"العدالة والتنمية" المغربي يواجه امتحان النزاهة والشفافية

"العدالة والتنمية" المغربي يواجه امتحان النزاهة والشفافية

24 يونيو 2020
إحالة الرميد للجنة المركزية للنزاهة والشفافية بالحزب (الأناضول)
+ الخط -

اتخذ الجدل الذي أثاره تسريب تسجيل صوتي يتهم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان المغربي مصطفى الرميد، بعدم إعطاء سكرتيرة مكتب المحاماة الذي كان يرأسه قبل تعيينه وزيراً في 2012، حقوقها الوظيفية، وعلى رأسها التصريح بشأنها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أبعاداً جديدة، بعد تكليف الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، اللجنة المركزية للنزاهة والشفافية في الحزب بالاستماع للوزير.

وشكلت الضجة الواسعة التي أثارها اكتشاف أن الوزير لم يصرح بشأن سكرتيرة مكتبه، التي فارقت الحياة أخيراً، كموظفة لديه طيلة فترة عملها الممتدة لنحو 24 سنة، ورقة ضغط على "العدالة والتنمية" من قبل خصومه السياسيين، بعد ارتفاع أصوات مطالبة بإقالته من منصبه أو تقديم استقالته تفادياً للحرج، وتعبيراً عن تحمله للمسؤولية، بحكم منصبه كوزير دولة مكلف بحقوق الإنسان عما اعتبر "خرقاً سافراً للقانون وتسببه في هضم أبسط حقوق سكرتيرته".

في المقابل، دافع قياديون في "العدالة والتنمية" عن الوزير، معتبرين أن علاقة هذا الأخير بمكتب المحاماة في الدار البيضاء انقطعت منذ توليه وزارة العدل في حكومة عبد الإله بنكيران، وبالضبط منذ يناير/كانون الثاني 2012، وهو الوضع المستمر حالياً في حكومة سعد الدين العثماني. 

كما أكدوا أن جميع الحقوق الاجتماعية كانت مضمونة للراحلة التي لقيت عناية خاصة من الوزير في السنوات الأخيرة التي قضتها بين تلقيها للعلاج وعملها كاتبة في مكتب المحاماة. وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه عائلة الراحلة، حيث أكدت أن الرميد "أعطى وأوفى لها"، وأنها ممتنة له لما قدمه، مادياً ومعنوياً، للراحلة.

وفي الوقت الذي ينتظر أن تستمع اللجنة المركزية للنزاهة والشفافية لحزب "العدالة والتنمية"، خلال الساعات المقبلة، إلى الرميد، قبل أن ترفع تقريرها إلى الأمانة العامة للحزب لاتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات بشأن الواقعة، يواجه الحزب امتحانا صعبا يختبر مقومات تجربته التنظيمية والسياسية القائمة على تعزيز قيم النزاهة والشفافية في العمل الحزبي وفي إدارة الشأن العام الوطني والمحلي.

بنى "العدالة والتنمية"، منذ دخوله معترك السياسة في تسعينيات القرن الماضي، كل مجده السياسي على المصداقية والنزاهة الأخلاقية، والحرص على تحقيق ذلك، من خلال وضع قواعد التنظيم والقيم الأخلاقية التي ينتظم وفقها عمله، تسهر على تفعيلها بنية تنظيمية مهيكلة، تتمثل في هيئة التحكيم الوطنية واللجنة المركزية للنزاهة والشفافية، واللتين تؤديان أدواراً هامة في التصدي لكل الاختلالات والانحرافات والخروقات التي يمكن أن يرتكبها الأفراد أو الهيئات.

ويرى "العدالة والتنمية"، في أدبياته، أن الحفاظ على الريادة في المشهد السياسي المغربي ومصداقيته لدى المواطنين رهين بمدى تمسك مناضليه ومناضلاته بالمنظومة القيمية والقانونية المؤطرة لعمله التنظيمي والسياسي. فالحزب يحدد أن من واجبات الانتماء إليه هي النزاهة، كما هو منصوص عليه في قوانينه الداخلية.

لكن في ظل الوضع التي خلفه تسريب التسجيل الصوتي الخاص بسكرتيرة وزير الدولة، تبدو لجنة النزاهة والشفافية، ومن ورائها قيادة "العدالة والتنمية"، بين نارين: نار تقديم دليل ملموس على صدقية ما يرفعه الحزب من شعارات بشأن النزاهة والشفافية والحفاظ على رأسماله المعنوي، ونار الانتقادات والحملات الإعلامية التي تستهدفه وتحاول إضعافه معنويا، في سياق تدافع سياسي سابق للانتخابات المقبلة في 2021.

ورأى أستاذ القانون الدستوري في جامعة ابن طفيل في القنيطرة رشيد لزرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إحالة قضية وزير الدولة إلى لجنة النزاهة والشفافية محاولة للسيطرة على تبعات واقع خرق الوزير للقانون بعدم تسجيل كاتبته في صندوق الضمان الاجتماعي، ومحاولة لكسب الوقت لمعالجة ما اعتُبر فضيحة سياسية وأخلاقية.

وفي الوقت الذي استبعد لزرق أن تصدر لجنة النزاهة والشفافية قراراً ضد قيادات الصف الأول في "العدالة والتنمية"، رأى قيادي في الحزب، طلب عدم الكشف عن هويته، أن "تقرير اللجنة سيكون تقريراً موضوعياً وشفافاً"، لافتاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن عمل اللجنة ليس صورياً، فهي تقوم بدراسة الملفات والتحقيق فيها والاستماع إلى جميع الأطراف، ثم ترفع ما توصلت إليه إلى الأمانة العامة للحزب التي لها سلطة اتخاذ القرار.

المساهمون