تحديات أمام الفريق الأممي في الحديدة: اختبار لصمود التهدئة

تحديات أمام الفريق الأممي في الحديدة: اختبار لصمود التهدئة

19 يناير 2019
وجّه الحوثيون انتقادات كبيرة لكاميرت (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
تواجه مهمة رئيس فريق لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، في الحديدة اليمنية، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، تحديات كبيرة يتنقل فيها بطريق مليء بالألغام، بعد اصطدامه مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وفي ظل خروقات مستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار في المحافظة يتبادل الحوثيون والحكومة الاتهامات بشأنها، بما يثير تساؤلات عن كيفية نشر عشرات المراقبين من الأمم المتحدة في الحديدة، بناءً على القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي.
وأكدت الأمم المتحدة ومصادر يمنية متعددة، أن موكب كاميرت، تعرض لإطلاق نار عقب اجتماع عقده بالفريق الحكومي في لجنة التنسيق وإعادة الانتشار مساء الخميس. وأظهرت صور بثّتها القوات الحكومية سيارة عليها شعار الأمم المتحدة، وقد اخترقتها رصاصة، تبادل الحوثيون والحكومة الاتهامات بإطلاقها، غير أن المنظمة الدولية، أكدت في المقابل، أن كاميرت وأعضاء فريقه، سالمون.

وكشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن موكب كاميرت اضطر بعد تعرضه لإطلاق النار للعودة إلى المناطق الخاضعة للقوات الحكومية، وهو يقيم في الأصل، في فندق الاتحاد في مدينة الحديدة، حيث يسيطر الحوثيون. وقالت مصادر حكومية إن مسلحي الجماعة، منعوا لساعات مرور موكبه للقاء الوفد الحكومي، قبل أن يسمحوا له بالتوجّه، وفور انتهاء الاجتماع ومغادرته المنطقة، تعرضت سيارة في موكبه للرصاص.
وبصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن استهداف الفريق الأممي، يُعدّ التطور اللافت هو الأول من نوعه، ويشير إلى أن مهمة صعبة تنتظر الأمم المتحدة في المدينة اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تحوّلت إلى محور للعمليات العسكرية وجهود السلام، منذ ما يقارب العامين. وجاء اتفاق استوكهولم المبرم في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، ليوقف رسمياً العمليات العسكرية ويتضمن ما من شأنه أن يجعل للأمم المتحدة، الكلمة الأولى في المدينة التي تصل إلى موانئها أغلب الواردات والمساعدات الإنسانية.

وكان فريق كاميرت، قد حضر إلى الحديدة أواخر ديسمبر الماضي، بعد أيام من صدور القرار الدولي 2451، والذي أقر دعم اتفاقات السويد بما فيها الحديدة. وعلى الرغم من تمكّن الفريق الدولي من جمع طرفي لجنة التنسيق وإعادة الانتشار (ثلاثة عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين)، لأسبوعين متتاليين، إلا أن المهمة صارت أصعب منذ الأسبوع الثالث، عندما تعذر انعقاد اجتماع يضم ممثلي الطرفين مجدداً، إذ رفض الحوثيون حضور ممثليهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.

ولم تقتصر ملامح الأزمة على تعذر انعقاد الاجتماعات المباشرة والاتهامات المتبادلة بالتنصّل من تنفيذ الاتفاق، بل امتد إلى حملة شنّها الحوثيون ضد باتريك كاميرت، تعدت الاتهامات الإعلامية، إلى تصريح رسمي صادر عن رئيس الوفد المفاوض للجماعة، محمد عبدالسلام، الذي قال قبل أيام، إن "عدم إحراز أي تقدّم في الحديدة على صعيد تنفيذ اتفاق استوكهولم يعود بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية عن مسار الاتفاق بتنفيذ أجندة أخرى ويبدو أن المهمة أكبر من قدراته". وأضاف أنه ما لم يتدارك المبعوث الأممي مارتن غريفيث الأمر "من الصعوبة بمكان البحث في أي شأن آخر".

من جهة أخرى، تأتي خطورة التصعيد في الحديدة، كونه جاء بعد يوم واحد، من إقرار مجلس الأمن الدولي القرار 2452، بناء على مسودة تقدّمت بها بريطانيا، وتضمّن "إنشاء بعثة سياسية خاصة، هي بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، من أجل دعم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى المنصوص عليه في اتفاق استوكهولم، لفترة أولية مدتها ستة أشهر اعتباراً من تاريخ القرار" (في 16 من الشهر الحالي).


ونصّ القرار على أن تضطلع البعثة، بدعم الطرفين في تنفيذ التزاماتهما وفقاً لاتفاق الحديدة بـ"قيادة ودعم عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار، بمساعدة أمانة تتألف من موظفين من الأمم المتحدة، للإشراف على وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات وعمليات نزع الألغام على نطاق المحافظة"، ورصد امتثال الطرفين لوقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات على أساس متبادل، والعمل مع الطرفين حتى تكفل قوات الأمن المحلية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وفقاً للقانون اليمني". كما تضمّن القرار أن البعثة سيترأسها رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار (يترأسها كاميرت حالياً) والذي "سيُعيّن برتبة أمين عام مساعد"، وسيقدّم "تقاريره إلى الأمين العام عن طريق المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، ووكيل الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام".

وبالنظر إلى ما تضمّنه القرار، يمكن أن تُقرأ حادثة إطلاق النار على سيارة تابعة للأمم المتحدة في الحديدة، ضمن موكب كاميرت، بأنها رسالة إلى المنظمة الدولية وإلى أكثر من 70 مراقباً دولياً من المقرر أن يتم نشرهم في الحديدة، بناءً على ما تضمّنه القرار. ومع ذلك، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الهولندي الذي يترأس الفريق الأممي حالياً، سيستمر في جهوده، لتفرض الأمم المتحدة كلمتها في المدينة التي منعت اقتحامها من القوات الحكومية، أم أن الحملة التي تبنّاها الحوثيون لانتقاده، قد تدفعه إلى الانسحاب.

وبدأت أزمة تنفيذ اتفاق الحديدة، بالبروز، مع إعلان الحوثيين "إعادة الانتشار" في ميناء الحديدة، فقاموا بتسليم الميناء إلى قوات تابعة لهم، باعتبار ذلك خطوة تنفيذية لاتفاق السويد، الأمر الذي تحفّظ عليه رئيس فريق المراقبين الدوليين، قائلاً إن أي خطوة يجب أن تتأكد الأمم المتحدة والأطراف المختلفة من تماشيها مع اتفاق استوكهولم، وإلا فإنها لن تكون ذات مصداقية. وتبقى الأسابيع المقبلة، اختباراً حاسماً لمصير عمل البعثة الدولية في الحديدة وبالتالي صمود اتفاق وقف إطلاق النار من عدمه.

وبالتوازي مع ذلك، يتبادل طرفا الصراع الاتهامات بالخروقات في الحديدة. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الموالية للحوثيين، العميد يحيى سريع، يوم الخميس، إن المسلحين الموالين للحكومة "واصلوا خرق وقف إطلاق النار في الحديدة وارتكبوا 209 خروقات خلال الـ48 ساعة الماضية". في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة التابعة للحكومة، العميد عبده مجلي، إن "المليشيا الحوثية ارتكبت 520 خرقاً في محافظة الحديدة منذ بدء سريان الهدنة في 18 ديسمبر الماضي وحتى 17 يناير الحالي، منها 212 خرقاً على مواقع الجيش الوطني". وأكد أن "الجيش الوطني التزم بوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، فيما تواصل مليشيا الحوثي الانقلابية خروقاتها وأعمالها العدائية ضد مواقع الجيش والمدنيين بشكل مستمر".

هذه الخروقات ترفع المخاوف من سقوط اتفاق الحديدة وعودة الاشتباكات بشكل عنيف إلى المحافظة، التي تعاني من أزمات كبيرة، إذ نزح منها أكثر من مليون شخص منذ اندلاع المواجهات الأخيرة في يونيو/حزيران 2018، بحسب تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن. وأوضح التقرير أنه في الفترة بين يونيو الماضي، و15 يناير/كانون الثاني الحالي، بلغ عدد العائلات النازحة من الحديدة 174 ألفاً و717، تمثّل أكثر من مليون و48 ألفاً و300 فرد. ولفت إلى أن "واردات الأغذية التجارية انخفضت في ديسمبر الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة في مراقبة الواردات في يوليو/تموز 2016". وقال التقرير إن "الوصول إلى المرافق الإنسانية والأشخاص المحتاجين (في الحديدة) لا يزال يشكل تحدياً". وتابع: "كما لا يزال من المتعذر الوصول إلى المستودعات الإنسانية، بما في ذلك مطاحن البحر الأحمر، حيث يتم تخزين ما يكفي من الغذاء لإطعام 3.5 ملايين شخص لمدة شهر".