اعتداءات بروكسل بعيون إسرائيلية... اتهامات واستعلاء ونصائح

اعتداءات بروكسل بعيون إسرائيلية... اتهامات واستعلاء ونصائح

24 مارس 2016
إجراءات أمنية بعد هجمات بروكسل(دورسن آيدمير/الأناضول)
+ الخط -

لم تكتف الصحافة الإسرائيلية، أمس، بتغطية أحداث اعتداءات العاصمة البلجيكية بروكسل، أمس الأول الثلاثاء، بل خصّصت مساحات واسعة من صفحاتها لإعطاء النصائح والتحليلات لهذه الهجمات، استناداً إلى "خبرة إسرائيل وتجربتها في مكافحة الإرهاب"، باعتبار أنّ بروكسل خصوصاً وأوروبا عموماً لا تملك الخبرة في هذا الشأن. وتوجّهت بعض الصحف بخطاب تحليلي استعلائي يظهر أوروبا بأنها "لا تدرك حقيقة موجة الإرهاب التي تواجهها اليوم".

في هذا السياق، كان المتخصص في الشؤون العربية، الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، السبّاق في هذا النوع من الخطابات، إذ كتب في صحيفة "هآرتس"، أمس، أنّه "حتى لو أعلن داعش مسؤوليته عن عمليات بروكسل، وحتى لو تم نسب الاعتداء إلى الجهاد العالمي، تكمن المشكلة في أنّ نسب المسؤولية لهذا التنظيم، من شأنه أن يطمس ويشوّه دور ومعالم المنظمات المتشددة المحلية التي تشكل أداة التنفيذ لهذه العمليات". ويضيف برئيل أنه "من المتوقع والمعقول، أن يتّضح أنّ منفذي عمليات بروكسل هم عملياً مواطنون بلجيكيون، وُلدوا وترعرعوا في بروكسل، ويعرفون البيئة التي يعيشون فيها، ويتقنون اللغة والثقافة ذاتها. ويمكن لهم أن يطوّروا غضباً كبيراً ضد بيئتهم، أو ربما استوردوا أيديولوجيات متطرفة، أقنعتهم بالعمل والتحرك ضد بيئتهم، ومركز حياتهم، وقد يكونون تلقوا مساعدات من أهاليهم وأقاربهم".

ويسرد برئيل نظرية تقول إنّ "الإرهاب العالمي أو حركات الجهاد العالمية، تحوّلت منذ مدة إلى تطوير وبناء شبكات إرهاب محلية. وما دام لا يتم التعامل معها كمنظمات متشددة محلية، فلن يكون ممكناً التغلب عليها". ويستذكر الكاتب أسلوب تنظيم "القاعدة" في حربه ضد الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان، وانتقال الدول العربية من الاختباء وراء "عالمية التنظيم" ومعاداته، بهدف كسب تأييد ومساندة عالمية، خصوصاً بعدما انتقلت العمليات التي شنّها "القاعدة"، على سبيل المثال، إلى داخل الدول العربية والإسلامية نفسها، إلى شن حرب على هذه المنظمات، وتغيير النظرة إليها باعتبارها منظمات متشددة محلية، كما هي حال مصر اليوم في محاربة تنظيم "داعش" في سيناء.

ويعطي الكاتب مثلاً آخر عن السعودية في حربها ضد "القاعدة" على مرّ العقد الأخير، واعتماد كل من تونس والجزائر المبدأ نفسه في محاربة التنظيمات الجهادية، باعتبارها مجموعات متشددة محلية. ويرى برئيل أنه مقابل التعاون الأوروبي في الحرب على "داعش" في سورية، فإن الحال يختلف عندما يصل الأمر إلى الحالة الفردية لكل دولة من الدول الأوروبية في مكافحة هذا الإرهاب على أراضيها، بفعل غياب وانعدام التعاون الاستخباراتي بين مختلف الأجهزة الأوروبية من جهة، والخلافات داخل أجهزة الاستخبارات والأمن في كل دولة وأخرى.

بموازاة ذلك، يعتبر الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت، في صحيفة "معاريف"، أنّ "بكاء مفوّضة الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن، فيديريكا موغيريني، في المؤتمر الصحافي، في العاصمة الأردنية عمان، أمس، وفّر صورة النصر الأولى لداعش. لكن هذا الأمر سيتغير عندما يدرك الأوروبيون في نهاية المطاف أنهم يحاربون من أجل حياتهم هم، وأن الحديث ليس عن مجرد اعتداء، إنّما حرب هناك من يسميها (وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون مثلاً) بأنّها حرب عالمية ثالثة". وفي هذه الحرب، بحسب الكاتب، فإنّ "أخطر ما يميّز العدو أنه يكبر ويترعرع في الساحة الخلفية لأوروبا. والمرحلة الأهم في حياة القارة المسنّة التي تعيش صراع البقاء، هو رصد وتحديد هوية العدو. ذلك أن جزءا من مصائبهم هذه جلبها الأوروبيون على أنفسهم".

ويذهب بن كاسبيت في تحليله إلى أنّ "الأوروبيين أمام تجربة جديدة نسبياً وسيستغرقون وقتاً حتى يعتادوا عليها. ومن يجب أن يقوم بالتغيير، هو قادتهم الذين يتوجب عليهم إصدار الأوامر وإحداث التغييرات اللازمة لفهم صحيح للوضع الجديد. ومثل هذا التغيير لم يحدث بعد عند غالبيتهم، لذلك ستراق دماء غير قليلة قبل أن يحدث ذلك. فلم يولد بعد ذلك الحكيم الذي يتعلّم من تجارب الآخرين، وسيضطر الأوروبيون إلى التعلم بالطريقة الصعبة. لا يزالون في بداية الطريق"، على حدّ تعبير الكاتب. وكغيره من المحللين، يدلي بن كاسبيت بنصائحه للأوروبيين ليقول إنه "سيكون عليهم الموازنة بين حرية الفرد وحقوق الإنسان، بين الحرية المطلقة وبين الحق في الحياة وقدسيتها. وسيدرك الأوروبيون أنه سيكون عليهم الآن، ولفترة طويلة، طيّ حلم الوحدة الأوروبية المنفتحة، والحرة، والخالية من كل قلق أو خوف".

اقرأ أيضاً: اعتداءات بلجيكا... نبوءات الكارثة بعد إنذار الـ"ها قد بدأنا"

بدوره، لا يتردد الصحافي في جريدة "يديعوت أحرونوت"، بن درور يميني في توجيه الاتهام بالمسؤولية عما حدث في بروكسل إلى البلجيكيين أنفسهم، وتساهلهم مع العناصر والجاليات الإسلامية في بلجيكا، عدا عن اتهامه لجهاز التعليم البلجيكي بالمسؤولية عن زرع بذور الكراهية للغرب نفسه. ويدعي يميني أنّ "منهج التدريس البلجيكي الذي يحذر من خطر عودة النازية والهولوكوست في كتب التدريس ينطوي في الكتاب نفسه على تحريض ضد إسرائيل والغرب في تناوله قضية الشعب الفلسطيني". ويشير إلى أحد الكتب التعليمية البلجيكية الذي يظهر فيه يهودي على سياج شائك لمعسكرات الإبادة النازية تحت عبارة "لن تتكرر الهولوكوست" إلى جانب كتابة ورسم لفلسطيني في اللوحة ذاتها، كتب عليه "المحرقة تحدث مجدداً".

ويضيف بن درور أنّ "هذه السموم لا تتوجّه فقط للطلاب البلجيكيين، إنما لآلاف الطلبة المسلمين الذين يدرسون في المدارس البلجيكية. وفوق هذا التحريض يتلقّون وجبات إضافية في المساجد وشبكات التواصل الاجتماعي، وكل هذا يؤدي إلى ظهور هؤلاء الوحوش الخطرين"، على حدّ تعبير الصحافي. ويخلص بن درور إلى القول، إنّ اعتداء بلجيكا كان "عرضا معروفا سلفاً" لكن الأوروبيين ومن ضمنهم البلجيكيون، يواجهون صعوبة في استخلاص العِبر. إنهم لا يفهمون أن تملق المسلمين لن يساعدهم. إنهم لا يفهمون أن التحريض ضد دولة اليهود هو تشجيع للإرهاب ضد البلجيكيين. سيواصلون عادتهم هذه، وطالما أنهم لن يفيقوا، فإن الجهاديين سيواصلون نشاطهم".

ويسير المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ألكس فيشمان، على غرار بن درور، عندما يقول في مقالة له تحت عنوان "يدفنون رؤوسهم في الرمل"، إن "الأوروبيين يرفضون الإدراك بأن الجدل حول علاقة الإرهاب الإسلامي بإسرائيل، وبأهداف يهودية، هو إزاحة للنقاش عن الحرب الحقيقية. وهي بداية الحرب التي يشنها الإسلام المتطرف ضد أوروبا نفسها من دون أي علاقة بإسرائيل". ويضيف، أنه طالما يردد الأوروبيون مقتنعين بمقولة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "نحن لا نواجه إرهاباً إسلامياً، إنما عنف متطرفين"، فإنهم سيواصلون دفن رؤوسهم في الرمل. وعلى الرغم من ترجيح فيشمان أنّ "الأوروبيين سيتخذون خطوات استخباراتية، ويشنّون حملات اعتقال، ويمارسون ضغوطاً على تركيا"، يلفت إلى أنّ "أوروبا لن تخوض حرباً ضد داعش، إنما ستدخل في حالة دفاع عن النفس، فيما ستزداد العمليات على أراضيها".
 
ويشير فيشمان إلى أنه "سيكون على أوروبا أن تتعلم من إسرائيل، خصوصاً في ما يتعلق بحماية المطارات"، متمثلاً في هذا السياق بـ"منظومة الحماية القائمة في مطار بن غوريون في اللد (جنوب شرقي يافا)، والتي تبدأ من نقطة الوصول إلى مدخل المطار، فضلاً عن إجراءات التفتيش والتدقيق في هوية المسافرين وأمتعتهم قبل أن يدخلوا قاعات المطار، خلافاً للوضع القائم في أوروبا". ويزعم أنّه "يمكن للمسافر في الدول الأوروبية، أن يصل إلى شباك الاستقبال قبل إجراءات الصعود للطائرة من دون أي مساءلة أو تفتيش أمني، ناهيك عن غياب التنسيق الأمني بين سلطات الدول الأوروبية المختلفة في كل ما يتعلق بأمن الطيران المدني، ودخول مسافرين، وتفتيش أمتعتهم".

ويتفق مع هذا التحليل الأخير عن سياسة أمن المطارات، الخبير الأمني، يوسي ميلمان، الذي يشير إلى أن "منظومة الحراسة في مطار بن غوريون تمتد مثلاً على 11 نقطة ظاهرة للعيان، عدا عن النقاط السرية التي لا يراها المسافر ولا يشعر بها". وعلى الرغم من أن ميلمان يورد ذلك كتحليل لخبير أمني يهدف إلى المفاخرة بالإجراءات الإسرائيلية، يخلص إلى القول إن "سبب وقوع اعتداء بروكسل ناجم أيضاً عن إحجام السلطات البلجيكية وأجهزتها الأمنية عن مراقبة ما يحدث في أحياء المهاجرين المسلمين من الدول الأفريقية والدول الأخرى".

ويضيف أنّ "تحول هذه الأحياء إلى مناطق شبه مغلقة لا تدخلها الدولة بينما تنشط فيها المنظمات الإجرامية وتجارة السلاح والمخدرات إلى جانب التحريض في المساجد، ونشوء حركات دينية متطرفة بعيداً عن أعين الدولة وتدخلها مثل حي مولنبيك في بروكسل. وبالتالي، سيكون على السلطات البلجيكية أن تدخل هذه الأحياء، وأن تبني شبكات استخباراتية فيها، وتبدي الحزم في مواجهة شبكات المجموعات المتشددة النامية فيها"، وفقاً للخبير الأمني.

اقرأ أيضاً عنصرية ما بعد التفجير: "أوقفوا الإسلام"

المساهمون