تلوّث عنصري وعبث دستوري بزمن إدارة ترامب

تلوّث عنصري وعبث دستوري بزمن إدارة ترامب

واشنطن

فكتور شلهوب

avata
فكتور شلهوب
16 يوليو 2019
+ الخط -
المسحة العنصرية ليست غريبة عن خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولها تاريخ يعود إلى ما قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية، بشهادة من عملوا معه في مناصب تنفيذية في شركاته. كما أنه مولع بكسر المألوف وبالتصريحات النارية الداخلية والخارجية غير السويّة، التي اضطر إلى التراجع عن معظمها.


لكن لم يسبق لترامب أن بلغ بتماديه ما وصله أمس، عندما تجاوز كل الخطوط الحمراء وطالب أربعاً من خصومه الديمقراطيات بمجلس النواب "بالعودة إلى بلادهن"، بذريعة أنهن "يكرهن أميركا وإسرائيل". ولم يكن صدفة أن تكون الأربع سيدات من أصحاب البشرة الملونة، واثنتان منهن من أصول عربية إسلامية.

دعوة ترامب أثارت الدهشة والبلبلة على نطاق واسع. مع ذلك لاذ الجمهوريون والمحافظون إجمالاً بالصمت. وفي أحسن الأحوال بشيء من الضيق المكبوت، الذي تقتضيه الاعتبارات الانتخابية ويفرضه الحَرج. لكن لم يصدر عنهم اعتراض صريح، ناهيك بمطالبة الرئيس بالاعتذار.

سكت الجمهوريون عن تصريح ترامب ما عدا بعض التلميحات الناقدة بصورة خجولة، كالتي عبّر عنها السناتور الجمهوري لاندسي غراهام المقرب من الرئيس، في محاولة لتقليل الخسائر وللإيحاء له بأن مثل هذا التعامل العبثي مع نواب في الكونغرس غير مقبول من حيث المبدأ ولا يمكن الدفاع عنه.

أما الديمقراطيون فشنّوا حملة عنيفة على كلام ترامب "العنصري، الذي استهدف العضوات الأربع بسبب لون بشرتهنّ". والمحرج أكثر لفريق البيت الأبيض، أن مطالبة الرئيس لهن "بالعودة إلى بلادهم" بدت هرطقة دستورية غير مسبوقة. فهنّ مواطنات من مواليد أميركا، ما عدا إلهان عمر المولودة في الصومال، وتم انتخابهن بصورة مشروعة ويشغلن مقاعد في الكونغرس، يمارسن من خلالها دورهن التشريعي في مجلس النواب مثل بقية أعضائه الـ431 الآخرين. فإلى أين يرجعن؟ إلا إذا كان يخصّ النائب إلهان عمر بالعودة إلى بلادها، مع أنها مواطنة وتمثل شريحة من الأميركيين في الكونغرس.

جاء كلام ترامب ليكون بمثابة فضيحة، سارعت جهات من الحرصاء والمؤيدين إلى محاولة لفلفتها. لكن الرئيس عاد صباح الإثنين إلى تأكيد موقفه، وبما أفشل عملية الترقيع للسقطة التي يبدو أنه وقع فيها بحساب سياسي خطأ.

فالمعروف أن مجموعة الأربع على خلاف مكشوف مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، حول توجهات الحزب الديمقراطي في مجلس النواب. وبالتحديد حول مسألة عزل الرئيس، التي تدعو النائبات الأربع إلى المباشرة بإجراءاتها خلافاً لموقف بيلوسي، التي لم تخف مؤخراً نفورها منهن لخروجهن عن شبه الإجماع وراء قيادتها للديمقراطيين في المجلس. ومن المعلوم أن بيلوسي هي الخصم الأساسي والأقوى في الكونغرس للرئيس.

استفراد ترامب بالنائبات الأربع جاء حسب ما بدا، بغرض توسيع شق الخلاف بينهن وبين بيلوسي. لكنه أخطأ الهدف، إذ كانت بيلوسي أول من تصدى لاستفراده الذي تحول إلى خسارة سياسية صافية. وزاد من وقعها أنها جاءت متزامنة مع عدة خطوات، وضعها المراقبون وقسم كبير من السياسيين، في خانة قفل أبواب الهجرة وفي أحسن الأحوال تضييق منافذها إلى أميركا.

ومن ذلك قيام دائرة الهجرة، بناءً على طلب الرئيس، بمداهمات مفاجئة في عدة مدن أميركية، للبحث عن الموجودين بصورة غير قانونية على الأراضي الأميركية لترحيلهم، فيما تتفاقم أزمة معاناة المحتجزين على الحدود، وغالبيتهم من الأطفال الآتين من بلدان أميركا اللاتينية لطلب اللجوء.

كل ذلك تضافر مع بعضه ليعطي قضية النائبات الأربع بعداً عنصرياً، في لحظة أميركية تشهد انتعاشاً لحركة وخطاب "المتفوقين البيض"، وما ينطوي عليه ذلك من توترات اجتماعية أعادت التذكير بحالة مماثلة عرفتها أميركا قبل أكثر من مئة سنة، وبما أثار مخاوف جهات كثيرة من تكرار السيناريو في سنة انتخابية، من المرجح أن تكون الأكثر سخونة في تاريخ الرئاسة الأميركية.


الرئيس ترامب تراجع عن قنابل سياسية كثيرة. تهيّب تفجيرها بعد أن تبين له كلفة عواقبها. هذه المرة اختار الإصرار على طرحه. من حق الرئيس الاعتراض على توجهات وطروحات النائبات الأربع، لكن هذا شيء ومطالبته بما يوازي إسقاط عضويتهن في الكونغرس شيء آخر، لا تتحمله مؤسسة النظام التي لم يطلع منها صوت واحد يتبنى كلام الرئيس. وهو وضع يؤشر إلى أزمة متفاعلة مرشحة للمزيد من الاستفحال إذا ما بقيت الكوابح المتمثلة في الكونغرس غائبة.

ذات صلة

الصورة
مظاهرة واشنطن (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا، تظاهرة نظمتها حركة "إن لم يكن الآن"، ضد "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (أيباك) ودورها في تمويل الكونغرس
الصورة
تظاهرات تقطع طريق بايدن إلى الكونغرس قبل خطاب حالة الاتحاد (العربي الجديد)

سياسة

قطع مئات المتظاهرين طريق موكب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكونغرس، للمطالبة بوقف الحرب على غزة. ولهذا السبب، تأخر حطاب بايدن عن حالة الاتحاد لنحو نصف ساعة.
الصورة
محاربون أميركيون قدامى يطالبون بوقف دائم لإطلاق النار في غزة (العربي الجديد)

سياسة

عقد محاربون أميركيون قدامى، مؤتمراً صحافياً في واشنطن، مطالبين بوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة
الصورة
الممثلة سوزان ساراندون تطالب الكونغرس بوقف تمويل الإبادة في غزة / العربي الجديد

منوعات

طالبت الممثلة الشهيرة سوزان ساراندون، الرئيس الأميركي جو بايدن وأعضاء الكونغرس، الجمعة، بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ووقف تمويل الإبادة الجماعية.