع مصر.

استمرت هذه الاشتباكات قرابة الثلاثة أيام، ولم تنته إلا بعدما جاء رئيس الوزراء وقتها، أحمد نظيف، ومعه وزيرة القوى العاملة، عائشة عبد الهادي، خاطبين ود المحلة وعمالها، وقدّما خلال هذه الزيارة وعوداً عدة للعمال أملاً في امتصاص غضبهم.

23 يناير/ كانون الثاني 2011

يشهد هذا التاريخ على التظاهرة الأولى من نوعها أمام قصر الاتحادية الرئاسي في حي "مصر الجديدة"، الذي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه من قبل، إذ كان شارع قصر العيني، حيث تقع مجالس الوزراء والشعب والشورى، هو وجهة معظم المعتصمين والمحتجين.

توجه العشرات من عمال الشركة إلى قصر الاتحادية، وسط تخوّف شديد من التعامل الأمني معهم، فنظّموا الوقفة، وتمت دعوتهم إلى دخول القصر للاستماع إلى مطالبهم، وانتهى اليوم بسلام، بعدما كُسر حاجز الخوف من الاقتراب من هذا القصر، على حد قول العطار.

إبريل/ نيسان 2011

تمكّن العمال، في إضرابهم الذي نظموه في إبريل 2011، من إقالة مدير الشركة فؤاد علام، الذي اعتبره العمال في حينها أنه السبب وراء كل الفساد والخسارة المتعمّدة والكساد الذي لحق بالشركة منذ 2007 وحتى 2011، وهي الفترة التي كان فيها محسن الجيلاني رئيساً للشركة القابضة للغزل والنسيج، والذي اعتبره العمال أيضاً، شريكاً في هذا التدهور وفي الفساد.

إلا أن العمال فوجئوا بقرار الحكومة القاضي بتعيين علام رئيساً للشركة القابضة للغزل والنسيج، فاستمروا في إضرابهم الذي حقق بعض المطالب، وعجز عن تحقيق البعض الآخر، في مقابل عناد الحكومة، رغم تضامن أكثر من 300 ألف عامل غزل ونسيج على مستوى شركات عدة مع إضراب غزل المحلة.

يوليو/ تموز 2012

إضراب آخر نظّمه العمال في يوليو/ تموز 2012، وتمكن من جذب أنظار الجميع، وخصوصاً أنه جاء بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، التي فاز فيها محمد مرسي، فبادر الجميع إلى المشاركة فيه. وبدا الإضراب في 16 يوليو، بعدما علم العمال أن رواتبهم لم تضف إليها مكافأة رمضان (45 يوماً)، وحافز الـ15 في المئة، فأعلنوا الإضراب، وكرروا المطالبة بإقالة رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، فؤاد عبد العليم، وصرف نسب أرباح العمال 12 شهراً أسوة بالعاملين في الشركة القابضة، وصرف حوافز العمال بأثر رجعي منذ عام 1992، وتطهير الشركة من المسؤولين الفاسدين.

إلا أن خريطة الإضراب اتخذت منحى آخر، نتيجة عوامل عدة، منها بدء شهر رمضان أثناء الإضراب، واكتفاء بعض العمال بتلبية بعض المطالب المادية، في مقابل إصرار آخرين على تلبية مطالب تطهير الشركة من الفساد، فضلاً عن اختلاف العمال على مواصلة الإضراب أو تعليقه حتى لا يكونوا طرفاً في صراع سياسي يتعلق باستقرار الأوضاع أو إشعالها.

عدوى الإضراب

على غرار اعتصامات غزل المحلة، خرجت مئات الاعتصامات الأخرى في باقي المصانع والشركات، تتخذ من إضراب غزل المحلة وجهة ومنهاجاً لها في تصعيد الاحتجاج والإصرار على تنفيذ المطالب وإجبار الحكومة على الانحناء لمطالب العمال.

الانتخابات الرئاسية

لم يكن إضراب يوليو 2012، هو الأول لناحية الخلاف ما بين فضّ الإضراب من استمراره، بناءً على الأحداث السياسية، إذ شهدت هذه الفئة النقابية خلافاً سياسياً تزامن مع الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012، خصوصاً بعدما خرجت نتيجة التصويت في المرحلة الأولى من محافظة الغربية لتشير إلى ارتفاع نسبة التصويت للمرشح، المحسوب على نظام مبارك، أحمد شفيق، ومن بعده حمدين صباحي، ثم عمرو موسى. واستهلكت الانتخابات الرئاسية حيّزاً كبيراً من الخلاف بين العمال، باعتبارهم نواة ثورة 25 يناير.

بعد ذلك، تشابهت التفاصيل، وبقي الحال على ما هو عليه؛ فصناعة الغزل والنسيج في مصر لا تزال متوقفة، والإضرابات محظورة بفعل قانون التظاهر الذي أصدرته حكومة حازم الببلاوي عقب انقلاب الثالث من يوليو الماضي.

وتتجاهل الحكومات المتعاقبة أزمات العمال، وتكتفي بسياسة المسكّنات، ويبقى العمال وحدهم ناراً تحت الرماد، قد يعاودون إشعال الثورة مرة أخرى، إذا بقيت الحال على ما هي عليه.

ومهما مرت ذكرى 6 إبريل من دون مشاركة فعلية من العمال، فسيظلّون هم مَن صنعوا "6 إبريل"، وهم مَن ساهموا بشكل كبير جداً في 25 يناير لاحقاً.