6 يناير.. نفق العنف السياسي في الولايات المتحدة

6 يناير.. نفق العنف السياسي في الولايات المتحدة

06 يناير 2022
اقتحام الكونغرس يوم "تاريخي" يؤشر إلى العنف السياسي في الولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

اليوم يمر عام على اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي، هذا الحدث الذي وقع في 6 يناير/كانون الثاني 2021، الأبعد من واقعة أمنية غير عادية، احتفظ بحضوره الطاغي وظله الثقيل كتحدٍّ سياسي - دستوري مفصلي ومفتوح على مخاطر بالغة.

ومع أنه ليس في واشنطن من لا يدرك ذلك، كما ليس فيها من لا يعرف، علناً أو ضمناً، كيف ولماذا وبأي محرِّك توجهت "الغزوة" إلى الكونغرس؛ إلا أنّ الوصول إلى محاسبة المسؤولين عنها أمر مشكوك فيه، بل ويبدو متعذراً. حتى ولو توصلت التحقيقات إلى تأكيد الشبهات التي تحوم فوق الرئيس السابق دونالد ترامب كمحرك للعملية ومحرّض عليها.

ويذكر بالمناسبة أنّ ترامب صرف النظر، أول من أمس الثلاثاء، عن المؤتمر الصحافي الذي كان يزمع عقده، اليوم الخميس، في ذكرى الاقتحام، "بناء على نصائح مساعديه". لكن الأصح أنه فعل ذلك تفادياً للمزيد من الإحراج والانفضاح، بعدما تكشفت للجنة التحقيق بمجلس النواب معلومات موثقة بالنص والاسم، تبادلها مقرّبون جداً من ترامب مع أبرز مساعديه في البيت الأبيض، وبما يؤشر إلى دوره في أحداث ذلك اليوم "التاريخي". 

مع ذلك، ليس الكونغرس ولا الجمهوريون في مجلس الشيوخ، على استعداد لمساءلة ترامب خوفاً من الكلفة الانتخابية، ولا وزارة العدل تبدو عازمة على بلوغ هذه النقطة في تحقيقاتها، خشية أن يؤدي ذلك إلى صبّ الزيت على نار "العنف السياسي" المتوقع أن تشهد انتخابات الكونغرس في 2022 والرئاسة في 2024، المزيد منه.

تستوقف في هذا الصدد دراسة أعدتها جامعة شيكاغو تقول إنّ "90% من الذين شاركوا في أحداث 6 يناير 2021 كانوا من عامة الناس من بينهم مهنيون ورجال أعمال صغار، وليسوا من المتطرفين البيض الذين لا يزيد عددهم عن 1% من السكان".

وبحسب الدراسة، فإن معظم هؤلاء جاؤوا من مناطق "شهدت نزوح البيض عنها بسبب سياسات الديمقراطيين"، مما صبّ في تعزيز النفور العنصري وبالتالي زيادة قابلية الوضع للاشتعال بحيث صار يستدعي، وفق البروفسور ريتشارد بايب، الذي أشرف على الدراسة، "فتح حوار وطني" لتدارك استفحال ظاهرة "العنف السياسي" قبل استعصائها. 

ترافق ذلك مع فيض من الاستطلاعات التي تكشف نتائجها توسّع الشرخ وتنامي النزوع نحو العنف، إذ إنّ واحداً من بين كل ثلاثة أميركيين يرى أنّ العنف مشروع ضد الحكومة، بل أكثر من ذلك حيث "52% من أصوات ترامب تؤيد الانفصال". كذلك يفضله "41% من الديمقراطيين لعدم القدرة على التعايش مع الجمهوريين". 

وبيّنت الاستطلاعات أنّ "82% و86% من الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين" على حد سواء، يرون أنّ "المستقبل الأميركي لا يبشّر بالخير".

طبعاً، بعض هذا الكلام وأرقامه جاء بتأثير سخونة الذكرى وطوفان التعليقات والمداولات والتوقعات بشأنها. لكنه ليس جديداً وهو عموماً يعكس أجواء القلق والتخوّف من أن تكون المناخات السائدة مقدّمة لتحولات وتطورات كبرى، تكثر التحذيرات من خطورتها واحتمالات خروجها عن السيطرة. 

في ظل هذه الضغوط، اضطر على ما يبدو وزير العدل ميريك غارلاند لمخاطبة الأميركيين اليوم حول 1/6، وخطر العنف وحرية التصويت وضمان سلامة الانتخابات، واعداً باستكمال التحقيقات الجنائية التي تتولاها وزارته بالحدث "والمشاركين فيه".

طلب غارلاند المزيد من الوقت لاستكمال التحقيق في الجانب الجنائي الميداني، من غير تحديد سقف زمني، مكتفياً بالتشديد على "مساءلة الفاعلين من أي مستوى كانوا". وفي ذلك تلميح ضبابي إلى مسؤولية ترامب. لكن عمومية تأكيد غارلاند على الناحية التقنية فقط، أثارت انتقادات حتى من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ مثل السناتور شيلدون وايتهاوس، ومن مرجعيات قانونية مثل البروفسور لورانس ترايب أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد.

المأخذ أنّ مقاربة الوزير كانت رخوة حيث "تجاهلت وجود مؤامرة انقلابية على الدستور حتى لا تلتزم بالتصدي لرأسها"، أي للرئيس ترامب. ومن هذه الزاوية، ساهمت كلمته في زيادة البلبلة وبالتالي الاستضعاف للإدارة.

ومن المتوقع أن يلقي الرئيس جو بايدن كلمة بالمناسبة، اليوم الخميس، قد لا تخرج عن هذا الإطار بحيث تشدد على "أهمية الحقيقة وحكم القانون وتعزيز الديمقراطية"، بحسب الناطقة الرسمية في البيت الأبيض جين ساكي التي قالت إنّ الرئيس "سيربط بين ما جرى في 1/6 وبين ترامب". لكن ليس واضحاً ما إذا كان البيت الأبيض سيلتزم بملاحقة هذا الربط وكشف حدوده، والمسؤولية المترتبة عليه. 

في محكمة النخب وغالبية الرأي العام الأميركي، حدث 1/6 يحتاج إلى محاكمة المهندس الذي وقف وراءه. البديل، يقول المحذرون، هو تكرار للمشهد وربما بصور أكثر خطورة. 

ترامب بدأ ينكشف من تحقيقات لجنة النواب وحتى قبلها. تزايد الضيق منه لدى كثيرين من لفيفه وطاقمه الدفاعي، السياسي والإعلامي. إلغاء مؤتمره الصحافي يشير إلى ضمور وضعه من هذه الناحية، لكن ما زالت له مونة على قاعدة انتخابية صلبة يمسك من خلالها وإلى حد بعيد بالحزب الجمهوري.

وسوف ينعكس ذلك اليوم في مقاطعة الجمهوريين لمراسم الذكرى التي ينوي الديمقراطيون إقامتها بهذه المناسبة. بل إنّ بعض عتاة المؤيدين للرئيس السابق في مجلس النواب، يزمعون القيام بنشاط رمزي مضاد تعبيراً عن الولاء والتأييد لترامب. معادلة تعكس تردي خليط مثلث السياسة والعنف والعنصرية في الولايات المتحدة الأميركية.

المساهمون