جبران باسيل رئيس الظلّ للحكومة اللبنانية

جبران باسيل رئيس الظلّ للحكومة اللبنانية

04 فبراير 2019
وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل 2019 (حسين بيضون)
+ الخط -

سعد الحريري رئيساً للحكومة في لبنان، وغسان حصباني نائباً له من دون صلاحيات، وبينهما جبران باسيل، وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر"، وزيراً فوق العادة، يقود 11 وزيراً حوّلوه فعلياً إلى رئيس حكومة ظل. لا تُتخذ قرارات من دون موافقته، ولا تمر مشاريع من دون تأييده، والوقوف عند خاطره، ولا يحكم، حتى سعد الحريري، بلا استشارته أو إرضائه. هكذا تبدو صورة الحكومة اللبنانية الثلاثينية الجديدة التي وُلدت مساء الخميس الماضي.
يملك باسيل في حسابات السياسة اللبنانية القدرة على تعطيل أي قرار، كما يملك القدرة اليوم على إسقاط الحكومة وحده متى شاء. في السياسة اللبنانية، مَن يملك الثلث المعطل (الثلث + 1)، أي 11 مقعداً من أصل 30، يملك القرار فيها. وعملياً، إسقاط الحكومة هي مهمة كانت يوماً محصورة في مجلس النواب أو في رئيس الحكومة الذي متى استقال سقطت الحكومة، بموجب ما ينص عليه الدستور. وأن يملك باسيل هذا الحق، فيعني أن الرجل فعلياً أصبح هو الرقم 2 في الحكومة، وينافس رئيس الحكومة في الصلاحيات، إن لم يكن يتخطاها، بعد أن أمّنت له الوزارات التي استحوذ عليها حضوراً وازناً في حقائب الخارجية، والدفاع، والطاقة، والاقتصاد، والبيئة، والسياحة، والعدل، والمهجرين، فيما لا يمون فعلياً الحريري سوى على وزارة الداخلية والاتصالات والإعلام.


خيارات الحريري
كان يشكو رفيق الحريري دوماً، وهمساً، من أن حكوماته كانت مقيدة بالوصاية السورية. لكنه في كل حكوماته (1992 ــ 1998، ثم 2000– 2004) كان يتحايل على هذا الواقع لتمرير قراراته، وما يريد. ولعل ما يقال عن وزير الطاقة محمد عبد الحميد بيضون يختصر القصة. دخل الرجل يوماً وزيراً من حصة حركة "أمل"، وخرج وزيراً محسوباً على الحريري نفسه.
ساهم حضور رفيق الحريري وحجمه العربي والدولي في لجم مفاعيل محاولات إضعافه. لكن منذ الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، وانتقال اللعبة إلى التوازنات الداخلية، أُعيد لموقع رئاسة الحكومة دورها، عبر تحالف عريض (14 آذار) نجح من خلاله من تولى رئاسة الحكومة (فؤاد السنيورة، ثم سعد الحريري) في إحكام قبضته على الأغلبية في مجلس الوزراء، على الرغم من عرقلة قوى "8 آذار" الدائم بحكم الثلث المعطل (النصف + 1). اليوم، لعلها المرة الأولى التي يدخل فيها الحريري الحكومة مجرداً من أكثرية تقف إلى جانبه، بعد أن حصد معسكر "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" نحو 18 مقعداً حكومياً، مقابل 12 للطرف الآخر الممثل بتيار المستقبل و"القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي، 2 من هؤلاء مشكوك في التزامهما الكامل بقرارات "المستقبل" أو الحريري، وتحديداً عادل أفيوني المحسوب على رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، وفيوليت الصفدي، زوجة النائب السابق محمد الصفدي، المقرب أيضاً من رئيس الجمهورية ميشال عون.


يلوم البعض في "المستقبل" ومن كان يوماً ينشط في صفوف "14 آذار"، الحريري، على هذا الواقع. يعتبرون أن الرجل في الحكومة اليوم أضعف من أن يحكم، وأن أولويته كانت تأليف حكومة بأي ثمن. حتى أن البعض يأخذ على الحريري عدم رفع شروطه، أو طلب مثلاً حصة لرئيس الحكومة، على غرار حصة رئيس الجمهورية، والتي أدت إلى تضخم حصة التيار الوطني الحر ووصولها إلى 11 مقعداً، وهو النهج الذي كان متبعاً دوماً في منح رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة فقط عندما لا يكونان لديهما كتل نيابية مقاعد وزارية.

صداقة ومصالح بين الحريري وباسيل
لا يبدو أن الحريري قلق من هذه التوازنات الجديدة. لا شك بالنسبة له ومن حوله أن هذه الحكومة تعكس التوازنات في المنطقة وفي لبنان، وانتصار فريق على آخر، لكنها كانت أفضل الممكن بالنسبة له. يأخذ البعض على الحريري أيضاً أنه استسلم سياسياً لسطوة حزب الله، وبات يتأقلم مع هذا الواقع، في انتظار ظروف دولية أو إقليمية تقلب المعادلات الداخلية، وأن في هذه برغماتية سياسية وحنكة، إضافة إلى محاولة الاستمرار بعد أن كاد مشواره السياسي ينتهي عند أكثر من محطة، بسبب الفشل المتكرر.


ما ينطبق بالنسبة للحريري على الملفات الكبرى، لا ينطبق على الداخل اللبناني، الذي برأيه بات لا يخضع للعبة التحالفات الإقليمية، بل لحسابات داخلية، ويعتبر أن التحالف بينه وبين "التيار الوطني الحر" قادر على انتشال البلد، وتحقيق استقرار حكومي مطلوب، لإجراء ورشة كبيرة اقتصادية وكذلك تنموية، تحقق ما يريده الحريري لإعادة حضوره على الساحة السياسية اللبنانية، وما يريده "التيار الوطني الحر" لإنجاح عهد ميشال عون. ينطلق الحريري من هذه المقاربة من العلاقة التي تجمعه بباسيل. بات معلوماً في الداخل اللبناني أن العلاقة بينهما أضحت تتخطى الشق السياسي، وليس أدل على ذلك سوى خطاب الحريري خلال الانتخابات النيابية، في مايو/أيار الماضي، عندما دعا مناصريه في الشمال، وتحديداً في منطقة البترون، إلى الاقتراع لـ"صديقي جبران". لكنها علاقة بدت تثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً بسبب تطورها قبل سنوات، وهي التي أمّنت انفتاحاً بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" أدى إلى انتخاب عون رئيساً، بصفقة أفرزت شراكة بينهما، وتخطت باسيل إلى عون شخصياً، الذي تحدّث مراراً عن الحريري بنبرة أبوية.

تبرز علاقة الصداقة بين الحريري وباسيل أكثر في باريس، المدينة التي تسمح لهما بالتنقل بحرية على عكس بيروت ومخاطرها الأمنية، والمواكب والحرس. يحكى عنها بوصفها باتت تتخطى حتى السياسة والصداقة الهامشية، إلى علاقات وشراكات اقتصادية، ويحكى أيضاً عن شراكة في قطاع النفط بينهما، وعن شراكة في مشاريع إعادة إعمار سورية. ولهذا ربما يكرر الحريري دوماً تأييد لبنان للخطة الروسية المتعلقة بإعادة اللاجئين.


تثبيت حضوره في "التيار"

يدخل باسيل الحكومة اليوم كما لم يدخلها يوماً. يدخلها بعد أن نجح في تكريس نفسه رقماً أساسياً في المعادلة اللبنانية. الرجل الذي عادة ما يثير الكثير من الجدل حول طريقة عمله واستفزازاته للجميع وغروره ومواقفه العنصرية، وطموحه السياسي المستعجل، بات اليوم الرجل الأقوى في الحكومة على الأقل حسابياً. لم ينجح باسيل عندما بدأ مشواره السياسي في وزارة الطاقة، ولن يسجل التاريخ له أنه كان دبلوماسياً محنكاً، لكن الأكيد أن "صهر العهد"، أي باسيل، نجح في أن يكون خيار ميشال عون الأول. فمنذ لحظة عودة عون إلى لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، وعند تأليف أي حكومة، كان يرفض ويعرقل ما لم يكن باسيل في عدادها. وحتى عندما تسلم عون الرئاسة، وقف مسلماً "التيار" ومن فيه لباسيل، مفضلاً إياه من بين أصهاره وحتى على بناته.


لم تكن رحلة باسيل في تثبيت أقدامه في "التيار" سهلة. عارضه كثر فأقصاهم، ووقف في وجه من يعتبر أنه يسيء لإرث "التيار" ونضالاته فحيّدهم وأسكتهم، وأدخل إلى "التيار" دماً جديداً يدين له شخصياً بالولاء، بعد أن طوّع من بقي، فيما لا تزال قلة تحاول مواجهة نفوذه من داخل "التيار"، وسطوته فيه، وفي مجلس النواب عبر كتلة "التيار"، وفي الحكومة اليوم. لكن في اللحظة التي ظن باسيل أن الساحة أخليت له، وأن طريق وراثة عون بات معبداً له، وربما طريق الوصول إلى قصر بعبدا يوماً ما، طرقت ميراي عون، ابنة عون، وشقيقة زوجة باسيل، باب السياسة من بابها العريض، فارضة على باسيل إعادة مراجعة حساباته، بعد أن تقلدت منصب مستشارة الرئيس، لتكون ذراعه في القصر، فبات المرور عبرها ضرورياً لأي شخص يريد الوصول إلى عون، أو محاولة التأثير على قراراته.

لم تعد في الأشهر الأخيرة العلاقة الملتبسة بين جبران وميراي سراً. كثر في "التيار" يتحدثون عن المعركة المقبلة بين ميراي وجبران. سمح منصب ميراي الجديد، كمستشارة لعون، لها بلعب دور سياسي محوري. قبله طرح عليها جدياً الترشح إلى المجلس النيابي في قضاء المتن. لعبت التوازنات والحسابات في هذه المنطقة ضدها، لكنها كانت قد حجزت منذ عام 2016 موقعاً لها في "التيار"، بعد أن فازت بعضوية المجلس السياسي، وحصدها النسبة الأكبر من الأصوات، موجهة صفعة قوية لباسيل.

كثيرة هي الملفات الخلافية بين ابنة عون وصهره. يُحكى في "التيار" عن أكثر من مشادة بينهما، من الخلاف بشأن حل المكتب السياسي للتيار، إلى التباينات السابقة بشأن التشكيلات الدبلوماسية، وصولاً إلى مبدأ فصل النيابة عن الوزارة الذي عارضه باسيل، وكانت ميراي عون من أكثر المتمسكين به، وكانت تهدف من خلاله إلى إبعاد باسيل عن الحكومة، لتصبح هي الرقم الأول لـ"التيار"، في المعادلة الحكومية، فيما يتفرغ باسيل لرئاسة تكتل "لبنان القوي" (التكتل النيابي لتيار عون وحلفائه).

لا تخلو إطلالات ميراي الأخيرة دوماً من نقد مبطن لباسيل، من إصرارها على فصل الوزارة عن النيابة، إلى حديثها عن أن "لا وريث للجنرال". لكن تأليف الحكومة أكد أن باسيل هو الرقم الأول في "التيار" حتى بالنسبة لعون، وهو ما بدا واضحاً نتيجة تحييد ميراي عن المشاركة في الحكومة الجديدة، بعد أن طرح اسمها جدياً، وكذلك عدم توزير أي شخصية مقربة منها، على عكس الحكومة السابقة التي كان في عدادها رائد خوري، وزير الاقتصاد المقرب منها. كما أن باسيل نجح في الاستحواذ على كل الوزارات عبر مقربين منه، بمعادلة واضحة. وضمن الأسماء الـ11 يمكن القول إنه باستثناء الوزراء الحلفاء، وتحديداً وزراء حصة الرئيس من المكونات السنية والدرزية والأرمنية، حضر اسمان مقربان من ميراي عون، وهما وزير الاقتصاد منصور البطش ووزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، والبقية مقربون من باسيل شخصياً.