خلافات داخلية تقسم "الحشد الشعبي" إلى معسكرين

خلافات داخلية تقسم "الحشد الشعبي" إلى معسكرين

08 سبتمبر 2019
خلافات بين الحكومة العراقية وقيادات في "الحشد"(أحمد الربيع/فرانس برس)
+ الخط -
بعد نحو شهر على استهداف "معسكر الصقر"، التابع لمليشيات "الحشد الشعبي"، بطائرات مسيرة، جنوبي بغداد، دون أن تكشف الحكومة عن أي تفاصيل حول الحادث الذي أتى على جميع مخزونات السلاح فيه، باستثناء بيان واحد يتيم، قالت فيه إن التفجير ناتج عن عمل خارجي؛ تصاعدت حدّة الخلافات بين قادة وزعماء مليشيات مسلحة ضمن "الحشد"، وبين الحكومة، بشأن التعاطي مع الهجمات، ما أدى إلى انقسام داخل "الحشد"، وبروز معسكرين.

ويقول مسؤولون عراقيون ومراقبون إن محاولة إخفاء الخلافات الحالية بين قيادات "الحشد" نفسه أو بين قادة معينين في "الحشد" وبين رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لم تعد مجدية، لا سيما بعد الإعلان عن تشكيل "قوة جوية" من قبل نائب زعيم المليشيات، أبو مهدي المهندس، ومن ثم نقض الإعلان بعد ساعات.

وأقرّ مسؤول في مكتب رئيس الوزراء بوجود "مشكلة غير بسيطة"، في حديثه عن القيادي الأبرز بـ"الحشد"، أبو مهدي المهندس، والعلاقة مع رئيس الوزراء.

وكشف المسؤول الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، عن "محاولات أجراها رئيس الحكومة ورئيس هيئة الحشد، فالح الفياض، للاجتماع بالمهندس، إلا أن الأخير غادر إلى إيران".

وأكد أن "المهندس يريد تبنّي خيار تصعيدي على الاعتداءات التي طاولت أخيراً مستودعات سلاح تابعة للحشد"، مشيراً إلى أن "المهندس (أبو مهدي المهندس) رغم كونه نائب قائد الحشد لكنه لا يعتبر نفسه موظفاً حكومياً ويتصرف بطريقة بعيدة جداً عن منطق الدولة".

واعترف المسؤول بوجود معسكرين في "الحشد الشعبي" حالياً، موضحاً أن الأول يمثله أبو مهدي المهندس وأبو آلاء الولائي وعلي الشحماني وأكرم الكعبي وشبل الزيدي وعلي رضا وعلي الياسري وحامد الجزائري، وقيادات أخرى كلها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

أما المعسكر الآخر، فبحسب المسؤول، يمثله مقربون من الحكومة، أبرزهم فالح الفياض وميثم الزيدي، وسامي المسعودي وهادي العامري.

وفي هذا الصدد، أشار المسؤول إلى أن زعيم مليشيات "العصائب"، قيس الخزعلي، لم ينكشف بعد إلى أي معسكر يميل، إذ تبقى مواقفه رمادية، كما يتهم بأنه يجامل كلا الطرفين ولا يريد أن يتبنى موقفاً في الوقت الحالي.

ومن أبرز مطالب المعسكر المختلف مع الحكومة بالوقت الحالي تعليق أو تجميد الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، والتوجه لشراء منظومات دفاع جوي روسية أو الاستعانة بإيران لتأمين الأجواء العراقية بالكامل، ومنح فصائل محددة ضمن "الحشد الشعبي" استثناء من خطة الهيكلة أو إعادة التنظيم التي أقرتها الحكومة على اعتبار أنها فصائل مقاومة إسلامية مثل كتائب "حزب الله" و"النجباء" و"سيد الشهداء" ومليشيات أخرى تقاتل في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد.

وفي الوقت الذي يصعّد فيه برلمانيون وقيادات محسوبة على "الحشد" تصريحاتهم حول ما وصفوه بـ"نوايا أميركية لحل "الحشد" بالضغط على الحكومة العراقية أو تقنينه وتحجيم صلاحياته أكثر"، يؤكد آخرون أن سيناريو "الحرس ثوري" في العراق غير واقعي ولا يمكن أن يحدث ولا يجب القبول به.

وبرزت مطالب إلغاء "الحشد الشعبي" أكثر عقب إصدار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي أمراً ديوانياً بشأن انسحاب الفصائل المسلحة من المناطق المحررة من تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي لم يلقَ أي اهتمامٍ من الفصائل التي سرعان ما اعتمدت على أسلوب العناد للبقاء في المدن التي تسيطر عليها أمنياً وعسكرياً وحتى اجتماعياً، مع العلم أن أمر عبد المهدي سبقه توجيه من الولايات المتحدة في إبريل/ نيسان الماضية، والتي قالت على لسان القائم بالأعمال الأميركية في العراق جوي هود، إنه "يتعين على حكومة عبد المهدي إخراج كل المسلحين غير الخاضعين لسلطة القائد العام للقوات المسلحة من تلك المناطق، والبدء في تجنيد أبناء هذه المدن للعمل في الشرطة الاتحادية وحفظ الأمن بها، مع إبعاد قوات الجيش إلى خارج المدن".

في السياق، قال عضو تحالف "القرار" أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن أن يبقى في العراق سوى القوى الرسمية والنظامية والتي تتبع القائد العام للقوات المسلحة فعلياً وليس شكلياً، وما يحدث حالياً انتهاكات واضحة من قبل الحشد الشعبي، خصوصاً مع استمرار إصدار البيانات التي تتنافى مع الصلاحيات المخصصة للحشد كقوة قتالية"، مبيناً أن "الحكومة الحالية غير قادرة على نقل لواء من الحشد من منطقة إلى منطقة أخرى، وبالتالي فإن هذا نقص كبير يلاحق الدولة العراقية، وينتج عن ذلك استمرار بالأوضاع السيئة وأزمات قادمة كثيرة، ولن تنتهي هذه المشاكل إلا بإلغاء الحشد الشعبي".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية تتصرف مع العراق دون الدخول بالتفاصيل فهي تريد أن تسيطر الدولة على الحشد، وبالتالي تترك للعراق خيار حله لأزماته الداخلية وكيفية التعامل مع الحشد"، مضيفاً "واشنطن لا تريد أن تكون القوى العسكرية في العراق موالية لطهران أو أي جهة أخرى، ولا تريد للحشد أن يمتلك أسلحة تكون أقوى من أسلحة الجيش والشرطة، في سبيل استغلالها لتنفيذ المشاريع الإيرانية".

في المقابل، قال عضو تيار "الحكمة" حبيب الطرفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشاريع الولايات المتحدة الأميركية في العراق تهدف إلى إلغاء "الحشد" وتحجيمه باعتباره جيشاً عقائدياً".

وأضاف أنّ "الإدارة الأميركية الحالية، تلبّي كل ما يحتاجه الكيان الصهيوني، وواحد من أهم الأمور التي تخشى منها إسرائيل هو الحشد الشعبي، الذي يتميز عن بقية القوات العراقية بأنه بناء عقائدي وليس عسكرياً، ولهذا تسعى أميركا تلبية لمطالب الكيان الصهيوني إلى الضغط على الحكومة من أجل إلغاء الحشد".

واستطرد قائلاً إن "إسرائيل والولايات المتحدة تلعبان حالياً على وتر التهديد بعودة الإرهاب وتحديداً داعش"، معتبراً "التلميح إلى أن بعض فصائل الحشد تعمل لمصالح خارجية ولا بد من ضربها، هذا الأمر تعودنا على سماعه، كلما خسر الأميركي في محور معين".


ورأى أن "الحشد الشعبي جيش عقائدي والغرب يخاف منه، حتى لو كان ضمن الدولة ولا يختلف عن الجيش"، مضيفاً "أن إسرائيل لا تريد أن يُلغى الحشد فقط، إنما القضاء على أفراده العقائديين، لأنهم يتعاملون معه على اعتباره جزءاً من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني".

أما النائب عن تحالف "الفتح"، الذي يضم الحركات السياسية لفصائل "الحشد الشعبي"، كريم عليوي، فقد اعتبر محاولات إصدار قرار بحل تشكيلات "الحشد الشعبي"، انتحاراً للغرب، معتبراً أن "الحشد الشعبي مؤسسة أمنية وجزء من المنظومة العسكرية، ووجد بمباركة كل الرموز الدينية والوطنية في البلاد".

وأضاف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "واشنطن لا تستطيع حل الحشد الشعبي، وكذلك الحكومة غير قادرة على ذلك أيضاً، لأن الحشد وجد بفتوى المرجعية الدينية (علي السيستاني)، والفتوى هي التي تُلغيه".

من جهته، اعتبر الخبير بالشأن العراقي، أحمد الحمداني، الخلافات الحالية داخل الحشد ليست بجديدة لكنها كشفت للعامة بعد تفجيرات مستودعات السلاح.

وقال الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات عقائدية بالدرجة الأولى فهناك جزء من الحشد يؤمن بأن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي هو مرجعه وأنه جندي له ولا يريد أن يعترف بشيء اسمه سيادة وقرار وطني وحكومة عندما يتعلق الأمر بتوجيه أو أمر منه، وهو ما يمكن اعتباره مشكلة كبيرة ويلوذ المعسكر المقابل بالنجف وتحديداً المرجع علي السيستاني الذي يؤمن بفكرة الدولة العراقية الحرة والمستقلة ووجوب تغليب مصلحة العراقيين على أي اعتبارات أخرى".

ورأى أن الحكومة العراقية قد تخرج من هذه الأزمة بتنازلات من بينها إرضاء الطرف الإيراني بـ"الحشد الشعبي" عبر قرارات لكن لا يتوقع أن تكون على غرار إنشاء قوة جوية أو شراء منظومة دفاع جوي روسية كونها ستضعها في مواجهة خاسرة مع واشنطن.