"التعذّرات الأمنية"... أحدث وسائل قمع المعتقلين في مصر

"التعذّرات الأمنية"... أحدث وسائل قمع المعتقلين في مصر

26 يوليو 2019
لجأت مصر لحجة "التعذرات الأمنية" خلال البطولة الأفريقية(فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت أخيراً عبارة "تعذُّر نقل المتهمين" رائجة في أغلب القضايا والمحاكمات السياسية في مصر، إذ تؤجل الجلسة، أو يمدّ الأجل أو النطق بالحكم، بلا سند في القانون المصري، بذريعة "تعذُّر وزارة الداخلية في نقل المعتقلين إلى النيابة أو المحكمة"، الأمر الذي اعتبره حقوقيون "أحدث وسائل القمع التي يتبعها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ضدّ معارضيه".

ودانت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية حجة الظروف الأمنية هذه، وقالت إنها تمثّل "استخفافاً بالغاً من قبل السلطة القضائية بحريات المتهمين المحبوسين احتياطياً في القضايا على خلفية سياسية، تحت ذريعة الظروف الاستثنائية".

وفي السياق، اعتبر مصدر حقوقي بارز، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تصديق السلطة القضائية على "التعذرات الأمنية" يؤكّد عدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، أو التزامها بنص المادة 96 من الدستور المصري، والتي تكفل ضمانات دفاع المتهم عن نفسه خلال مرحلة التحقيق أو المحاكمة، وكذا المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي نصت على وجوب سماع دفاع المتهم، قبل إصدار أمر الحبس.

وأشار المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "التعذرات الأمنية تؤثّر بالسلب على سير العدالة، وسرعة إنجاز المحاكمات، لا سيما مع عدم إخطار المحامين بهذه القرارات سلفاً أو بأسبابها"، مشبرا إلى أنّ "مصر لم تشهد تأجيلاً لجميع المحاكمات لمدة شهر كامل عبر تاريخها، مثلما حدث خلال فترة استضافة القاهرة لبطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم". وأضاف المصدر أنّ "هناك مساجين ممنوعون عن الزيارة نهائياً، بالمخالفة للقانون المصري، ولوائح السجون المنظمة، ما كان يضطر أهالي السجناء إلى استغلال جلسات التحقيق لرؤية ذويهم"، لافتاً إلى أنّ "أعداد المجندين والأفراد في وزارة الداخلية يُقدرون بمئات الآلاف، ومن غير المقبول تعطيل عمل القضاء بسبب تأمين بطولة رياضية، أو لأي سبب آخر".

وكان قطاع أمن القاهرة التابع لوزارة الداخلية، قد أصدر مرسوماً في 9 يونيو/حزيران الماضي، نص على أنّ "التعذرات الأمنية لعرض المتهمين سوف تبدأ من الفترة 21/6/2019 حتى 19/7/2019 (فترة تنظيم مصر البطولة الأفريقية)"، وهو ما دفع جميع الدوائر الجنائية المنعقدة بأكاديمية الشرطة وطرة، إلى تأجيل النظر بالقضايا المعروضة "لتعذر نقل المتهمين من محبسهم إلى مقر المحاكمة لدواعٍ أمنية".

وعرّفت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، التعذرات الأمنية بأنها "حجة اختلقتها وزارة الداخلية المصرية لتمنع بها نقل المتهمين من السجون إلى أماكن التحقيق معهم في النيابات والمحاكم، أو نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج، بزعم وجود مانع أمني، مثل الاحتفالات المختلفة، أو الانشغال بتأمين بطولة كروية".

بدورها، قالت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" في أحدث تقاريرها، إنّ "التعذرات الأمنية تمثّل حرماناً تعسفياً لحقوق المتهمين، وانتهاكاً صريحاً لمبدأ افتراض براءة المتهم، وكشفاً لرؤية السلطة القضائية الحالية، وفي القلب منها نيابة أمن الدولة العليا، تجاه هؤلاء المتهمين باعتبارهم أشخاصاً خطرين على المجتمع، ولا يجب الإفراج عنهم، خصوصاً في الفترات التي تتطلب تأمينات إضافية".

واستنكرت الجبهة ما تبديه السلطة القضائية في مصر من استخفاف بالغ إزاء حريات المتهمين المحبوسين احتياطياً، لا سيما في القضايا على خلفية سياسية، استناداً إلى الظروف الاستثنائية، من خلال المد التلقائي لفترة احتجازهم، وعدم تمكين محاميهم من حضور جلسات تجديد حبسهم، أو الطعن على قرارات حبسهم منذ أشهر عديدة.

ومنذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018، تمنع نيابة أمن الدولة المتهمين ومحاميهم من تقديم طلبات الاستئناف على قرارات حبسهم، بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية.

واعتادت دوائر الجنايات ونيابة أمن الدولة تأجيل نظر جلسات تجديد حبس المتهمين بسبب التعذرات الأمنية في مناسبات أو ذكرى أحداث معينة، لعل أبرزها كان بمناسبة عيد الميلاد في 7 يناير/كانون الثاني الماضي، وفي الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير، وبمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في إبريل/نيسان الماضي.

وجدّدت دوائر مثل الدائرة 15 جنايات بمحكمة شمال القاهرة، حبس العشرات من المتهمين في 24 قضية كانت ستُنظر أمامها الشهر الحالي، لمدة 45 يوماً من دون حضور المتهمين، بينما أجلت أغلب محاكم الجنايات، المدنية والعسكرية، نظر جلسات محاكمة المتهمين، حتى في القضايا التي تضم المئات منهم، ما يطيل من مدة حبسهم على ذمة تلك القضايا.

غير أنّ الأمر ليس مقتصراً على الأحداث والمناسبات الرسمية التي تنشغل وزارة الداخلية بتأمينها، بل إنّ التعذرات الأمنية باتت نهجاً مستمراً على مدار العام، وكان آخرها في 21 يوليو/تموز الحالي، حين قررت محكمة جنايات القاهرة تأجيل محاكمة 11 متهماً في قضية "اغتيال مدير أمن الإسكندرية"، إلى جلسة 4 أغسطس/آب المقبل، لتعذّر إحضار المتهمين من محبسهم لاعتبارات أمنية.

أمّا أبرز التأجيلات الأمنية لتعذّر نقل المتهمين، وأكثرها دراماتيكية، فكانت مع تأجيل عرض المتهمين يوم احتفال السفارة الإسرائيلية في القاهرة بذكرى النكبة في فندق "ريتز كارلتون" في قلب ميدان الثورة "التحرير"، في 9 مايو/أيار 2018. كذلك، تأجيل النطق بالحكم في قضية فضّ اعتصام "رابعة العدوية" في 30 يونيو/حزيران 2018، والمتهم فيها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، و738 آخرون بينهم قياديون في الجماعة ومؤيدون لها، حيث قالت المحكمة آنذاك "إنّ أسباباً أمنية حالت دون إحضار المتهمين إلى الجلسة".

دلالات