سباق أميركي ــ إيراني على "طالبان أفغانستان"

سباق أميركي ــ إيراني على "طالبان أفغانستان"

20 فبراير 2015
ظريف زار كابول لتعزيز التعاون بين البلدين (فرانس برس)
+ الخط -

مع تزايد نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بدأت المواقف العالمية تتغير رويداً رويداً تجاه حركة "طالبان أفغانستان". وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد رفضت في نهاية الشهر الماضي اعتبار الحركة جماعة إرهابية بخلاف تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، الأمر الذي أثار استياء واستغراب الأفغان، الذي عاشوا أكثر من عقد من الزمن تحت وطأة الحروب الدامية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين "طالبان" وحلفائها كتنظيم "القاعدة"، من جهة أخرى.

وعلى غرار الولايات المتحدة، أجبرت التطورات الإقليمية والدولية ونفوذ "داعش"، الدول المجاورة لأفغانستان كالصين وإيران وباكستان، على مراجعة مواقفها إزاء أطراف الصراع الأفغاني، وإزاء ما يدور في هذه البلاد المهمة للجميع، استراتيجياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً.

وبينما دخلت بكين على خط الجهود الرامية لحلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية التي دامت عقوداً، وبدأت ببذل جهود منسّقة مع كابول وإسلام أباد لإنجاح عملية المصالحة الأفغانية التي أحرزت تقدّماً نسبياً، فإن باكستان وبعد تحسّن علاقتها مع حكومة وحدة الوطنية الأفغانية، تعهّدت مع أفغانستان على القضاء على كافة الجماعات المسلّحة، التي تهدد أمن واستقرار البلدين، من دون استثناء.

و في ظل هذه التطورات، كثّفت إيران جهودها لتوطيد علاقاتها مع الحكومة الأفغانية، من خلال استضافتها لعدد من الوفود الأفغانية، وإرسال مسؤولين إلى كابول لفتح صفحة جديدة معها بعد الانسحاب الدولي نهاية العام الماضي، إلا أنها حاولت في الوقت نفسه تكوين علاقة جديدة مع حركة "طالبان أفغانستان"، كما لوّحت الأخيرة باستعدادها لمراجعة علاقاتها بإيران، الأمر الذي يعتبره المراقبون انتحاراً لحركة سنّية متشددة، وعقبة في سبيل تحسين العلاقات الأفغانية الإيرانية، ولا سيما أن أفغانستان اتهمت جارتها إيران خلال السنوات الماضية بدعم الجماعات المسلّحة، وعلى رأسها "طالبان" التي تهدد أمن واستقرار أفغانستان.

وفي الشهر الماضي أرسلت إيران وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى كابول، وتوصل الطرفان إلى العمل على اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، على أن يتم التوقيع عليها عند زيارة الرئيس الأفغاني المرتقبة إلى طهران.

وفي الـ17 من شهر فبراير/شباط الحالي، أجرى نائب الرئيس الإيراني محمد شريعت مداري زيارة إلى كابول، تباحث خلالها مع القيادة الأفغانية سبل تعزيز العلاقات بين الدولتين في شتى المجالات، وفق إعلان الرئاسة الأفغانية. وأعلن الطرفان في نهاية الزيارة اتفاقهما على تشكيل لجنة ثنائية لدراسة سبل تطوير العلاقات بين الدولتين.

كذلك أبدت طهران رغبتها في بدء صفحة جديدة من العلاقات مع الحكومة الأفغانية من خلالها استضافتها وفوداً أفغانية عديدة، كان من أهمها الوفد الأمني الذي ترأسه مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي حنيف أتمر.

وهكذا ترغب الحكومة الأفغانية في تحسين علاقتها مع إيران، وأعلنت الرئاسة الأفغانية أن الرئيس محمد أشرف غني أحمدزاي سيقوم قريباً بزيارة رسمية إلى طهران. وقال الرئيس الأفغاني إن ملف اللاجئين الأفغان والوضع الأمني في المنطقة سيكون محور النقاش مع السلطات الإيرانية خلال زيارته المرتقبة إلى طهران.

وفي موازاة ذلك، تحاول إيران إنشاء علاقات مع حركة "طالبان أفغانستان" بعد تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في المنطقة، ويشير خبراء أفغان إلى أن طهران تبذل حالياً جهوداً حثيثة لتكوين علاقة جديدة مع "طالبان"، بعد أن أبدت باكستان استعدادها للتخلي عن الحركة نتيجة تحسن علاقاتها مع الحكومة الأفغانية. وفي العام الماضي عندما احتضنت طهران في سرية تامة وفد الحركة، كانت الحكومة الأفغانية قد أعربت عن استيائها البالغ إزاء سياسة طهران المزدوجة.

ولا شك أن محاولات إيران لإنشاء علاقة جديدة مع "طالبان"، قد تُعرقِل الجهود التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين كابول وطهران، وهو ما حدث في الماضي، إذ اتهمت الحكومة الأفغانية والقوات الدولية العاملة في أفغانستان مراراً الحكومة الإيرانية بدعم الجماعات المسلّحة التي تنشط في أفغانستان ضد الجيش الأفغاني والقوات الدولية العاملة في أفغانستان، وأعلنت أجهزة الأمن الأفغانية مرات عديدة عن عثورها على أسلحة إيرانية أثناء المعارك مع "طالبان".

كما تعتقد السلطات الأفغانية أن أعمال الاختطاف والاغتيالات المتعمدة التي تشهدها مناطق في غرب أفغانستان كإقليم هرات المجاور لإيران، وراءها يد إيرانية.

من هنا يرى المراقبون أن محاولات إيران لتكوين علاقة مع "طالبان،" ستؤدي إلى تعثّر علاقاتها بالحكومة الأفغانية، كما أن إقامة "طالبان" علاقة مع طهران سيكون بمثابة انتحار للحركة المتشددة، إذ أنها لا محالة ستفقد شعبيتها في أوساط الشعب الأفغاني. لكن مع نية باكستان التخلي عن حركة "طالبان"، لا يستبعد مراقبون حصول تقارب بين إيران والحركة التي تواجه أزمة مالية حادة، ولكنهم يخشون من اندلاع صراع جديد وخطير بين "طالبان" وتنظيم "داعش" نتيجة التقارب بين الحركة وطهران.

كذلك يعم القلق في الأوساط الشعبية الأفغانية إزاء نفوذ إيران المتزايد، وفي وقت تنتهج فيه إيران استراتيجية ذات وجهين تجاه الحكومة الأفغانية و"طالبان"، فهي كذلك توسّع نفوذها من خلال الاستثمارات الضخمة من خلال العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعات التي تدعم التوجّه الإيراني، كما أنها تدير مواقع إلكترونية وصحفاً تروّج للفكر الإيراني، إضافة إلى إنشاء مراكز ثقافية ودينية لبسط نفوذها.

وفي المحصلة فإن استراتيجية إيران ذات وجهين مع الحكومة الأفغانية و"طالبان" من جهة، وسعيها لبسط نفوذها من خلال وسائل شتى من جهة آخر، تثير القلق لدى الأكثرية في أفغانستان، وتنذر بوقوع انشقاقات بين الأكثرية السنّية والأقلية الشيعية، كما أن أي نوع من التقارب بين إيران وحركة "طالبان أفغانستان" يثير مخاوف من تفجير صراع بين الأخيرة وبين "داعش" وهو ما قد يدفع أفغانستان نحو حرب جديدة لا تُحمد عقباها.