العاهل الأردني يعفي مدير المخابرات في إطار تغييرات واسعة

العاهل الأردني يعفي مدير المخابرات من منصبه في إطار تغييرات واسعة

01 مايو 2019
يأتي القرار بإطار تغييرات واسعة للسيطرة على الوضع الداخلي(Getty)
+ الخط -
قرر العاهل الأردني عبد الله الثاني، اليوم الأربعاء، تعيين اللواء أحمد حسني مديراً للمخابرات العامة خلفاً للواء عدنان الجندي الذي أحيل إلى التقاعد، ويأتي القرار في إطار سلسلة من التغيرات الواسعة التي طاولت أدوات سيطرة الملك على الوضع الداخلي، عبر الجهاز الأمني الأقوى في المنطقة العربية وهو دائرة المخابرات، إضافة إلى الذراع الإداري وهو الديوان الملكي الهاشمي.

وقال العاهل الأردني في هذا السياق، إنه "ورغم أن مسيرة دائرة المخابرات العامة - فرسان الحق، كانت دوماً مسيرة مشرقة ومشرفة، إلا أنها لم تخل - شأنها في ذلك شأن أي مؤسسة او إدارة حكومية أخرى - من بعض التجاوزات لدى قلة قليلة، حادت عن طريق الخدمة المخلصة للوطن وقدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، الأمر الذي تطلب حينها التعامل الفوري معه وتصويبه".

وشدد ملك الأردن في رسالة وجهها إلى مدير دائرة المخابرات العامة الجديد اللواء أحمد حسني على أن "مثل هذه التصرفات الفردية والسلوك المستغل لهذه القلة القليلة، التي تناست ونسيت أن السلطة والمناصب، وعلى كل المستويات، تصاحبها وتتلازم معها بالضرورة المسؤولية والمساءلة، ولم تتعامل مع السلطة والمنصب على أنهما تكليف وواجب خدمة وطني ينبغي أن لا يحيد قيد أنملة عن اعتبارات تحقيق مصلحة الوطن والمواطن".

وأضاف "يجب أن لا تؤدي بنا إلى الوقوع في شرك إصدار أحكام عامة مغلوطة وظالمة وسوداوية حول مؤسساتنا وأجهزتنا أو التشكيك في مصداقيتها أو نزاهتها أو تفاني ونزاهة السواد الأعظم من العاملين فيها وإخلاصهم".

وطالب العاهل الأردني المدير الجديد بـ"رصد كل المحاولات اليائسة خصوصاً في الآونة الأخيرة - والهادفة للمساس بالثوابت الوطنية الأردنية، والتعامل معها بفاعلية، وفي التصدي لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور الأردني".

وقال العاهل الأردني في الرسالة "لقد وقع اختيارنا عليك لتتولى إدارة دائرة المخابرات العامة، في هذه المرحلة الدقيقة التي تواجه فيها منطقتنا بأسرها تحديات جمة وغير مسبوقة، ويواجه فيها بلدنا الحبيب تحديات فرضتها عليه المتغيرات الإقليمية والمناخ العالمي العام الفريد والمتوتر".

وطالب الملك حسني بالعمل بـ"تركيز وبوتيرة أسرع، في عملية التجديد والتحديث والتطوير للجهاز بهدف الوصول إلى ضمان أعلى درجات المهنية والحرفية للمخابرات العامة لتظل في طليعة الأجهزة التي يشار إليها بالإعجاب والتقدير في الأردن وعلى المستوى الدولي".

وكان مدير المخابرات الجديد اللواء أحمد حسني برتبة عميد قبل أن يصدر قرار ترفيعه إلى رتبة لواء وتعيينه مديراً للمخابرات العامة، وقد شغل مؤخراً منصب مساعد مدير المخابرات العامة لشؤون المناطق، بعد أن خدم لسنوات مديراً لمكتب العاصمة ومديراً للشؤون الخارجية في الدائرة.

أما المدير السابق عدنان عصام الجندي فقد تولى منصب المدير العام لدائرة المخابرات العامة بتاريخ 30 مارس/ آذار 2017، بعد إعفاء الفريق أول فيصل جبريل حسن الشوبكي، المدير العام لدائرة المخابرات السابق من منصبه.

ويأتي قرار تعيين مدير جديد للمخابرات، وإحالة المدير القديم للتقاعد، في إطار سلسلة من التغييرات الكبيرة والعميقة التي طاولت دائرة المخابرات العامة والديوان الملكي في الفترة الأخيرة، ومنها استقالة فيصل جبريل حسن الشوبكي من منصبه مستشاراً للملك، وهو الذي تولى إدارة جهاز المخابرات العامة قرابة الست سنوات من عام 2011 وحتى عام 2017.

وفي شهر مارس/ آذار الماضي تمت إحالة عدد من كبار ضباط دائرة المخابرات أيضا إلى التقاعد، وينبئ زخم التغييرات واتساعها إلى تغيير كبير في السياسة الأمنية، وتوجهات النظام في الفترة المقبلة، في ظل التحديات التي تواجه المملكة، ومنها التحدي الخارجي المتعلق بـ"صفقة القرن"، والتي تؤكد الدولة الأردنية بكل مكوناتها أنها بموقف موحد تجاه قضايا التوطين والوطن البديل والقدس.

ويؤكد المسؤولون الأردنيون دائماً على أهمية التوصل إلى حل نهائي على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية وحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، إضافة إلى التمسك بالوصاية على المقدسات، لكن لا أحد يعلم مدى إمكانية تمسك الأردن بهذا الموقف عند طرح "صفقة القرن"، وما يرافقها من ضغوط وإغراءات اقتصادية من الولايات المتحدة وحلفائها.

أما الجانب الآخر فيرتبط بالوضع الداخلي الأردني، فالعاهل الأردني يعلن في كل مرة يخاطب بها المواطنين أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن هو الأزمة الاقتصادية، وهذه الأزمة تحتاج إلى يد قوية تمنع الفساد واستغلال السلطة قبل أن تعصف الأزمة الاقتصادية بالاستقرار السياسي.

ويلاحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع سقوف مطالب المحتجين على الأوضاع الاقتصادية من المتعطلين عن العمل، ولهذا من الممكن أن تساهم التغييرات الأمنية في تنفيذ إرادة السلطة السياسية بمنع تحول الاحتجاجات والاعتصامات التي ينفذها النشطاء إلى حركة واسعة من الاحتجاجات كما السودان أو الجزائر لتخرج عن سيطرة أجهزة الدولة.


التحكم بمكونات الحراك الأردني

وتحاول السلطات الأردنية عبر الأجهزة الأمنية التحكم بمكونات الحراك الأردني، وإبقاء فعالياته تحت السيطرة، ومنع حدوث أي تطور مفاجئ، خاصة وأن الفقر والبطالة وغياب الإصلاح السياسي أرضية خصبة للاحتجاجات التي شهدها العالم العربي. كذلك يسعى الديوان الملكي وأذرعه الأمنية والإعلامية خلال الفترة المقبلة إلى السيطرة والحد من الأخبار التي تمسّ الأمن الداخلي.

ولا يمكن فصل التغييرات الأخيرة عن التقرير المزعوم الذي تم تداوله في الأردن منتصف الشهر الحالي بشكل واسع حول مخطط خطير كان يهدف إلى زعزعة الاستقرار عبر الترويج لشخصية معروفة، قريبة من الملك عبد الله الثاني، بهدف استمالة الرأي العام وتأجيج الشارع.

ووفق التقرير فإن "الجهات المتورطة في هذا المخطط رجل أعمال مدان بالفساد، قريب من العائلة المالكة، وأحد قياديي الأجهزة الأمنية المعروف بولائه لمدير جهاز سابق، وبعض الشخصيات البرلمانية والسياسية والإعلامية داخل البلاد وخارجها".

وتضمن التقرير "التشكيك بالقدرة على اختيار رؤساء الحكومات، إلى جانب برنامج مدروس لإضعاف رئيس الحكومة عمر الرزاز، من خلال استغلال الظروف والقرارات الحكومية التي بدا أنها أزّمت الأوضاع في البلاد بشكل يفوق حجمها".

وخلص التقرير الأمني إلى أن المخطط هدف إلى "إلهاء النظام بالحراك الشعبي والمشهد الداخلي، وأن الهدف الأساسي اتخاذ مواقف مفصلية وحساسة خاصة بـ"صفقة القرن" التي رفضها الملك الأردني، ما أثار حفيظة أطراف تآمرت عليه".

مثل هذه التقارير ومتابعة مروجيها ترتبط بالجهود التي تنفذها الجهات الأمنية والاستخبارية، وانتشارها على مستوى واسع يكشف عن وجود ثغرة تجب معالجتها، في حين يتم الحديث أحيانا عن وجود صراع نفوذ ومصادر قوى في بعض المؤسسات السيادية الأردنية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى قرار رئيس الديوان الملكي قبول استقالة عدد من كبار موظفي الديوان، وذلك في إطار ما أطلق عليه إعادة الهيكلة وفقدان عدد من المديرين مواقعهم، التي شملت إلغاء منصب مدير مكتب الملك الذي كان يشغله منار الدباس، الذي أصبح مستشاراً خاصاً، إضافة إلى مدير الدائرة الاقتصادية محمد العسعس، الذي أصبح بدون مهام واضحة. وتم تعيين السفير الأردني لدى فرنسا بشر الخصاونة مستشاراً خاصاً للملك لشؤون الاتصال والتنسيق، بينما تمت تسمية كمال ناصر مستشاراً لشؤون السياسات والإعلام.

في الأردن هناك محاولات دائمة للمحافظة على استقرار ورسوخ المؤسسة العسكرية الأمنية، والتزامها المعايير الاحترافية، بعيدا عن تعدد الولاءات السياسة والسياسيين ومصالحهم، وهذا الاتجاه يحافظ على الاستقرار العام إلى حد كبير.

يذكر أن دائرة المخابرات العامة تأسست عام 1964، وحدد القانون واجبات ومهام المخابرات العامة بحماية الأمن الداخلي والخارجي للمملكة من خلال القيام بالعمليات الاستخبارية اللازمة لذلك.

ويعين مدير المخابرات العامة من قبل الملك حسب نص المادة (127) من الدستور. كما يعين الضباط العاملون في المخابرات العامة بإرادة ملكية وبتنسيب من مديرها وموافقة رئيس الوزراء.

ويتم انتقاء العاملين في المخابرات العامة من الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للتعيين، وعملية التعيين تمر بالعديد من المراحل يخضع خلالها الشخص المتقدم لمجموعة من الاختبارات. ​