حملة "العلاقات العامة" ضد قطر في بريطانيا: فيفا و"إرهاب"

حملة "العلاقات العامة" ضد قطر في بريطانيا: فيفا و"إرهاب"

17 أكتوبر 2014
لحظة فوز قطر بحق تنظيم كأس العالم (فرانس برس)
+ الخط -

في العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، وقف عدد من الشباب والشابات أمام سفارة دولة قطر في لندن، احتجاجاً على دعم الدوحة لحركة "حماس الإرهابية". ومع أن الأمر بدا عادياً ولا جديد فيه، وخصوصاً أن المحتجين هم من أعضاء مجموعة "أصدقاء إسرائيل في ساسكس" ومجموعة أخرى حديثة التأسيس تُدعى "ملتقى مجموعة العمل الإسرائيلي". غير أن اللافت في المشهد تمثل في مطالب المتظاهرين الذين هتفوا ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، وطالبوا مسؤوليه برفع الكرت الأحمر في وجه قطر. ونقل موقع "هافنغتون بوست" الإخباري الأميركي، عن أحد منظمي التحرك، مارك لويس، قوله للمتظاهرين: "ليعلم (رئيس الاتحاد الدولي للفيفا، جوزف) بلاتر أن هذه التظاهرة ما هي إلا البداية لحملة ستستمر حتى تجريد قطر من كأس العالم 2022".

التظاهرة وعلى صغر حجمها، وقلة عدد المشاركين فيها، وحتى عدم اهتمام الإعلام البريطاني بها، كما تمنى المنظمون لها، تزامنت مع "تظاهرة" صحافية أخرى قادتها صحيفة "صنداي تايمز" التابعة لإمبراطورية روبرت ميردوخ الإعلامية، وتمثلت في نشر مسلسل من الأخبار التي دارت في مجملها حول اتهام دولة قطر بدفع رشى وصلت إلى 3 ملايين جنيه استرليني لمسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مقابل التصويت لصالح منح قطر حق استضافة كأس العالم 2022.

حملة "الصنداي تايمز" ضد قطر و"الفيفا"، وصفها ميشيل هولتزمان، رئيس مؤسسة "بي إل جي" العالمية للاتصال والعلاقات العامة، بأنها "دنيئة وشخصية". وفي مقابلة مع برنامج "ساعة أخبار – بي بي سي"، قال هولتزمان إن "الحملة ضد قطر تمت إدارتها من قبل مثيري مشاكل لا يملكون أي أدلة دامغة لإثبات ادعاءاتهم". وبحسب رئيس مؤسسة "بي إل جي"، التي تدير مكاتب في نيويورك وواشنطن ولندن، فإن "الدافع وراء حملة صنداي تايمز قد يكون الغيرة، وعدم الرضا من مؤسسة روبرت ميردوخ - صاحب إمبراطورية "سكاي نيوز" وشريك مؤسسة أبوظبي للاستثمار الإعلامي (تملكها حكومة الإمارات) - عن فوز قطر باستضافة كأس العالم، وهو الشرف الذي فشلت بريطانيا في نيله منذ عام 1966.

ناهيك عن المنافسة الحادة التي باتت تشعر بها مؤسسة ميردوخ من انتشار مجموعة "بي ان سبورت" ومجموعة قنوات "الجزيرة" الرياضية. ولخص ميشيل هولتزمان، رئيس مؤسسة "بي إل جي" العالمية للاتصال والعلاقات العامة حملة "الصنداي تايمز" وأخواتها على قطر بالقول: "هي حملة عنصرية محمومة لا تقبل بأن تحظى دولة عربية وإسلامية بشرف تنظيم كأس العالم، وقد حاولت تغطية عنصريتها بادعاءات واهية وبلا أساس".

وبعد أن فشلت تظاهرة "أصدقاء إسرائيل" عن ثني قطر بتقديم مليار دولار كمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، وبعد أن فشلت حملة "الصنداي تايمز" إثر نفي منظمة الشرطة الدولية "الإنتربول" لكل الادعاءات التي فبركتها الصحيفة، تناولت صحيفة "تلجراف" العصا، وهذه المرة بالتركيز على دور قطر في تمويل "المنظمات الإرهابية".

وقد حاولت "تلجراف" التغطية على حملتها الموجهة عبر الاستناد على مقالات ودعوات طالب فيها نائب أو نائبان الحكومة البريطانية بقطع العلاقات الاقتصادية مع دولة قطر، بحجة دعمها لـ"الإرهاب". والمثير أن النائبين اللذين حاولت "تلجراف" إبراز صوتيهما، أحدهما مايك فرير هو مؤسس لمجموعة أصدقاء إسرائيل في البرلمان البريطاني، وقد اعتبرته صحيفة "جويش كرونيكل" الصهيونية الصادرة في لندن أحد أهم 100 شخصية مؤثرة في الوسط اليهودي، علما بأنه غير يهودي. أما النائب الآخر، ستيفن ياركلي، فهو من أصدقاء مركز إسرائيل للتقدم الاجتماعي والاقتصادي المعروف بـ(ICSEP).

ما قامت به المجموعات المناصرة لإسرائيل أمام سفارة قطر في لندن يمكن فهم دوافعه، وما نشرته "صنداي تايمز" و"تلغراف" على مدار أيام وأسابيع، يمكن أيضا فهمه، لكن ما يحتاج إلى تفسير وكثير من البحث هو تزامن كل ذلك مع حملات أخرى امتدت على جانبي الأطلسي بين نيويورك ولندن وعواصم غربية أخرى، والهدف دائما النيل من قطر وسمعتها وصورتها.

صحيفة "نيويورك تايمز" وموقع "انترسبت" كشفا أخيرا أن الامارات، التي تعد أكبر ممول لحملات الضغط في الولايات المتحدة في عام 2013، استعانت بشركة تنظيم حملات الضغط "كامستول" لأجل تنظيم حملة مناهضة لدولة قطر عبر نشر سلسلة من المواد الإعلامية في وسائل الإعلام الأميركية. وتقول "انترسبت" في مقال كتبه الصحافي غلين غرينوالد، إن مجموعة "كامستول" للاتصال والعلاقات العامة تضم عددا من المسؤولين الأميركيين الذين عملوا سابقا في الخزانة الأميركية وكانوا مسؤولين عن العلاقات الأميركية مع دول الخليج وإسرائيل، ومهمة تعقب مصادر تمويل المنظمات الإرهابية.

وتقول "نيويورك تايمز" إن القائمين على الحملة اقترحوا بأن أفضل وقت لتشويه صورة قطر هو "التزامن" بين ملف دعم قطر للمنظمات "الجهادية الإرهابية"، وملف "الفساد" في منح قطر تنظيم كأس العالم 2022.

وكشفت "نيويورك تايمز" أن المعلومات المنشورة من ملفات "كامستول" تظهر سلسلة من المحادثات بين موظفي الشركة وصحافيين نشروا مقالات متتالية في نقد قطر ودورها في تمويل "الإرهاب". وتؤكد "انترسبت" أن "كامستول" تعاقدت مع شركة "أوتلوك للطاقة" المملوكة لحكومة أبوظبي بعد أسبوع فقط من تأسيسها في عام 2012، وبلغت قيمة العقد 400 مليون دولار أميركي شهريا.

وفي تعليق لها على نشاط "كامستول" قالت "انترسبت": ليس الغريب في التركيز على تشويه صورة قطر عبر وسائل الإعلام وعبر صحافيين مدفوعي الأجر، لكن الغريب أن هذا السلاح استخدمه الإماراتيون والإسرائيليون وآخرون لخدمة أجنداتهم الخاصة.

أما مؤسسة "ميدل ايست مونيتور ــ ميمو" فقد قالت في تقرير بعنوان "نفاق بريطانيا في علاقاتها مع الخليج" كتبه اليستير يلون: "توظف الإمارات العربية المتحدة حملات الدعاية داخل البلاد، كما أنها تعاقدت مع شركات علاقات عامة في لندن للدفاع عن سمعتها وتلميع صورتها في الخارج". وترجح "ميمو" أن تكون الإمارات قد أسست منظمة متخصصة في حقوق الإنسان في النرويج لتصدر تقارير تشيد بمستوى حقوق الإنسان في الإمارات، وبالفعل فقد أصدرت "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" تقريرا في نوفمبر/تشرين الثاني وضع الإمارات في المرتبة الأولى عربيا والرابعة عشرة عالميا من حيث احترام حقوق الإنسان.

وفي هذا مفارقة واضحة مع تقرير "فريدوم هاوس" عام 2013 الذي وضع الإمارات في مراتب متأخرة بعد العراق وأفغانستان من حيث حرية التعبير، بينما حذرت منظمتا "امنستي" و"هيومان رايتس ووتش" من عمليات تعذيب ممنهج رُصدت في الإمارات خلال عام 2013. وتقول "ميمو" إنها حاولت الاتصال مع "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" لتفسير التناقض بين ما ورد في تقريرهم مقارنة بتقارير المنظمات الدولية الأخرى، إلا أن المتحدث باسم الشبكة رفض التعليق.

مصادر خاصة أفادت لـ"العربي الجديد" بأن سفارة الإمارات في لندن تستعين منذ عام 2010 على الأقل بخدمات شركة العلاقات العامة والاتصال السياسي "كويلر" التي تضم في فريق عملها مستشارين سابقين لرؤساء الوزراء في بريطانيا، وقيادات حزبية، وصحافيين وإعلاميين سابقين، وخبراء في الدبلوماسية العامة والعلاقات الدولية، كما تضم المتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية (أول متحدث رسمي باللغة العربية) جيرالد راسل.

وتسند السفارة لـ"كويلر" مهمة العلاقات مع الأوساط الإعلامية البريطانية، بالإضافة إلى مهمة العلاقات العامة مع أعضاء مجلس العموم البريطاني، عبر مجموعة أصدقاء الإمارات في البرلمان، والتي ساهمت "كويلر" في تأسيسها. وقد رجحت مصادر "العربي الجديد" أن تكون جهود "كويلر" قد نجحت في تجنيد عدد من الصحافيين وحتى النواب، لإذكاء حملة العلاقات العامة المعادية لدولة قطر، والتي تركز مرة على "عدم أهلية" هذه الدولة لاستضافة كأس العالم 2022، ومرة بدعم قطر لـ"الإرهاب".

المساهمون