"الاشتراكي" اليمني يجنح نحو "الفدرالية"

"الاشتراكي" اليمني يجنح نحو "الفدرالية"

01 ديسمبر 2014
ملف صياغة مستقبل اليمن على طاولة البحث (أرشيف)
+ الخط -
يواجه الحزب الاشتراكي اليمني جملة من التحديات المصيرية، يتعلّق بعضها بإعادة البناء التنظيمي الداخلي، وأخرى جهوية تتعلق بحضور الحزب داخل الشارع الجنوبي، العمق الجماهيري له، الذي بات جزء كبير منه في قبضة فصائل الحراك الجنوبي، المطالبة بإعادة دولة الجنوب وفك الارتباط مع الشمال.

وإزاء المعضلة الجهوية، دفع الاشتراكي باتجاه إعادة صياغة دولة الوحدة اليمنية، لتصبح "فيدرالية" بدلاً عن "الاندماجية"، ومثلما يعارض الحزب تقسيم المحافظات الجنوبية إلى إقليمين، ويعتبر ذلك تهديداً لوحدة الجنوب، يرى في المقابل أن الحل الأمثل للحفاظ على وحدة البلاد، يقضي بتبنّي تقسيم اليمن إلى إقليمين، شمالي وجنوبي. وعمد الحزب إلى تطبيق هذا التقسيم على نفسه، معلناً في ختام اجتماع لجنته المركزية التي انعقدت بين 22 و25 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إعادة هيكلة الحزب على أساس شمالي وجنوبي.

وتُعدّ هذه الخطوة الأولى من نوعها على مستوى الأحزاب اليمنية، ومستغربة بعض الشيء من حزب وحدوي بطبيعته، سبق أن أفصح عن مخاوفه من مخاطر التقسيم الفيدرالي على نطاق الجنوب، ثم عاد واعتبر أن هذا النوع من التقسيم أصبح حلّاً للحفاظ على وحدة اليمن.

ولعلّ الحزب في خطوته الأخيرة التي أعاد فيها تقسيم نفسه هيكلياً إلى شمال وجنوب، يريد أن يقدّم دليلاً عملياً على أن الصيغة الاتحادية ليمن من إقليمين، لن تؤثر سلباً على وحدته، وإلا لما غامر الحزب بوحدته الداخلية.
وتكمن أهمية الحزب في أنه كان الحزب الحاكم في الجنوب حتى عام 1990، وكان الشريك الجنوبي في الوحدة مع حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الشمال، ثم خرج الحزب من ائتلاف السلطة عام 1994 بعد الحرب الأهلية التي انتهت بانتصار "المؤتمر"، المتحالف حينها مع حزب "الإصلاح"، ونزوح أمينه العام الأسبق علي سالم البيض، مع عدد من قيادات الحزب إلى خارج البلاد. وبات البيض اليوم يترأس، من مقر إقامته بالخارج، فصيلاً واسعاً في الحراك الجنوبي، الذي انضمت إليه العديد من قواعد الحزب وقياداته الوسطى.

وتصاعدت فعاليات الحراك الجنوبي منذ عام 2007، الذي استهلّ بداياته، بتوجيه نقد عنيف للاشتراكي واتهمه بالتفريط بالقضية الجنوبية، وظلّ خطاب الحراك يدفع الاشتراكي إلى تقديم المزيد من الإثباتات بهدف دحض هذه التهمة، كي لا يخسر ساحة الجنوب.

وفي الوقت عينه ظلّ الاشتراكي متمسكاً بـ"الوحدة" التي شكّلت البند الأساسي لدى تأسيسه في عام 1978، وقاد دولة الجنوب إليها في عام 1990. أما الآن فبات الحزب أمام معادلة صعبة، تتجلّى في محاولة إثبات انحيازه للجنوب، وإثبات أن التوجه نحو الوحدة مع الشمال لم يكن خطأً استراتيجياً.

وأفرزت هذه المعادلة عن ابتكار العقل السياسي الاشتراكي لنظرية إعادة صياغة دولة الوحدة على أساس "الشراكة الندية والمتساوية للجنوب في الدولة المدنية الاتحادية"، بدلاً عن الصيغة الاندماجية الحالية، التي تعطي الشمال أفضلية بسبب أغلبيته العددية.

لكن هذا الحلّ الوسطي الذي ابتكره الحزب، لم يضمن له النفاذ إلى قلوب الآلاف من مناصري الحراك الجنوبي، الذين يرفضون مقررات مؤتمر الحوار الوطني (مارس/آذار 2013 ـ يناير/كانون الثاني 2014) بالجملة، بما فيها التقسيم الفيدرالي للبلاد إلى ستة أقاليم، اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال. وهو التقسيم الذي نتج عما سمّي "مصفوفة الحلول للقضية الجنوبية".

وفي الوقت الذي أعاد الاشتراكي هيكلة نفسه على أساس اتحادي، شمالي وجنوبي، أكد في البيان الختامي لاجتماع لجنته المركزية، اعتراضه على التقسيم الفيدرالي المقرر للبلاد، إلى ستة أقاليم، وجدّد تمسكه برؤيته الخاصة بالتقسيم إلى إقليمين، على الرغم من أنه كان من الأحزاب الموقعة على مخرجات مؤتمر الحوار، ووثيقة "تقسيم الأقاليم" في فبراير/شباط الماضي، غير أن الأمين العام، للحزب، ياسين سعيد نعمان، غادر إلى خارج البلاد، قبل اختتام مؤتمر الحوار، في تعبير واضح عن رفضه لخيار تقسيم الجنوب إلى إقليمين، والإصرار على ضرورة أن يكون التقسيم على أساس شمال وجنوب.

ويبدو واضحاً أن الاشتراكي ومن خلال المؤتمر الذي عقده في الأيام الماضية في صنعاء، برئاسة نعمان، قد عاد إلى خياره السابق، وهو "رفض تقسيم الجنوب إلى إقليمين، لما يحمله هذا التقسيم من تفريغ للقضية الجنوبية من معانيها السياسية والتاريخية"، حسب ما جاء في البيان الختامي.

وأثار توجّه الاشتراكي لـ"فدرلة" نفسه، انتقادات مراقبين يرون أن الدفع لإعادة تقسيم البلاد إلى إقليمين لا يتطلب بالضرورة أن يتجه الحزب لتقسيم نفسه، وهو الذي ظلّ موحداً في بناه الداخلية حتى في فترة ما قبل تحقيق وحدة الشطرين في عام 1990.

وتثير مفارقة رفض الحزب خطة تقسيم الجنوب لإقليمين، باعتبارها مهدداً لوحدته، ودفعه لأقلمة البلاد حفاظاً على وحدتها، انتقادات كثر. ينطلق بعضها من أن التوجّه نحو الفيدرالية والدولة الاتحادية، لا يعتبر حلًّا للمشكلة اليمنية وعلى رأسها القضية الجنوبية.

وكتب المحلل السياسي سامي غالب، في صفحته على موقع "فايسبوك"، معلّقاً على قرار الحزب، بأنه "من المدهش حقاً أن الاشتراكي، وقيادات جنوبية أخرى، تعتبر الفيدرالية في الجنوب، وتحديداً إنشاء إقليم لحضرموت، مؤامرة تُمهّد بوضوح لانفصال حضرموت، بينما لا يرون أي خطر على الوحدة اليمنية في فيدرالية الإقليمين، التي تُخضع حضرموت لسلطة مركز جنوبي وليس شمالياً (في إشارة للرئيس عبدربه منصور هادي الجنوبي)".

من جانبه يرى سياسي يمني مستقلّ، رفض الكشف عن اسمه، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "الحزب الاشتراكي يواجه حسابات صعبة، وأنه مخيّر بين مستويات من الخسارة، ولذا يرى أن من مصلحته التركيز على الجنوب، بعدما صارت المنافسة على الساحة في الشمال أمراً صعباً بوجود مزاحمين أقوياء، كحزب المؤتمر وتجمع الاصلاح وحركة "أنصار الله" (الحوثيين)".

ويرى السياسي أن "ما يخيف الحزب، هو انفراد الحراك بمخاطبة الشارع الجنوبي في ظل وجود قيادات حراكية لا تهتم بمستقبل موحد للجنوب، بقدر اهتمامها بتحقيق الانفصال، ولو ببتر حضرموت وحدها. وبالتالي من الصعب على الحزب وغيره، القبول بهذا البتر، لأن التوحيد يُعدّ تاريخياً أحد إنجازات الحزب، فضلاً عن الأهمية الاقتصادية التي تشكلها حضرموت النفطية للجنوب واليمن ككل".

المساهمون