الجزائر: الأولوية للالتزامات الخارجية

الجزائر: الأولوية للالتزامات الخارجية

17 فبراير 2015
تهمل البلاد الوضع الداخلي (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
رفعت السلطات الجزائرية شعار "وفاء الجزائر بالتزاماتها الدولية"، لتبرير استعجال تمرير القوانين، ونيل الموافقة على برامج معيّنة في البرلمان، بغضّ النظر عن الحاجة والتطورات الداخلية. ويُفسّر ذلك اعتماد السلطة تقديم أولوية "إرضاء الخارج" على أي اعتبار داخلي.

وتأتي الخطوة في سياق اهتمام السلطة في العقد الأخير، بتحسين صورتها دولياً، وتقديم صورة جيدة لـ "الدولة الملتزمة والمتفانية" في التكيّف مع الاتفاقيات الدولية وتعديل تشريعاتها الوطنية لتتناسب معها، بغضّ النظر عن مدى حاجتها الفعلية داخلياً إلى هذه التشريعات. ففي عام 2006، أصدرت الجزائر قانون "مكافحة الفساد"، والذي بوشر تطبيقه في عام 2012، حين برّر وزير العدل آنذاك الطيب بلعيز، الأمر بـ "وفاء الجزائر بالتزاماتها الدولية".

وفي عام 2005، أبلغ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الجزائريين، بأن تعديل "قانون المحروقات كان أقصى ما تسمح به التوازنات الدولية". قبل أن يتم التراجع عنه بعد ذلك بسنة واحدة، وكذلك بسبب التفاهمات الدولية بين الجزائر وفنزويلا وعدد من الدول المنتجة للنفط.

ولا يتعلّق تغليب المعطيات الخارجية بتعديل القوانين فقط، بل يتعداه إلى طرح برامج غير مدروسة. ففي عام 2004، أطلق بوتفليقة برنامج "أسرتك" الذي يعني "كمبيوتر لكل أسرة". وكان واضحاً أن البرنامج المعقد بأدوات بيروقراطية، لم يكن ناجحاً على أي مستوى، لكنه كان في رأي السلطة، مجرّد برنامج يصلح لأن يقدمه بوتفليقة كإنجاز محلي في القمة العالمية للمعلوماتية التي انعقدت في تونس عام 2005.

وفي مقابل سعي السلطة إلى تقديم صورة "الدولة المنضبطة والملتزمة خارجياً"، لا يبدو سعيها نفسه في تكييف التشريعات مع الحاجات الداخلية، أو إطلاق برامج حين يتعلق الأمر بمعطيات داخلية. فتعديل قانون "الإجراءات الجزائية"، وفقاً للتطورات الداخلية، ظلّ مجمّداً منذ عام 2004 حتى عام 2009، و"التقسيم الإداري" الذي بات أكثر من ضرورة وفي أكثر من منطقة، ظلّ مؤجلاً منذ أكثر من عقد، رغم تضمينه في التقرير الذي أعدته لجنة "إصلاح الدولة" برئاسة ميسوم سبيح عام 2000.

فضلاً عن ذلك، لم يتم تعديل قانوني البلدية والولاية، وفقاً لتوصيات اللجنة، والمتطلبات التي كانت تفرض ذلك، إلا بعد 12 عاماً من ذلك. كما أن تعديل "قانون الإعلام" مثلاً، ظلّ مجمّداً لأكثر من عقد ونصف، رغم الحاجة الداخلية الملحّة التي كانت تفرض تعديله وإطلاق "الفضاء السمعي البصري". تماماً كما ظلّ قانونا "الجمعيات" و"الأحزاب" مجمّدين، إلى غاية تعديلهما في عام 2012، بفعل ارتدادات الربيع العربي.

ولم يكن "وفاء الجزائر بالتزاماتها الدولية" يستدعي تلك الطريقة المناقضة للأعراف والتنظيمات التشريعية التي تم اعتمادها من السلطة، لإلزام البرلمان بتعديل قانوني "تبييض الأموال" و"مكافحة تمويل الإرهاب"، في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

ولم تكن هذه الالتزامات مستعجلة إلى الحدّ الذي يستدعي خلق حالة "خرق قانوني" وجدل سياسي، يضيف مزيداً من الهزالة إلى البرلمان الهزيل أصلاً، لكنه يشير إلى حالة ارتباك سياسي للسلطة، يدفعها إلى تقديم التنازلات الممكنة للخارج على حساب الداخل.

وأفاد النائب في البرلمان عن كتلة "التحالف الإسلامي" لخضر بن خلف، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أن "السلطة تعتقد أنها طالما حققت للغرب وللقوى الأجنبية مقتضياتها، فإنها ستكون بعيدة عن أي ابتزاز سياسي، لكنها في الواقع تدفع نفسها إلى ذلك". وأشار إلى أن "أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام الجزائري، هي التي تدفعه إلى البحث عن الإرضاء الخارجي قبل أي اعتبار للمعطى الداخلي".

واللافت أن السلطة في الجزائر مهتمة كثيراً بتحسين صورتها في الخارج، ولو كان هذا الجهد يناقض الواقع اليومي للجزائر وللجزائريين، والذي يتجلّى في ملف حقوق الإنسان. فعلى الرغم من حالة المضايقات التي يتعرض لها الناشطون السياسيون والمدنيون، والنقابيون، ومنع التظاهر والمسيرات والاعتصامات في العاصمة كما في مدن أخرى، وتعطيل حصول المنظمات والجمعيات على اعتمادها والترخيص لنشاطها، إلا أن السلطة تسعى إلى تعديل القوانين والتشريعات المتصلة بحقوق الإنسان والمرأة والطفولة. مع العلم أن لا أثر لهذه التعديلات على أرض الواقع.

ويعتقد المتحدث باسم "منظمة العفو" في الجزائر، إبراهيم محديد، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "تحديث الجزائر للقوانين المتصلة بحقوق الإنسان والنشاط المدني، لا يعني بالضرورة أن هناك تطوراً ما على صعيد الممارسة العملية من قبل السلطة". ولفت إلى أن "فرع منظمة العفو في الجزائر مثلاً، ما زال ينتظر ترخيص نشاطه بعد سنة كاملة من إيداع الملف لدى وزارة الداخلية".

وبين اهتمامات السلطة في صنع واجهة لسياساتها، ومقتضيات الداخل، مساحة فراغ، لم تستطع السلطة تجاوزها بفعل عقيدتها السياسية، المبنية على منح الأولوية للخارج على الداخل. كما لم تستطع القوى السياسية والمدنية، فرض حالة ضغط على السلطة لتغيير هذه الأولوية.

المساهمون