مرشحو الرئاسة ودبلوماسيّة تونس: مواءمة بين الثوابت والمصالح

مرشحو الرئاسة ودبلوماسيّة تونس: مواءمة بين الثوابت والمصالح

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس في العربي الجديد.
22 نوفمبر 2014
+ الخط -

للسياسة الخارجيّة التونسيّة تقاليد راسخة، قامت أساساً على مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الخاصة بكلّ الدول، ومحاولة إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، في نظرة براغماتية تتصف بـ "الدبلوماسية الهادئة" و"صفر مشاكل" مع الجميع، كما وصفها وزير الخارجيّة التونسيّة، منجي الحامدي، في حوار سابق مع "العربي الجديد".

ويبدو أنّ هذه الرؤى لنوعيّة العلاقات الخارجيّة، لا تلقى إجماع كافة مرشّحي الانتخابات الرئاسيّة، مع تساؤل البعض عن منطق المبادئ الإنسانيّة وجدوى العلاقات والمصالح. وجاءت الثورة التونسيّة بجملة من المهام الجديدة التي ألقتها على عاتق الدولة الجديدة وفرضتها على أجندات الحكومة والرئاسة، التي نصّ "الدستور الصغير" ومن بعده دستور 2014، على أنّها من صلاحيات رئيس الجمهورية. ودفع ذلك الرئيس التونسي منصف المرزوقي، إلى محاولة حسم هذه المعادلة، معلناً أنّ الدولة ليست لديها مصالح فقط، وإنما عليها واجبات إنسانيّة أيضاً"، في معرض دفاعه عن قراره بقطع العلاقات مع سورية.

وتطرح الملفات الملحّة والساخنة في الشرق الأوسط، من سورية مروراً بدول الخليج، حتى دول المغرب، جملة من الأسئلة الحارقة على النخبة السياسيّة التونسيّة والحكومة والرئيس، لناحية المواقف، التي وصلت حدّ التناقض، من ملفات معقّدة ومُركّبة تلقي بظلالها على كامل المنطقة وليس على تونس فحسب.
وإن كانت معظم الأحزاب التونسيّة، باستثناء حركة "نداء تونس"، تعتبر ما جرى في مصر بمثابة انقلاب على الشرعيّة، من منطلق مبدئي وفق بياناتها السابقة، فقد فرض منطق "الأمر الواقع" في القاهرة، على عدد من الأحزاب تعديلاً في مواقفها. لا يتنازل عن الموقف المبدئي ولكنّه يدعو في الوقت ذاته، إلى المحافظة على العلاقات المتينة مع القاهرة وتجنّب التشنّج الذي طبع العلاقات بين البلدين، خصوصاً بعد مواقف المرزوقي، الذي بات يتجنّب الخوض في الملف المصري، من دون أن يتراجع عن مواقفه المبدئيّة، التي تبدو متجانسة في خصوص أغلب الملفات وتنطلق من خلفيّة حقوقيّة، وهو ما تجلّى بوضوح في الملف السوري. وعلى الرغم من ذلك، لاقت مواقفه هذه انتقادات بعض الأطراف، باعتبارها "أهملت المصالح التونسيّة"، ونتيجة تداخل المواقف الحقوقيّة بالدبلوماسيّة.

في الملفّ المصري، يرى زعيم "نداء تونس"، الباجي قايد السبسي، أنّ "أهل مكة أدرى بشعابها، وعلى الشعب المصري وحده أن يحدّد من يمثّله، وعلى العالم الخارجي احترام خيارات شعوب المنطقة والتوقّف عن التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول". ويؤكّد "أنّنا في نداء تونس، أو في حال تولينا الرئاسة، نحترم خيارات الشعب المصري، ونرفض أي تدخّل في شؤونه الداخلية".

من جهته، يطالب زعيم الحزب الجمهوري، أحمد نجيب الشابي، بوجوب عودة العلاقات مع مصر إلى طبيعتها"، لافتاً إلى أنّ التعامل مع الرئيس عبد الفتّاح السيسي الذي يحكمها الآن، هو "تعامل مع من يمثّل النظام في مصر". ويشدّد على أنّ "إعادة العلاقات مع سورية ستتمّ مهما كان نظام الحكم القائم في هذا البلد، بما في ذلك نظام الرئيس بشار الأسد"، معتبراً أنّ "التعامل معه باعتباره ممثلاً عن تلك الدولة".
ويؤيّد مرشحون كثيرون موقف الشابي، لناحية إعادة العلاقات مع سورية، في حال فوزهم بالرئاسة، باستثناء المرزوقي الذي يتشبّث بموقفه، مشدّداً على أنّه "يتحمّل مسؤوليّة قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع سورية، ولن يعيدها إذا ما انتخب رئيساً لتونس، لأنها ليست خطأ"، على حدّ تعبيره.
ويقارب المرزوقي الموضوع بالقول: "تخيّلوا لو أنّ التونسيين كانوا ضحيّة تسلّط شخص، يقصفهم بالقنابل والبراميل الحارقة، وشرّد خمسة ملايين شخص منهم، ومن ثمّ سمعوا أنّ هناك رئيساً عربياً، قال إنّه يقبل أنّ ديكتاتوراً تونسياً يقصف شعبه، فماذا سيكون موقف الشعب التونسي؟".

لكنّ موقف المرزوقي بات يتّسم ببعض الليونة، بعد أن ألقت مشكلة التونسيين المقيمين في سورية بظلالها، ليُصار إلى الاتفاق مع وزارة الخارجيّة على فتح مكتب إداري في دمشق، مشدّداً على أنّ "الدولة لم تنسَ التونسيين في سورية، والسفارة التونسيّة في بيروت كانت تتابع الموضوع، قبل أن يصبح لدينا موظفون في دمشق ينظرون في مشاكل الجالية هناك".
من جهتها، تؤكّد المرشّحة الوحيدة للرئاسة، كلثوم كنو، أنّ إعادة العلاقات مع سورية، لا تعني العلاقات مع الأسد، ولكنّها رعاية لشؤون المواطنين التونسيين، في وقت يشدّد فيه مرشّح الجبهة الشعبيّة، حمة الهمامي، على ضرورة "بناء دبلوماسيّة جديدة، قوامها الدفاع عن المصالح الوطنيّة وعن سيادة القرار الوطني وتكريس مبدأ المعاملة بالمثل". ويدعو إلى "دبلوماسيّة في خدمة الاقتصاد التونسي والجالية التونسية في الخارج".

ولا يبدو الملفان السوري والمصري مادة التباين الوحيدة بين المرشحين، فعلى عكس ما يبدو لناحية دعم مبدئي لا جدال فيه بشأن القضيّة الفلسطينيّة، لكنّ التفاصيل تقفز على سطح الأحداث، ويظهر الاختلاف جليا في خصوص العلاقات مع حركة "حماس". بقيت الدولة التونسيّة داعمة للقضيّة الأم، لكنّ جسور العلاقات بقيت تقتصر على القيادات الرسميّة، على الرغم من دعم غزة إنسانياً، في مناسبات عدّة. ولم يكسر هذه القاعدة، إلا المرزوقي، الذي مدّ جسور تواصل مع قيادات "حماس" ودعاها إلى تونس واستضافها رسمياً، خصوصاً بعد العدوان الأخير على غزة. كما كرّر مراراً انتصاره لفكرة المصالحة الفلسطينية، ودعوته لإنجازها خصوصا بعد بروز تحفّظات فلسطينية، غير رسميّة، على هذا التقارب.

وفي ما يخصّ علاقات تونس مع دول الخليج، بعد البرود الذي اعترى العلاقات الخليجيّة في الفترة الأخيرة، فقد نجحت وزارة الخارجيّة التونسيّة، في الحدّ من تداعياته على علاقات تونس ببعض الدول الخليجيّة، بعد الثورة، وخصوصاً مع المملكة العربية السعوديّة. ولم تخرج النخب السياسيّة التونسيّة عموماً، عن لياقتها العلنية في خصوص العلاقات مع بعض الدول الخليجيّة، ونجح السبسي في التأكيد على العلاقات مع كل من قطر والإمارات، حتى أنه وصف، في وقت سابق، قناة الجزيرة بـ "أجمل انتصار إعلامي، عرفه العرب ضدّ إسرائيل".

وعلى المستوى المغاربيّ، تبدو علاقات المرزوقي قويّة جداً مع الملك المغربي محمد السادس، في حين تبدو علاقات الجزائر أمتن مع السبسي، على الرغم من أنّ جميع التونسيين يحلمون بإطار مغاربي، يصطدم في كلّ مرّة بالخلافات المغربيّة الجزائريّة، وتزيد المشكلة الليبيّة في تأزيمها، وسط تخوفات كبيرة من تأثيرها على تونس وعلى المنطقة عموماً.

وتتبارى الأحزاب التونسيّة في محاولة للفوز بإنجاز ليبي، من خلال حثّ الأطراف على الحوار هناك، لكنّ تعقيد الموقف ميدانياً، أفشل كلّ المحاولات وفرض على الجميع موقف المتفرّج بانتظار الحسم وتوقُّعِ ما ستؤول إليه الأحداث، على الرغم من المحاولات الرسميّة لوزارة الخارجيّة لتحريك الملفّ دولياً أو مع دول الجوار، ودعوتها إلى رفض كلّ تدخّل خارجي في الشأن الليبي.
وغير بعيد عن ليبيا، نجح المرزوقي في الفترة الأخيرة، في فتح مجال حيوي جديد للدبلوماسيّة التونسيّة، من خلال جولة رحلات مكوكيّة في عدد من الدول الأفريقية، داعياً إلى إعادة النظر في فلسفة الخارجيّة التونسيّة ووضع أسس جديدة للعمل الدبلوماسي، بعد أن أخطأت تونس حين أدارت ظهرها إلى أفريقيا، وإلى تغيير الصورة النمطيّة للدبلوماسيّة التونسيّة.
ويفرض مفهوم "الدبلوماسيّة الاقتصاديّة"، نفسه على الحكومة التونسيّة والأحزاب بفعل الأزمة الاقتصاديّة، ما يدفع العديد منهم إلى اعتبار أنّها أولويّة العمل الدبلوماسي في الفترة المقبلة.

وفي سياق متصل، يتعهّد الشابي بالعمل على تعزيز السياسة الخارجيّة في إطار تنمية تونس اقتصادياً وعلمياً وثقافياً، وضمان الأمن في تونس والمنطقة، في حين ترى كنّو أنّ تونس تحتاج اليوم إلى تغيير جوهري في العمل الدبلوماسي، بما يخدم قضاياها الراهنة والملحّة، وأوّلها الاقتصاديّة. ويُترجم ذلك بدعم الأسواق التقليديّة والبحث عن أسواق جديدة للمنتج التونسي في آسيا والولايات المتحدة، وخصوصاً أفريقيا التي تناستها الدبلوماسية التونسية لعقود، وهي تمثل أفقاً اقتصاديّاً حقيقيّاً وموضوعيّاً للاقتصاد التونسي.

ذات صلة

الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.
الصورة
المرأة السورية في المخيمات (العربي الجديد)

مجتمع

تعيش المرأة السورية المُهجّرة تحت وطأة معاناة كبيرة في ظل تحدّيات جمّة وأوضاع إنسانية مزرية تتوزع بين مرارة النزوح وقسوة التهجير في يوم المرأة العالمي.