ذكرى 11 سبتمبر في أفغانستان وباكستان: نتائج عكسية

ذكرى 11 سبتمبر في أفغانستان وباكستان: نتائج عكسية

11 سبتمبر 2014
أبرز أخطاء القوات الدولية كانت استهداف المدنيين(منير الزمان/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تسببت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بتغييرات جذرية في عدد من دول العالم، ولا سيما في منطقة جنوب آسيا، إذ أعلنت الولايات المتحدة الأميركية الحرب على تنظيم "القاعدة"، الذي كان يقف وراء الهجمات، حسب اتهامات الحكومة الأميركية، وعلى حركة "طالبان أفغانستان" التي كانت تؤوي تنظيم "القاعدة" وقياداته وترفض تسليمهم إلى السلطات الأميركية.

ورغم نفي "طالبان أفغانستان" أن تكون لها ولـ"القاعدة" أي صلة بتلك الأحداث، غير أن الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، أصرت على موقفها، وشنّت حرباً على "طالبان" و"القاعدة" في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، واصفةً إياها بالحرب على الإرهاب التي تهدف إلى استئصال جذور الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها الحركة والتنظيم. وخلال شهر قضى الحلف الدولي المناهض للإرهاب على حكومة "طالبان" في كابول، وتم تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان برئاسة حميد قرضاي.

في ذلك الوقت كان الجميع يظنون أن الولايات المتحدة استطاعت القضاء على "طالبان" و"القاعدة" ولن تقوم لهما قائمة مرة أخرى، لكن الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن، وبدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، وتسير على عكس ما كانت ترغب فيه شعوب المنطقة وحكوماتها.

وبعد مضي 13 عاماً على أحداث 11 سبتمبر ودخول القوات الأميركية والدولية إلى أفغانستان، بات الجميع يدرك أن الولايات المتحدة وحلفاءها الذين أسقطوا حكومة "طالبان" فشلوا في القضاء على "القاعدة" و"طالبان"، وباتت الأخيرة تصول وتجول في ربوع أفغانستان وتشكّل الخطر الحقيقي للقوات الدولية والأميركية المتمركزة في أفغانستان من جهة وللحكومة الأفغانية من جهة أخرى. وهكذا شأن "القاعدة" الذي خسر الكثير من قياداته في الحرب مع القوات الأميركية والدولية، استمر يتمتع بوجود في المنطقة، واستطاع نشر نفوذه إلى الكثير من دول العالم.

وإضافة الى فشلها في الوصول إلى الهدف المنشود المتمثل في القضاء على "طالبان" و"القاعدة"، خلّفت القوات الأجنبية آثاراً عكسية على المنطقة برمتها، كما يرى جل أبناء الشعبين الأفغاني والباكستاني.
في المقابل، يعتقد آخرون أن تواجد القوات الدولية والأميركية ضروري لأمن المنطقة، ولا سيما أن أفغانستان لا تستطيع في الظروف الراهنة أن تعتمد على نفسها. كما لا يمكنها توفير ميزانيتها من دون مساندة الدول الغربية. لكن تلك الشريحة تعترف أيضاً بأن بقاء تلك القوات يخلّف آثاراً عكسية على المنطقة وله نتائج وخيمة، ولا سيما أنها ترتكب أخطاء في حق الشعبين الأفغاني والباكستاني.

أخطاء القوات الدولية

أبرز أخطاء القوات الدولية كان استهداف المدنيين، إذ أدت العمليات العشوائية لهذه القوات في أفغانستان وفي المناطق القبلية الباكستانية إلى قتل عدد كبير من المدنيين. وقد ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير أخير لها أصدرته في 11 من شهر أغسطس/آب الماضي أن القوات الأميركية قتلت آلاف الأفغان من دون ملاحقة أو دفع تعويضات إلى عائلات الضحايا.

وهكذا هو الحال في الطرف الثاني من الحدود، إذ قتلت الغارات الجوية التي تنفذها طائرات أميركية من دون طيار في المناطق القبلية الباكستانية أعداداً كبيرة من المدنيين.

ولا تتوقف أخطاء القوات الأميركية على ذلك، بل إن الأخيرة أقامت سجوناً سرية في عدد من الأقاليم الأفغانية، إذ يجري توقيف المواطنين الأفغان فيها لآجال غير معلومة من دون توجيه التهم إليهم. كما يجري تعذيبهم قبل إطلاق سراحهم أو نقلهم إلى سجون علنية كسجن باغرام في شمال العاصمة الأفغانية كابول، وهو ما أثبتته مؤسسات حقوقية وتقاريرإعلامية. بل وقد تجدد الجدل بشأن السجون السرية للقوات الأميركية في شهر مايو/أيار المنصرم، وذلك بعد تقارير إعلامية تحدثت عن وجود سجون سرية جديدة للقوات الأميركية خصوصاً، والغربية عموماً، في إقليمي قندهار وهلمند، جنوبي أفغانستان. وهو ما دفع بالرئيس حميد قرضاي إلى تشكيل لجنة أمنية خاصة للتحقيق في الموضوع.

وبعد تحقيقات استمرت أكثر من أسبوع، توصلت اللجنة إلى اكتشاف ستة سجون سرية للقوات الأميركية والبريطانية في إقليمي قندهار وهلمند، ثلاثة منها في مطار قندهار وثلاثة أخرى في إقليم هلمند. وأثبتت اللجنة، من خلال التحقيقات، توقيف عدد كبير من المواطنين الأفغان في تلك السجون، من دون توجيه التهم إليهم.

وتسبّب دخول القوات الدولية الى أفغانستان أيضاً بتدهور النظام القبلي، ما جعل المناطق القبلية مقراً ومنطلقاً لجماعات مسلحة. كما تستهدف جهات غير معروفة الزعامة القبلية وتقوم باغتيالات شيوخ القبائل بشكل مكثف.

وأدى وجود هذه القوات الى إحياء الصراع الحدودي بين باكستان وأفغانستان، إذ ازدادت في الأشهر الأخيرة وتيرة الاشتباكات بين القوات الحدودية الأفغانية والباكستانية على الحدود بين الدولتين، وأدت تلك الاشتباكات إلى مقتل وإصابة بعض الجنود، كما تصاعدت وتيرة الاتهامات بين الطرفين.

ويرى المراقبون أن إحياء الصراع الحدودي بين البلدين أحد أهداف القوات الأميركية في المنطقة، وربما الهدف منه  أن تقف باكستان في وجه أفغانستان وتنسى عداءها مع الهند التي ستتفرغ لمواجهة الصين التي تهدد الهيمنة الأميركية على العالم اقتصادياً وعسكرياً.

كذلك برزت في الآونة الأخيرة حركات عديدة في أفغانستان وباكستان، تُعدّ قوة ضاغطة في المنطقة بسبب نفوذها وتنامي قدرتها العسكرية. ويُخشى من أن وجود جماعات متباينة الأفكار ومتخاصمة بعضها مع بعض سيشكّل تهديداً مباشراً لأمن المنطقة على مدى البعيد، ولا سيما  أن من بينها جماعات برزت في ظروف غامضة لا تُعرف أهدافها.

فعلى سبيل المثال في شرق أفغانستان برزت أخيراً جماعة تدعى "جماعة الملثمين". وتقول الحكومة الأفغانية إنها امتداد لجيش طيبة الباكستاني. لكن حركة "طالبان" ترى أن هذه الجماعات من صنع الاستخبارات الأفغانية والدولية للإساءة إلى سمعة "طالبان" من جهة، ومواجهة نفوذها في المستقبل من جهة أخرى.

لهذه الأسباب وغيرها يرى معظم الأفغان والباكستانيين أن وجود القوات الدولية في المنطقة يهدّد مستقبل هذه البلاد سياسياً وأمنياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً، فيما يرى آخرون أن المنطقة عموماً وأفغانستان على وجه الخصوص بأمسّ الحاجة في الظروف الراهنة إلى دعم غربي. لكنهم جميعاً يتفقون على أن لوجود القوات الأجنبية في المنطقة آثاراً سلبية، لا تحمد عقباها.

أما على المستويين الرسمي والسياسي، فبالرغم من أن الحكومة الباكستانية تُعتبر أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، غير أنها تعتبر وجود القوات الأميركية والدولية في أفغانستان تهديداً لأمن المنطقة. وهو ما صرح به أكثر من مسؤول في الحكومات الباكستانية المتعاقبة.

من جهته، يرى قرضاي الذي وصل إلى الحكم نتيجة دعم أميركي ودولي، أن القوات الأميركية هي السبب في زعزعة أمن بلاده. وله خلافات جذرية مع الولايات المتحدة الأميركية والتي بسببها رفض توقيع الاتفاقية الامنية مع أميركا.

ورغم كل هذه المواقف الشعبية والرسمية، من الواضح جداً أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لا يتبنون مواقف طبقاً لإرادات شعوب المنطقة. من هنا تحملت الولايات المتحدة الأميركية نفقات مالية باهظة بعد دخولها إلى أفغانستان، وتحملت خسائر في الأرواح والعتاد خلال الأعوام الماضية لأن لها مصالح إستراتيجية، وهذه المصالح تتطلب بقاءها في المنطقة. لذا هي أخذت وعوداً من المرشحين للرئاسة الأفغانية بتوقيع الاتفاقية الأمنية.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة ستُبقي جزءاً من قواتها في أفغانستان للحفاظ على مصالحها، بعد التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الحكومة الأفغانية المقبلة، لكنها ستتبع النهج نفسه في التعامل مع شعوب المنطقة وحكوماتها.