التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية: توظيف خلاف الحلفاء

التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية: توظيف خلاف الحلفاء

03 اغسطس 2019
+ الخط -
لم تمنع القمم الثلاث بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية الأخيرة من مواصلة التجارب الصاروخية البالستية، وآخرها مساء أول من أمس الخميس، وسط اعتقاد بأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يعتمد سياسة حافة الهاوية. كما أنه يحاول الاستفادة من تصاعد الخلافات بين حليفي الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة، كوريا الجنوبية واليابان، للضغط على واشنطن لوقف التدريبات العسكرية مع سيول، الإثنين المقبل، وتخفيف العقوبات الاقتصادية على بيونغ يانغ.

وتخوض واشنطن وبيونغ يانغ منذ أكثر من عام عملية دبلوماسية لتسوية قضية البرنامجين الكوريين الشماليين النووي والبالستي. وقد عقدت ثلاثة لقاءات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكيم جونغ أون في هذا الإطار. وفي لقائهما في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين في يونيو/ حزيران الماضي، اتفق الزعيمان على استئناف المفاوضات، لكن هذا الالتزام لم ينفذ، وحذرت بيونغ يانغ أخيراً من أن العملية يمكن أن تنهار إذا جرت المناورات الأميركية الكورية الجنوبية كما هو مقرر.

وأجرت بيونغ يانغ، أول من أمس الخميس، تجربتين صاروخيتين جديدتين، في عرض البحر قبالة ساحلها الشرقي، في إطار الجولة الثالثة من التجارب الصاروخية، خلال 8 أيام. وأعلن الجيش والمكتب الرئاسي لكوريا الجنوبية أن كوريا الشمالية أطلقت على ما يبدو صواريخ بالستية قصيرة المدى مرتين، يوم الخميس. وأوضحت رئاسة هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية أن عمليات الإطلاق أجريت من منطقة ساحلية شرقية، مضيفة أن المقذوفات حلقت على بعد 220 كيلومتراً، وعلى ارتفاع 25 كيلومتراً وبسرعة أقصاها 6.9 ماخ (أسرع من الصوت بست مرات).

وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أمس الجمعة، أن كوريا الشمالية تحاول دق إسفين بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، مشيرة إلى توتر العلاقات بين هذه الدول. ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن التجارب الصاروخية محاولة لاستثمار توتر العلاقة بين الدول الثلاث. وقال البروفسور في العلاقات الدولية في جامعة "فوكوي" اليابانية، يويشي شيمادا، للصحيفة "ربما تحاول كوريا الشمالية الضغط على الولايات المتحدة من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، مع اقتراحات بتخفيف العقوبات"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن ترامب لن يخفف العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من عقد اجتماع بين قيادات عسكرية أميركية وكورية جنوبية ويابانية مطلع يونيو/ حزيران الماضي، فإن العلاقات بين سيول وطوكيو تدهورت، إذ أعلنت كوريا الجنوبية، أمس الجمعة، أنها ستشطب اليابان من لائحتها للشركاء التجاريين الموثوق بهم، وذلك بعد ساعات على قرار مماثل اتخذته طوكيو. وأعلن مسؤول رئاسي كوري جنوبي أن سيول ستدرس إنهاء اتفاق تبادل معلومات الاستخبارات العسكرية مع طوكيو.



ومن خلال اختبار الأسلحة التي تهدد كوريا الجنوبية بشكل مباشر، ولكن ليس البر الرئيسي للولايات المتحدة، ربما تكون بيونغ يانغ تحاول أيضاً الضغط على سيول واختبار المدى الذي ستتسامح فيه واشنطن مع نزعتها القتالية من دون التسبب فعلياً في انهيار المفاوضات النووية. وقلل ترامب من أهمية عمليات إطلاق الصواريخ التي تنفذها كوريا الشمالية. وأعلن أنه لا يشعر بالقلق لأنها قصيرة المدى، معتبراً أنها "اعتيادية جداً". واعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن "إطلاق هذه الصواريخ لا يُخل بالتعهد الذي قطعه كيم جونغ أون للرئيس بخصوص الصواريخ البالستية العابرة للقارات". وأضاف "لكن يتعين طرح السؤال عن متى ستبدأ الدبلوماسية الحقيقية، متى تبدأ مباحثات نزع السلاح النووي على مستوى فرق العمل؟". وفي بانكوك، أعلن كبير المفاوضين الأميركيين بشأن كوريا الشمالية ستيفن بيغن أنه أجرى "محادثات جيدة" مع مسؤولين يابانيين وكوريين جنوبيين حول احتمالات استئناف محادثات نزع السلاح النووي. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه يتمنى لو كان الكوريون الشماليون قد حضروا إلى المؤتمر الأمني الذي تستضيفه بانكوك ويجمع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا ونظرائهم من قوى عالمية، لكنه أعرب أيضاً عن تفاؤله بأن المحادثات ستستأنف قريباً.

وتوقع الخبير في قضايا الدفاع في "مركز المصلحة القومية" الأميركي، هاري كازيانيس، لوكالة فرانس برس، أن تقوم بيونغ يانغ بإطلاق صواريخ مجدداً قبل بدء المناورات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الإثنين المقبل، وستواصل القيام بالأمر بعد ذلك، فيما رأى مدير معهد الدراسات الكورية الشمالية جيونغ يونغ تاي أنه عبر هذه الصواريخ قصيرة المدى، تسعى بيونغ يانغ إلى دفع واشنطن "للقدوم إلى المفاوضات وهي أكثر ميلاً لتلبية مطالبها".

وعلى الرغم من تقليل ترامب وبولتون من أهمية التجارب الصاروخية، فإن خبراء حذروا من أن الصواريخ مصممة ليكون اعتراضها صعباً. وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن الخبراء العسكريين يتخوفون من أن الصواريخ الكورية الشمالية الجديدة يمكنها اختراق الدفاعات الأميركية. وأشار الخبراء إلى أن الصواريخ، التي وصفها ترامب بأنها "اعتيادية جداً"، تمثل تطوراً مهماً في القدرة الصاروخية لبيونغ يانغ في التهرب من الدفاعات الصاروخية الأميركية. وحذروا من أنه يمكن إطلاق صاروخ "كي أن 23" القصير المدى من شاحنة، مشيرين إلى أنه مقلد عن صاروخ "إسكندر" الروسي، ويمكن له اختراق الدفاعات الصاروخية الأميركية المتطورة. وأوضحوا أنه يمكن للصاروخ الكوري الشمالي بعد عودته إلى الأرض أسرع من الصوت بست مرات أن يرتفع مجدداً، ويطير على مستوى الأرض قبل أن يتجه إلى هدفه، محذرين من أنه قد يطير على مستوى أقل من مستوى الرادارات الأميركية، كما أن مناوراته تجعل إمكانية إسقاطه صعبة.
(العربي الجديد، رويترز، أسوشييتد برس)