مناورة روسية في حلب... وخيارات واشنطن مفتوحة

مناورة روسية في حلب... وخيارات واشنطن مفتوحة

30 سبتمبر 2016
تتواصل الغارات على أحياء حلب الشرقية (كرم المصري/فرانس برس)
+ الخط -
استعرت حرب تصريحات بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا مرة جديدة، أمس الخميس، على خلفية حرب الإبادة التي تشنها طائرات روسية وأخرى تابعة لنظام الرئيس بشار الأسد على مدينة حلب منذ أيام، والتي وصفت الأمم المتحدة الوضع فيها بأنه "أخطر كارثة إنسانية تشهدها سورية حتى الآن"، ووصلت هذه التصريحات إلى حد إعلان وزير الخارجية الأميركية جون كيري بأن بلاده "على وشك تعليق المناقشات مع روسيا" بشأن سورية، معتبراً أنه "في هذه اللحظة يتعين على أميركا أن تسعى لبدائل أخرى بشأن سورية ما لم تغير الأطراف نهجها".
في موازاة ذلك بدا واضحاً أن مقترح الهدنة لـ48 ساعة، عوضاً عن سبعة أيام، الذي اقترحته موسكو أمس، والذي تتزايد الشكوك في إمكانية الاتفاق عليه، يهدف إلى احتواء الضغوط التي تتعرض لها، وخصوصاً بعد تواصل الإدانات الدولية لدورها في سورية، والتي انضمت إليها أمس كل من تركيا وألمانيا عبر تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في ختام اتصال هاتفي بينهما، أن لدى روسيا "مسؤولية خاصة" لخفض مستوى العنف في سورية، وبالتالي للإبقاء على فرصة للعملية السياسية". بدوره، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، أمس إنه كلما استمر القصف والمذبحة ضد السكان، زاد التطرف على الأرض".




ضغوط أميركية
وترافقت هذه الضغوط على روسيا مع تواصل التصعيد الأميركي، والذي ترجم أمس الخميس بتصريحات كيري، فضلاً عن طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من جميع وكالات الأمن القومي بحث جميع الخيارات بشأن سورية. وأكد نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس الخميس، أن وكالات الأمن القومي الأميركية تبحث خيارات بشأن سورية بعضها خيارات جديدة.
ورداً على سؤال بشأن "الخطة البديلة" للولايات المتحدة بعد انهيار الدبلوماسية، قال بلينكن للمشرعين "الرئيس (الأميركي باراك أوباما) طلب من جميع الوكالات طرح خيارات بعضها مألوف وبعضها جديد نعكف على مراجعتها بنشاط شديد".
وأضاف "عندما يتسنى لنا بحثها في الأيام المقبلة ستتاح لنا الفرصة للعودة والحديث عنها بالتفصيل". وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد وصف في اجتماع عقده يوم الأربعاء في قاعدة عسكرية أميركية، الوضع بأنّه "يفطر القلب"، مشيراً إلى أنّه "يعيد النظر بسياسته في سورية، كل أسبوع تقريباً".
وجاءت تصريحات بلينكن بعد ساعات من كشف وكالة "رويترز" عن أن مناقشات جديدة تجري على مستوى موظفي البيت الأبيض لاتخاذ "ردود أقوى" إزاء هجوم قوات النظام السورية المدعومة من روسيا على حلب، بما في ذلك الردود العسكرية. ومن هذه البدائل، السماح للحلفاء بتزويد المعارضة بأسلحة أكثر تطوراً، وتوجيه ضربة جوية أميركية لإحدى قواعد الأسد الجوية، وذلك بعد تهديد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بوقف المساعي الدبلوماسية مع روسيا حول سورية، وتحميل موسكو المسؤولية عن إسقاط قنابل حارقة على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب.
في موازاة ذلك، بات من الواضح أن العملية السياسية في سورية باتت في مهب ريح الخلافات الروسية الأميركية التي تتصاعد كل يوم، وهو ما انعكس في كلام الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أمس بعد لقائه البابا فرنسيس في الفاتيكان بعدما أكد أنه "من الصعب استئناف المفاوضات مع استمرار القصف في سورية". وأوضح دي ميستورا على هامش منتدى في الفاتيكان حول المساعدة الإنسانية التي تقدمها الكنيسة الكاثوليكية لمناطق الحروب، وخصوصا سورية، أنه "من الصعب استئناف المفاوضات حين تتساقط القذائف في كل مكان" في سورية. وأضاف في تصريحات إلى وكالة فرانس برس "يمكن للبعض الاعتقاد أن بإمكانهم استعادة حلب عبر قصف شرق المدينة، لكن الوضع ليس كذلك. لا يمكن تمهيد الطريق للسلام في سورية بالقنابل". ولفت إلى أنه "في بعض الأحيان، وفي زمن الحرب يمكن التفاوض مع استمرار الحرب، لكننا نشهد حالياً انهياراً لاتفاق كان يشكل بداية مرحلة جديدة". وعبّر عن "قلق شديد لأن كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى عسكرة النزاع".

مناورة روسية جديدة
وتضمنت تصريحات المسؤولين الروس، أمس الخميس، ما يمكن وصفه بتقاسم للأدوار. فبينما عكست تصريحات بعضهم رغبة موسكو في المضي قدماً بالاتفاق الأميركي الروسي والترويج للهدنة، في مقابل انتقاد الولايات المتحدة، اكتفى آخرون بتوجيه انتقادات حادة للإدارة الأميركية والتلميح إلى تقارب جديد مع تركيا في الملف السوري.
الإعلان عن مقترح الهدنة تولاه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي نقلت وكالات أنباء روسية عنه قوله، أمس الخميس، إن موسكو لا ترى بديلاً للخطة الأميركية الروسية الأصلية للسعي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية، وإن على واشنطن أن تركز على تطبيقها. وأضاف أن خطة وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام التي طرحتها الولايات المتحدة غير مقبولة وأن موسكو تقترح "هدنة إنسانية" مدتها 48 ساعة في حلب عوضاً عن ذلك.
في موازاة ذلك، قال ريابكوف إن موسكو غاضبة من لهجة التهديد في بيان الولايات المتحدة الأخير بشأن سورية وتعتبره بمثابة دعم للإرهاب. وكان ريابكوف يشير إلى بيان المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيري، الذي قال الأربعاء إن "لروسيا مصلحة في وقف العنف في سورية، لأن المتطرفين بإمكانهم استغلال الفراغ لشنّ هجمات ضد المصالح الروسية، وربما أيضا المدن الروسية". ووصف نائب وزير الخارجية الروسي تصريحات واشنطن عن تعليق التعاون مع روسيا بشأن سورية بأنها "عبارة عن سياسة تهديد وابتزاز"
من جهته، اتهم الكرملين، أمس الخميس، واشنطن بالفشل لجهة الفصل بين ما سمّاهم بـ "الإرهابيين" والمعارضة في سورية، مشيراً إلى أن الوضع في حلب "كارثي لكن واشنطن عاجزة عن التأثير عليه". وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمر للصحافيين، إن القوات الجوية الروسية ستواصل دعم قوات نظام الأسد، وأن ما وصفها "بالحرب على الإرهاب" ستستمر.
في غضون ذلك، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، قولها أمس الخميس إن "هناك اتجاهاً بأن التعاون مع تركيا في سورية سيكون بنّاء حالياً، فيما تعمل موسكو وأنقرة على إصلاح علاقتهما". وأضافت "من الممكن القيام بعمليات مشتركة إذا دعت الحاجة" دون أن تذكر أي تفاصيل.
ولم يتأخر الرد التركي على روسيا، إذ أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس، أن بلاده "على أتم الاستعداد" للتنسيق مع روسيا بشأن وقف لإطلاق النار في سورية وتوصيل مساعدات إنسانية، إذا كانت لدى الكرملين رغبة في ذلك. وأضاف "بحثنا قضايا وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية مع نظيرنا الإيراني السيد (محمد جواد) ظريف. بعد تطبيع العلاقات بيننا، ونبحث نفس القضايا مع حليفتنا روسيا". وقال "يجب أن نبذل المزيد من الجهد من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وحل سياسي. إذا كانت روسيا مستعدة للتعاون معنا في مجالي وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية فإننا على أتم الاستعداد".

حرب الإبادة مستمرة
في موازاة ذلك، يواصل الطيران الروسي وطيران نظام الأسد منذ التاسع عشر من شهر سبتمبر/أيلول الحالي حرب إبادة على الأحياء الشرقية في مدينة حلب التي تقع تحت سيطرة المعارضة منذ منتصف عام 2012، مستخدماً كل أنواع الأسلحة، بما فيها تلك المحرمة دولياً. وأدت الغارات إلى مقتل وإصابة الآلاف، وتدمير مراكز حيوية، منها مستشفيات ومراكز صحية، ومحطات مياه، فضلاً عن تدمير أبنية على رؤوس ساكنيها، ما خلق أزمة إنسانية قال الرئيس الأميركي أوباما الأربعاء إنها "تفطر القلب"، فيما شبّه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ما يجري في حلب بـ "المسلخ".
من جهتها، تؤكد المعارضة السورية أنه لم تعد هناك أي قيمة للعملية السياسية أمام ما يحدث في حلب، وأن نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني وضعوها وراء ظهورهم ما يؤكد أن الحلف الثلاثي لم يكن جاداً منذ البداية في التوصل لحل سياسي، وأنه اتخذ قراراً بالحسم العسكري على حساب دماء آلاف السوريين.
وفي السياق، يرى رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض، أسعد الزعبي، في حديث إلى "العربي الجديد" أن الرفض الروسي لهدنة جديدة "هو جواب لأفكار أوباما"، موضحاً ما يقصده بالقول "وكأن الروس يقولون إن أوباما وأركان إدارته قد انتهوا، وعليهم عدم التدخل". ولا يعتقد الزعبي أن التعالي والغطرسة الروسية غير مسبوقة تجاه الولايات المتحدة ستدفع واشنطن إلى "معاقبة "موسكو من خلال تغيير موازين القوى على الأرض السورية، مشيراً الى أن الولايات المتحدة "تبدو اليوم عاجزة".




المساهمون