لماذا حذّر السراج من تطور عدوان حفتر لحرب أهلية؟

ماذا وراء تحذير السراج من تطور عدوان حفتر على طرابلس لحرب أهلية؟

26 أكتوبر 2019
تختلف المواقف الدولية بشأن استمرار القتال بطرابلس(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
في ظل استمرار الصراع حول العاصمة الليبية طرابلس، واستعصاء حسمه لدى طرفيه، ووسط تزايد حصيلة خسائره البشرية والمادية، يطفو على السطح خطر تداعياته، ما حدا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، إلى التحذير من تطور حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس إلى "حرب أهلية شاملة مدمرة".
وأشار السراج، خلال مشاركته في افتتاح أعمال قمة دول عدم الانحياز بعاصمة أذربيجان باكو، إلى إمكانية أن "يتطور العدوان على طرابلس إلى حرب أهلية شاملة مدمّرة، لن يقتصر تأثيرها في ليبيا فقط، بل ستؤثر سلباً بكامل المنطقة، وسيكون لها تداعيات خطيرة على الجميع".
وشدد السراج على "خطورة نتائج تطور الانقسام السياسي والمؤسسي الذي تغذيه وتدعمه أطراف خارجية"، مطالباً الدول الداعمة لحفتر بـ"مراجعة مواقفها، فمواصلة هذا النهج لا طائل منه، ولا نتيجة له سوى قتل مزيد من الليبيين".
وتختلف المواقف الدولية، حتى الآن، بشأن استمرار القتال حول طرابلس، رغم إجماعها على استحالة الحل العسكري لأزمة البلاد، إلا أنّ غالبيتها، بما فيها موقف الأمم المتحدة، لا تزال تقف مواقف المتفرج من الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين، وسط العاصمة، من قبل قوات حفتر الذي بدأ من فترة بالتعويل على الضربات الجوية كاستراتيجية جديدة تخوّله الحفاظ على مواقعه بسبب النقص الكبير الذي تعانيه صفوفه لناحية المقاتلين.
ويمكن رسم المشهد في محيط طرابلس بمعسكرَين: الأول معسكر حفتر، ووراءه دول عدة يراوح حجم دعمها بين السياسي والعسكري، وهي الإمارات، ومصر، وروسيا وفرنسا، والثاني معسكر حكومة "الوفاق" التي تحظى بدعم واسع من شرائح مجتمعية ومناطقية غرب البلاد، إضافة إلى مواقف خارجية متباينة. ففيما أعلنت تركيا دعمها للحكومة وعدم تخليها عنها، برزت مواقف لدول الجوار المغربي وإيطاليا ودول عربية أخرى معارضة لظاهرة هجوم حفتر على العاصمة طرابلس، وبالتالي داعمة لموقف الحكومة. وفي الوسط، عشرات المواقف الدولية الغامضة، كالموقف الأميركي وأغلب مواقف الدول الأوروبية، والاتحاد الأفريقي.
لكن الباحث في الشأن الليبي سعيد الجواشي، يعتبر تحذيرات السراج "واقعية"، فالأفق السياسي الدولي بشأن الأزمة في ليبيا يعاني انسداداً، "وليس أدلّ على ذلك من عجز برلين عن بلورة رؤية موحدة تجمع تحتها الدول الفاعلة في القضية الليبية حتى الآن".
ويشير الجواشي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إلى أنّه "بعد مرور سبعة أشهر على هجوم حفتر، باتت المواقف الدولية واضحة، على عكس ما يتوهمه أي مراقب وعلى عكس ما يخفيه المجتمع الدولي"، مؤكداً أنّ مواقف الإمارات وحلفاءها الداعمين لحفتر "لم تعد خافية، كذلك فإنّ مواقف الآخرين الصامتين تعني أنهم ينتظرون نتيجة الميدان ومن المنتصر".
ويرى الجواشي أنّ الأمم المتحدة "أول العاجزين أمام حل الإشكال الليبي في أطره الدولية والمحلية، وقال: "فشلت في إطلاق ملتقى جامع طالما حشدت إليه بسبب هجوم حفتر على طرابلس، الذي لم تستطع حتى الآن إدانته بشكل صريح، وهي الآن واقعة في أتون صراعات دولية كبرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكبر من دورها في ليبيا"، معتبراً أنّ توصيفها للصراع في ليبيا بـ"حرب الوكالات" مجرد هروب من مسؤوليتها وعدم اعترافها بالفشل.
ولكلّ هذا، يرى الجواشي أنّ خروج الصراع في محيط طرابلس عن سيطرة الفاعلين الدوليين الذين يمدونه بالسلاح، يعني توسع رقعته ووقوع البلاد في حرب أهلية واسعة.
من جانبه، يرسم المحلل السياسي الليبي عقيلة الأطرش، المشهد الحالي على غير الصورة المعتادة، ويقول إنّ "الساحة لم تبدُ ساحة صراع أوروبي بمعنى صراع إيطالي فرنسي تقليدي، بل انجرفت إلى أتون الصراع الأميركي الروسي، وهو ما عنته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما حذرت من تحول ليبيا إلى سورية أخرى". واعتبر، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أنّ مصالح الدولتين وأطماعهما لن تنحصر في دعم فصيل للسيطرة على طرابلس، فالساحة ستشمل مناطق أخرى، فـ"عين أميركا على مواقع النفط، أما روسيا فعينها على ليبيا بالمجمل، كموطئ قدم استراتيجي جديد في أفريقيا تضيفه إلى ما حققته في سورية".
ويلفت الأطرش إلى أنّ البلاد على صفيح ساخن بسبب كثرة الرافضين لحفتر والناقمين عليه، موضحاً أنّ "سيطرة حفتر تبدو كاملة على الجنوب والشرق، لكن الصورة غير ذلك، فالقبائل القوية التي كسر شوكتها حفتر لا تزال موجود في أراضيها، مثل المغاربة في الهلال النفطي، والطوارق والتبو في الجنوب، وفي الشرق هناك قبائل وأطياف مجتمعية غير راضية عنه"، مشيراً إلى أنّ عوامل أخرى قد تزيد من تعقّد المشكلة بوجود مشاكل وخلفيات بين كل هذه الأطراف مجتمعة.
ويرى الأطرش أنّ نتائج مشروع حفتر العسكري، في كلتا حالتيه، سواء بالهزيمة أو النصر، ستكون وخيمة على البلاد، لافتاً إلى أنّ داعميه الخارجيين "هم أيضاً ليسوا أصحاب مصلحة واحدة في ليبيا، وهناك تضارب شديد بينهم، بما يتصاعد إلى درجة الصراع".

المساهمون