قصّة السقوط الكبير: تقهقر الجبهات سهل اجتياح صالح والحوثيين

قصّة السقوط الكبير: تقهقر الجبهات سهل اجتياح صالح والحوثيين

26 مارس 2015
عمّت الفوضى عدن ولا سيما بعد أنباء مغادرة هادي(الأناضول)
+ الخط -
بين حرب 1994 التي خاضها الرئيس اليمني في ذلك الحين، علي عبد الله صالح، على جنوب اليمن بذريعة إعادة فرض الوحدة بالقوة، وبين الاجتياح الذي نفذته القوات الموالية له، بثوب مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وتمكنت خلاله من الوصول إلى عدن، أكثر من 20 عاماً. أعوام بدا فيها أن صالح أراد استكمال انتقامه من الجنوب الذي بدأه في 1994، بعد أن كان قد انتقم على مدى الأشهر الماضية من المحافظات التي ثارت عليه وساهمت في تنحيه، فيما بدا من مسار أحداث أمس الأربعاء وسير الحوثيين في مغامرة الاجتياح أن أحداً من القوى السياسية اليمنية، وتحديداً "أنصار الله"، لم يتعلموا من كل ما جلبته مآسي اجتياح 1994 والحروب وتداعياتها. الأخطاء التي ارتكبت منذ بداية المرحلة الانتقالية في 2012، بما في ذلك خلال الأسابيع الماضية، والتي أوصلت اليمن إلى هذه اللحظة التي تجتاح فيها قوات صالح والحوثيين محافظات البلاد واحدة تلو الأخرى، تبدو ثانوية أمام السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم، الذي يتركز على السيناريوهات التي باتت تنتظر اليمن في ظل غرق البلاد وغياب "المنقذ" واستمرار بعض الدعوات إلى تدخل عسكري خارجي كان وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين عبد الله، يدعو إليه، بقوله أمس الأربعاء، إنه طالب جامعة الدول العربية، بـ "تدخل عربي عسكري وسياسي عاجل لإنقاذ اليمن من أزمته الراهنة".

تضارب حول مصير هادي
منذ الإعلان عن تقدم الحوثيين وقوات صالح، تضاربت الأنباء حول مصير هادي، بعد الحديث عن مغادرته عدن إلى الخارج، ومن ثم نفي النبأ عبر مدير مكتبه محمد مارم، وعدد آخر من المسؤولين. كذلك لم يتضح بشكل حاسم مصير أبرز قياديي معسكر هادي، وفي مقدمتهم وزير الدفاع محمود الصبيحي التي ترددت أنباء عن اعتقاله من قبل الحوثيين ونقله إلى صنعاء، فيما بدت القوى السياسية الأخرى، في موقع المتفرج على مآلات المواجهات التي كانت تُحسم مع تقدم ساعات نهار أمس لمصلحة الحوثيين وصالح.

اقرأ أيضاً: جنوبيّو اليمن يستعيدون أجواء الحرب


تهاوي جبهة لحج
أدى سقوط جبهة لحج، في تطور دراماتيكي، إلى قلب مشهد المواجهات رأساً على عقب. فبعد أن كانت كل الأوراق والانتصارات في الساعات الأولى من بدء الاجتياح يوم الثلاثاء لمصلحة الأطراف الموالية لهادي، من لجان شعبية ومسلحين قبليين وقوات الجيش، تحولت الأربعاء إلى خسائر.
وكان لعدد من العوامل دور في تغيير مجريات الأحداث، ولا سيما أن الحوثيين دشنوا اجتياحهم للجنوب عبر جبهتين أساسيتين، هما جبهتي الضالع ولحج، من خلال حشدهم قوات كبيرة على حدود هاتين الجبهتين، من ناحيتي محافظتي إب وتعز، بعد أن فشلوا في التقدم نحو الضالع.
وبحسب ما ذكرته مصادر خاصة لـ "العربي الجديد"، فإن جبهة الشريجة كرش، التابعة لمحافظة لحج وتربطها بمحافظة تعز، شهدت تحولات في سير المواجهات، بعد أن انقلب جنود وضباط الحرس الجمهوري في معسكر لبوزة في عقان، على وزير الدفاع محمود الصبيحي، وسهلوا توغل الحوثيين إلى كرش وعقان والسيطرة على المعسكر، بعد انسحاب الصبيحي إلى قرب مثلث العند، ولا سيما أن معسكر لبوزة يبعد عن قاعدة العند 15 كيلومتراً، وأغلب المنتمين له، ينتمون للمحافظات الشمالية، وموالون لنجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح.
استعاد الصبيحي تجميع قواته، وسط وصول تعزيزات له من قاعدة العند، وتقدم نحو المعسكر وتمت استعادته، مع حلول مساء يوم الثلاثاء، فيما تراجع الحوثيون والقوات الموالية لهم إلى حدود تعز، لكن دحر الحوثيين لم يدم طويلاً، فقد تفجرت جبهة العند عبر القبائل المجاورة للقاعدة، التي هاجمتها بحجة المطالبة بتسليح أفرادها لمواجهة الحوثيين. وقام مسلحو القبائل باقتحام قاعدة العند، وحصلت عمليات نهب ومواجهات عنيفة، أثرت بشكل مباشر على القوات المتقدمة في منطقة كرش، والتي دحرت الحوثيين. وتقهقرت الجبهة بعد عودة الصبيحي إلى قاعدة العند، في محاولة السيطرة على الأوضاع فيها، لكن الأوضاع كانت قد خرجت عن السيطرة.
ترافق ذلك مع اتهامات لمحافظ محافظة لحج، أحمد عبدالله المجيدي، الموالي للرئيس السابق علي صالح، بالانقلاب على القوات الموالية لهادي، ودعم بعض قبائل الصبيحة، التي ينتمي إليها المجيدي، بالتمرد على الجبهة، ورغم وصول تعزيزات من اللجان ومسلحي القبائل، لإخماد هذا التمرد، إلا أن الأمر لم يحسم، مخافة اندلاع حرب جنوبية جنوبية.
أحداث العند كانت الضربة القاضية، التي كسرت جبهة التصدي الجنوبية، واستغلها الحوثيون مع الساعات الأولى من فجر الأربعاء، ليتقدموا نحو قاعدة العند ويسيطروا عليها، ويعتقلوا عدداً من القيادات العسكرية فيها، إضافة الى احتجاز بعض القوات الموالية للرئيس هادي، التي كانت موجودة في القاعدة.
وبعد دخولهم قاعدة العند، تقدم الحوثيون نحو الحوطة عاصمة محافظة لحج، وسط تباينات حول حقيقة اعتقال الصبيحي داخلها إلى جانب شقيق الرئيس اللواء ناصر منصور هادي. وتؤكد مصادر مقربة لـ "العربي الجديد" أن "الصبيحي وناصر منصور، لا يزالان يواجهان في أرض المعركة، ولم يتم اعتقالهما"، معتبرة أن "ما تم نشره عبارة عن إشاعات"، فيما لا يعرف مصير قائد اللواء 119 اللواء فيصل رجب.
ومثل هذه الإشاعات أثرت في توتر الأوضاع في عدن، وبدأت فيها بعض الفوضى، إذ سارعت مجاميع إلى التوجه نحو جبل حديد، الذي يحوي مخازن الأسلحة في عدن، وأطلقت قوات الجيش الرصاص عليهم بشكل كثيف، لتفريقهم وإبعادهم عن المكان، فيما تمكن الأهالي في مدينة دار سعد في عدن، من السيطرة على معسكر سلاح الإشارة في المدينة.
تقهقر بعض الجبهات خارج عدن، سهل وصول قوات صالح والحوثيين إلى مشارفها، فيما تم إغلاق المطار وترددت أنباء عن السيطرة عليه وعلى مقر البنك المركزي، ولا سيما بعد إشاعات اعتقال القيادات الميدانية وقرار البعثات الدبلوماسية المغادرة، وأنباء مغادرة هادي نفسه. وهو الأمر الذي جعل بعض القوات الموالية لهادي تتراجع، ويتمكن الحوثيون من التوغل في بعض المناطق، بالإضافة إلى قصفهم مواقع وجود قوات موالية لهادي في أطراف عدن، عبر الطيران، ولا سيما منطقة المعاشيق في كريتر عدن، التي يوجد فيها القصر الرئاسي، وتوجد فيها قوات كبيرة، يعتمد عليها الرئيس، ولا سيما عشرات المضادات الأرضية.

جبهة الضالع
السهولة التي تم فيها التقدم على جبهة لحج، بدت مغايرة في جبهة الضالع. فالقوات الرافضة للحوثيين وصالح والموجودة في الضالع، لا تدين بالولاء المطلق لهادي، بقدر ما تدين بالولاء للجنوب والحراك الجنوبي. كما أنها قوات شعبية من أبناء المناطق، ولا يوجد في صفوفها قوات من الجيش. وهو ما جعل المواجهات مستمرة.
وقد يكون تقدم الحوثيين نحو عدن بداية لحرب استنزاف قد تبدأ، ولا سيما في عدن ولحج وأبين ضد الحوثيين، ولا سيما أن هناك سلاح كبير ما زال في قبضة الموالين لهادي، فضلاً عن أن الحوثيين لم يتمكنوا من التقدم نحو المثلث الأقوى، الموالي للحراك الجنوبي، وهو مثلث الضالع ردفان ويافع. وقد لا يدخلونه حالياً، في الوقت الذي وصلت تعزيزات حوثية جديدة إلى مشارف الضالع، أمس الأربعاء.

اقرأ أيضاً: ماراثون اليمن: حوار الدوحة يسابق حوار الرصاص