الملف الإيراني مخرج نتنياهو من القضية الفلسطينية

الملف الإيراني مخرج نتنياهو من القضية الفلسطينية

02 مارس 2015
لا يريد نتنياهو حلولاً للقضية الفلسطينية (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
منذ أن وقّع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في ولايته الأولى، بعد تغلبه على شمعون بيريس في العام 1995 على "اتفاق الخليل"، وهو يصرّ على البحث بشكل دؤوب عن ستارٍ يمكنه من وضع القضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي، خلفه، بعيداً عن الأنظار وتحويل الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى نزاع حدودي بين كيانين. كما يُمكّن إسرائيل في الوقت ذاته من إدارة الصراع بدلاً من حلّه، في متابعة للنهج الذي رسخه آرييل شارون في السنوات التي تولى فيها الحكم في إسرائيل حتى العام 2006.

في السياق، يدير نتنياهو "مهرجان إيران"، منذ العام 2009، وحتى بعد خطاب "بار إيلان" الذي أعلن فيه موافقته تحت الضغط الأميركي، على مبدأ الدولتين. ولجأ نتنياهو إلى اعتبار "الخطر الإيراني رئيسياً ويهدد إسرائيل".

وساند الأداء الفلسطيني المتعثر، في مواجهة سياسات نتنياهو، في تحويل الخلافات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، إلى خلافات "ثانوية" تتعلق بتجميد الاستيطان، وترسيم الحدود، وتحديد حجم التبادل في الأراضي، علماً بأنه يفترض بالجانب الفلسطيني عدم القبول بـ"مبدأ التبادل"، لأن فلسطين كلها مسلوبة ولا يمكن تعويض أرض مسروقة بأرض مسروقة أخرى.

وعملياً، يمكن القول إن خطاب نتنياهو المرتقب، غداً الثلاثاء، في الكونغرس يُشكّل ذروة تغييب القضية الفلسطينية، لأنها تُشكّل محور ولبّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وتمّ التمهيد للخطاب منذ أكثر من شهر، في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية والعربية، وخصوصاً عبر الإضاءة على التفاصيل المنشورة إسرائيلياً وأميركياً، حول حجم الخلاف بين إدارة أوباما وبين حكومة نتنياهو، وبين أوباما "الرئيس" ونتنياهو "الجمهوري الإسرائيلي".

وسعى نتنياهو إلى تكريس أهمية الخطاب بالنسبة إليه، حين كرر قبل صعوده سلّم الطائرة المتجهة في مطار اللدّ، إلى واشنطن، قوله "أشعر بأنني رسول كل الإسرائيليين". وأضاف "مع تقديري واحترامي للرئيس الأميركي، إلا أنني أشعر بأن واجبي ومسؤولياتي كرئيس حكومة الدولة اليهودية، يكمن في السعي إلى طرق كل باب واستغلال كل منصة، لمنع أي خطر من شأنه أن يهدد الأمن الإسرائيلي ومستقبل إسرائيل".

اقرأ أيضاً: إسرائيل: نتنياهو يرفض تشكيل حكومة وحدة مع "المعسكر الصهيوني"

وقد أعطى الملف الإيراني، وخصوصاً في ظلّ التهديدات المتكررة للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بإبادة إسرائيل، وإنكاره المحرقة اليهودية، نتنياهو سلاحاً وستاراً، يمكنه أن يسحبه ويسدله على القضية الفلسطينية. وينوي نتنياهو ترسيخ المفهوم الذي يعتبر أن "التهديد الإيراني بات اليوم أكبر خطر وجودي، ولا يهدد إسرائيل فقط بل العالم الغربي أيضاً". مع تعداد عوامل قد تساعد، بالنسبة إليه، في تمتين هذا المفهوم كـ "تعثر الربيع العربي، وكثرة البؤر والنزاعات التي تعيق وتحول دون الاستقرار في الشرق الأوسط والوطن العربي"، لتأكيد رواية الاحتلال، بأن "القضية الفلسطينية لم تعد الهاجس الأول للعرب ولا السبب الرئيسي لعدم الاستقرار".

وقد وظف نتنياهو، بشكل ذكي، مخاوف العرب أنفسهم من إيران وطموحاتها في الخليج العربي، لمحاولة بناء "حلف وتقاطع مصالح مع الدول السنية المعتدلة". وهو تعبير إسرائيلي بامتياز، بات مقبولاً في الإعلام العربي حتى، يقوم ليس فقط على مواجهة الملف الإيراني، بل توسيع ذلك إلى مواجهة محورين أساسيين، رصدتهما إسرائيل كأكبر خصم لها وعدو منذ بدء "الربيع العربي": "المحور الإيراني الشيعي" ويقابله "المحور السني المتطرف".

وشكل تكريس "صنع" المحور الأخير في السياسة، منفذاً مسانداً للإسرائيليين للخروج من القضية الفلسطينية وتهميشها، عبر حرف النقاش إلى محاربة المقاومة الفلسطينية في القطاع، وما بقي من جيوبها في الضفة الغربية، باعتبارها جزءاً من "كل" إسلامي متطرف، تقوده حركة "الإخوان المسلمين" ويدعمها في ذلك كل من قطر وتركيا.

وساهم هذا الخط الدعائي الإسرائيلي في تخفيف وقع العدوان الأخير على قطاع غزة، وتبرير فشل مفاوضات سبتمبر، التي انطلقت عام 2013، بعد إرغام الجانب الفلسطيني على وقف وتجميد كل خطواته على الساحة الدبلوماسية. كما ساهم، مسنوداً بتغول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية، في إيجاد "العدو" المناوب لإسرائيل ومحور "الاعتدال السني".

ويهدف خطاب نتنياهو في واشنطن، إلى تحقيق هدفين أساسين له، أولهما انتخابي يساعده على كسر حالة التعادل في عدد المقاعد المتوقعة لحزبه، في انتخابات الكنيست في 17 مارس/آذار الحالي، ولخلق جرف انتخابي داخل معسكر اليمين الإسرائيلي لمصلحة حزب الليكود، من أجل تكريسه الحزب الأكبر بامتياز وبعدد كبير.

أما الهدف الثاني، فيقضي بمواصلة تكريس الدعاية الإسرائيلية والخط الاستراتيجي لنتنياهو، حول عدم الخوض حالياً، لا بل منع أي مبادرة مستقبلية، أو مسعى فلسطيني لفرض حل دولي أو مبادرة دولية، تلزم إسرائيل بالعودة إلى إعطاء الأولوية ومكانة الصدارة للقضية الفلسطينية. ويعزز هذا الأمر أيضاً، تصريحات عدة صدرت حتى عن خصوم نتنياهو وعلى رأسهم يتسحاق هرتسوغ، يستدل منها أن المطلوب في أقصى الحال هو مبادرة لتحريك الجمود السياسي، خوفاً من انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة، وانهيار السلطة الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني.

سينشغل العالم هذا الأسبوع بخطاب نتنياهو، وبتداول نوعية الاتفاق المرتقب بين الغرب وإيران. وقد يخوض كثيرون، في دلالات وأهداف توظيف نتنياهو، مجدداً لمسألة المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، لإحياء "عقدة الذنب الأوروبية"، كما في استحضار الميثولوجيا والأساطير اليهودية والإسرائيلية.

وسيكون ذلك دليلاً جديداً على "انتصار" سياسة نتنياهو في تغييب فلسطين وقضيتها، كقضية محورية وأساسية، لأن نتنياهو يدرك قبل غيره، أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، لن يسمح بإيران ذرية، ولا بوجود أي خطر قد يهدد أمن إسرائيل، مع دعم بقائها قاعدة رئيسية للغرب في الوطن العربي كله، لا في الشرق الأوسط فقط.

اقرأ أيضاً: وثيقة سرية تكشف تناقض تصريحات نتنياهو و"موساد" إزاء إيران

المساهمون