تركيا: استراتيجية "تصعيد التوتر" تفشل إحياء ذكرى "مكافحة الفساد"

تركيا: استراتيجية "تصعيد التوتر" تفشل إحياء ذكرى "مكافحة الفساد"

19 ديسمبر 2014
الاعتقالات شملت رئيس تحرير صحيفة "زمان" (أوزان كوزيه/فرانس برس)
+ الخط -

لم تنجح المعارضة التركية في إحياء الذكرى السنوية الأولى للعمليات التي شنّتها الشرطة التركية بدعوى مكافحة الفساد ضد مسؤولين حكوميين، والتي يطلق عليها الإعلام التركي "عملية 17-25 ديسمبر".

وتصف الحكومة هذه العمليات بأنها لم تكن إلا محاولة انقلابية ضدها من قبل حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن والتي تسميها "الكيان الموازي"، إذ طالت العمليات حينها أبناء عدد من الوزراء، ورجال الأعمال، ومدير أحد البنوك الحكومية.
واقتصر إحياء الذكرى السنوية لعمليات الفساد على فعاليات محدودة عدة محدودة فيما أطلقت عليه "أسبوع اللصوصية"، إذ نظم نواب حزب الشعب الجمهوري تظاهرة احتجاجية صغيرة في وسط أنقرة، حملوا خلالها ملصقات تظهر صور الوزراء الأربعة الذين طالتهم العملية واضطروا للاستقالة متهمة إياهم بالفساد. كما حاولت مجموعة أخرى من شباب الشعب الجمهوري الاحتجاج أمام القصر الرئاسي الجديد. وشهدت إسطنبول وقفة احتجاجية صغيرة اتخذت من صناديق الأحذية شعاراً لها، في إشارة إلى الأموال التي تم العثور عليها في صندوق للأحذية في منزل مدير بنك خلق التركي الحكومي. ويُضاف إلى ذلك إلى قيام نواب الشعب الجمهوري والحركة القومية برفع الملصقات ذاتها تحت سقف البرلمان، في ظل مشاركة محدودة من حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) التي اقتصرت على انتقادات شديدة وجهها رئيسه المشارك صلاح الدين دميرتاش للحكومة، وذلك في اجتماع حزبي في ولاية إغدر شرق البلاد.

ويبدو أن الحكومة التركية نجحت إلى حد كبير في تشتيت الانتباه عن الذكرى السنوية الأولى للعملية، عبر القيام بعملية اعتقال واسعة طالت 29 شخصاً من أصل 31 صدرت بحقهم مذكرات اعتقال، من بينهم إعلاميون وعناصر الأمن، وذلك في مداهمات نُفّذت في 13 ولاية تركية، على خلفية التحقيقات في قضية "الكيان الموازي"، "بتهم استخدام أساليب ممارسة الضغوط والترهيب والتهديد، وتأسيس تنظيم يقوم بالإفتراء وحرمان أشخاص من حريتهم، وتزوير وثائق".

ولاقت الحملة تغطية إعلامية واسعة، إذ إنها شملت عدداً من الصحافيين، بينهم رئيس تحرير صحيفة "زمان" أكرم دومانلي، ومدير قناة "سمان يولو" التلفزيونية هدايات كراجا، وعدد من الكتّاب والمخرجين، مثيرة موجة من الانتقادات المحليّة والدوليّة، صدر أبرزها عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
واستدعى البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي ردة فعل شديدة من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، على الرغم من اللهجة الهادئة التي تحلى بها البيان الصادر عن وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني، ومفوّض سياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع يوهانس هان، الذي اعتبر أن "التوقيفات بحق بعض الصحافيين في تركيا، ومداهمة مكاتب إعلامية لا تتناسب مع حرية الإعلام، والتي تعتبر أحد أهم أسس الديمقراطية"، داعياً إلى "الاحترام الكامل لحقوق الموقوفين، وإجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة بحقهم".
وأعربت موغريني عن دهشتها لتصريحات أردوغان عقب مشاركتها في اجتماعٍ لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، قائلة "لقد شاهدت ردة فعل الرئيس أردوغان، وأنا عن حق مندهشة لكلامه بحقي. وسبب دهشتي هو أنني الأسبوع الماضي قابلته ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، خلال زيارتي لأنقرة، وأجرينا مباحثات بنّاءة بخصوص أمور مستقبلية، واتفقنا حينها على أن هذه الفترة تعتبر فرصة لبناء بداية بين تركيا والاتحاد الأوروبي".

لم يكن أردوغان بطبيعة الحال يطلق النار على قدميه كما وصف تصريحاته بعضُ المعارضين الأتراك، إذ إن الأمر ليس أكثر من استراتيجية دائمة يستخدمها حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات، يمكن اختصارها بالتالي "تصعيد التوتر مع عدو داخلي ممثلاً في الفترة الأخيرة بحركة الخدمة ومع آخر خارجي لجمع أنصاره حوله مرة أخرى تحت شعار حماية الإرادة القومية".
واتبع العدالة والتنمية هذه الاستراتيجية مرتين قبل ذلك، أولاهما في الانتخابات البلدية في مارس/ آذار الماضي، إذ تمحورت الحملة الانتخابية على الحرب التي أعلنها الأخير على ما أطلق عليه "الكيان الموازي" ممثلاً بحركة الخدمة، والعدو الآخر الخارجي تمثل في الانقلاب الذي قاده الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المعزول محمد مرسي ليصبح شعار رابعة شعاراً أساسياً في الحملة ضد الظلم والديكتاتورية. وعمد الحزب إلى اتباع هذا الأسلوب مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب الماضي حيث أعيدت حركة الخدمة إلى الواجهة بالتوازي مع استخدام الحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في يوليو/تموز. ولم يتوانَ أردوغان حينها عن توجيه انتقادات شديدة لإسرائيل توقفت مباشرة بعد الانتصار الساحق الذي حققه في الانتخابات الرئاسية.
ولذلك تبدو الحملة الأخيرة ضد حركة الخدمة مع التصعيد ضد الاتحاد الأوروبي تتمة للاستراتيجية نفسها مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العامة في يونيو/حزيران المقبل وبداية للحملة الانتخابية الجديدة، في الوقت الذي حرمت فيه المعارضة من استثمار ذكرى عملية الفساد لتحقيق أي مكاسب على مستوى السياسة الداخلية.

المساهمون