مخاوف وغموض مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تونس

مخاوف وغموض مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تونس

31 اغسطس 2019
سترتفع حدة التوتر مع انطلاق الحملة الانتخابية(أنيس ميلي/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية المبكرة، والمقررة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، يزداد المشهد السياسي في تونس غموضاً، فلا أحد قادر على التكهن بمآل الحياة السياسية والمخاطر المحدقة بهذه الانتخابات في ظل تنامي الحديث عن تدخل لوبيات السياسة والمال الفاسد والإعلام المشبوه والأبواق الدعائية، فيما يسيطر التردد والانقسام على الوضع العام، ما قد يزيد في تشتت الأصوات، وخلق مشهد ضبابي، ومخاطر قد تهدد الديمقراطية.

على الرغم من ذلك، تبقى هذه الصراعات، على حدّتها حيناً، وهدوئها النسبي حيناً آخر، نتاجاً طبيعياً للسباق الانتخابي والتنافس الذي يفرضه، وتحركها رغبة الأطراف المشاركة والمرشحين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، في تحقيق الفوز المنتظر، وهي بحسب العديد من المراقبين مخاض طبيعي في أغلب الديمقراطيات الناشئة التي تعيش اليوم إحدى مراحلها المفصلية بتناقضاتها وتجاذباتها ومخاوفها.

ورأى الأمين العام للحزب الجمهوري التونسي، عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الوضع السياسي الذي يسود في البلاد حالياً غامض، بل حتى سيئ، بعدما أخذت الحياة السياسية في تونس منعطفاً لم تشهده من قبل، لافتاً إلى أن حزبه سبق أن نبّه من الوصول إلى هذه المرحلة قبيل الانتخابات. وأشار إلى أنه مع اقتراب موعد الانتخابات، تنامت المخاطر المحدقة بالعملية السياسية، والمتأتية من لوبيات الفساد المالي والتيارات الشعبوية، وهي مسائل تشكل خطراً حقيقياً يهدد تونس وديمقراطيتها الحديثة، علماً أنها ناجمة عن تراكم سنوات ما بعد الثورة، ومن مخلفات المشاكل التي عاشتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة.


وأوضح الشابي أن الصفقات المشبوهة والاتفاقيات التي شهدتها الفترة السابقة هي التي أوصلت تونس إلى المشهد الحالي، وإلى تقدم تيارات للانتخابات على الرغم من الخطر الذي تشكله على الحياة الديمقراطية، معتبراً أن المهمة الأساسية المطروحة اليوم قبل انتخاب رئيس للجمهورية هي إنقاذ الديمقراطية والدولة، ووضع حد لتطلع هؤلاء الفاسدين للسيطرة والوصول إلى السلطة. وذكّر الشابي بأن التونسيين أنجزوا ثورة من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تحارب الفساد ولا تخضع، ولو عن طريق الانتخابات، لسيطرة الفاسدين.

وحول الوضع الحالي المسيطر قبيل موعد الانتخابات الرئاسية، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري أن التشتت والانقسام هو سيد الموقف، إذ إن خيار الناخبين غير واضح. في ظل هذه الأجواء، تبقى جميع الاحتمالات واردة، بحسب رأيه، لكن لا بد من التصدي إلى الموجة الجارفة من خطر المال الفاسد والإعلام الموجّه والتيارات الشعبوية، خصوصاً بعد تزاوج السياسة والمال، محذراً من أن الانتخابات المرتقبة قد تشهد سطوة هذا المزيج الجديد، داعياً التونسيين لرفض الانسياق وراء الشعارات الكاذبة والإغراءات الدعائية والمالية وتحكيم العقل في اختيار رئيس تونس المقبل.

ورأى الشابي أن الأمر يجب ألا يقتصر على مجرد الحديث عن انتخاب رئيس جديد، بل عن رئيس للدولة يكون للجميع، وحامياً للدستور، وملتزماً بالدفاع عن السيادة الوطنية ومدافعاً عن الاستقلال الوطني والأمن القومي. هكذا، فإن التركيز يجب أن ينصب على ضرورة البحث عن رئيس يضمن الحد الأدنى لتجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس، وليس عن "مشروع سياسي كبير"، بحسب رأيه.

من جهته، وصف المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، المشهد السياسي السائد حالياً في تونس، بـ"المشحون" بشكل غير مسبوق في ظل الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، وتراشق تحميل المسؤوليات والاتهامات بين العديد من الأطراف السياسية. ولفت الحناشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوتر يعود في جزء منه إلى الحملات الانتخابية المسبقة التي تجري من خلال الحوارات والتصريحات، والتي تؤثر على سلوك الناخب وقد تدفع إلى عزوفه عن الإدلاء بصوته، ما يزيد من المخاوف.

وتطرق المحلل السياسي التونسي، إلى خطر تداخل المواقف والإشاعات المتبادلة، وأغلبها لا تحمل طابعاً سياسياً، بل أخلاقياً، إلى جانب التركيز على تحميل المسؤوليات وكأن الحملات موجّهة لطرف واحد، في حين أن هناك قضايا أخرى أكثر أهمية مغيبة. واعتبر أن ما يحصل لا يليق بالنخبة المرشحة للرئاسيات، وبالمشهد السياسي العام، منتقداً برامج المرشحين التي لا تمت إلى الرئاسة بصلة، ولا إلى صلاحيات الرئيس في ظلّ ما يحدده النظام البرلماني.

ورأى الحناشي أن الوضع في تونس تحول أخيراً إلى عملية انتقام من هذا الطرف أو ذاك، وحتى من النظام الجديد، بقطع النظر عمن سيرأس أو من سيحكم، لافتاً إلى أن أغلبية المرشحين للرئاسة هم من العائلة السياسية ذاتها تقريباً، وبعضهم جزء من النظام.

بدوره، رأى المحلّل السياسي محمد بوعود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المشهد السياسي في تونس يسير في اتجاه غير مسبوق من الغموض والضبابية، مع الخشية من أن يسير الاتجاه نحو الأسوأ، مبينا أنّ الاستحقاق الانتخابي المنتظر طغى عليه بروز سياسيين فاشلين ومافيات صاعدة حديثاً ولوبيات، بحسب رأيه، ما أدى إلى بروز إشكاليات تتعلق في التزكيات المشبوهة والتلاعب بالأسماء والأرقام، مع وجود مرشح من المنفى (سليم الرياحي) وآخر في السجن (نبيل القروي)، ما يعطي انطباعاً أن الكلمة الفصل ستكون للسلطة والمال، وهو ما يفاقم من حجم المخاوف.

 
ويبقى المشهد السياسي الحالي، وما يحيط به من تجاذبات وتشاؤم وغموض وتوتر، ضريبة التنافس السياسي في تونس، والذي قد تزيد حدته في الفترة القليلة المقبلة، خصوصاً مع انطلاق الحملة الانتخابية في الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل.