الانتخابات الأوروبية في فرنسا: معادون للاتحاد يتنافسون على مقاعده

الانتخابات الأوروبية في فرنسا: معادون للاتحاد يتنافسون على مقاعده

14 مايو 2019
حزبا لوبان وماكرون يتنافسان على المرتبة الأولى وفق الاستطلاعات(Getty)
+ الخط -
بدأت الحملات للانتخابات الأوروبية المقررة بين يومي 23 مايو/أيار الحالي و26 منه، أمس الإثنين في فرنسا، وفقاً لما أقرّه المجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري في وقتٍ سابق. غير أن الحملات غير الرسمية بدأت فعلياً منذ نحو 10 أيام، مع بلوغها ذروتها بين الأحزاب المختلفة التي بدأت تروّج لنفسها وبرامجها مبكراً عبر القنوات الفرنسية. وقد أصبح رؤساء القوائم الانتخابية جميعاً، وكثير من المرشحين، معروفين، فالنقاشات السياسية بدأت قبل نحو شهر ونيّف على قناة "بي إف إم تي في"، حين التقى رؤساء ستة أحزاب سياسية، فيما شهد يوم الخميس، 4 إبريل/نيسان الماضي، نقاشاً في القناة الثانية جمع 12 مدعواً، يمثلون 12 حزباً أو حركة سياسية.

ويقدّم كل حزب من الأحزاب الفرنسية القوية لائحة تتكون من 79 مرشحاً، وهو العدد المخصص لفرنسا في البرلمان الأوروبي. ورؤساء الأحزاب والحركات السياسية المشاركة هم: ناتالي لوازو عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، ورافائيل غلوكسمان عن "الحزب الاشتراكي- ساحة عامة"، ومانون أوبري عن حزب "فرنسا غير الخاضعة"، وجوردان بارديلا عن "التجمع الوطني"، وفرانسوا كزافيي بيلامي عن "الجمهوريون"، ويانيك جادو عن "الإيكولوجيون"، ونيكولا دوبون إنيان عن "انهضي فرنسا"، وإيان بروسا عن "الحزب الشيوعي"، وبونوا هامون عن "أجيال"، وجان كريستوف لاغارد عن "اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، وفرانسوا أسيلينو عن "الاتحاد الشعبي الجمهوري"، وجان لاسال عن "لنقاوم"، وناتالي أرتو عن "كفاح عمالي"، وفلوريان فيليبو عن "الوطنيون".

البيئة توحّد كل الأحزاب السياسية

تحضر "الإيكولوجيا" (البيئة) بقوة في برامج الأحزاب السياسية الفرنسية، خصوصاً أنه لم يعد باستطاعة أي منها إغفالها. فحزب الرئيس إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام)، قادرٌ على إيصال ثلاثة إيكولوجيين هم: باسكال كانفان وكاترين شابو وباسكال دوران، إلى البرلمان الأوروبي، بالإضافة إلى وصول نواب آخرين من أحزاب أخرى، كالحزب الإيكولوجي، والحزب الاشتراكي، و"فرنسا غير الخاضعة". ولذلك، أصبح "الانتقال الإيكولوجي" موضوعاً معتاداً في مختلف برامج الأحزاب السياسية الفرنسية.

الاتحاد الأوروبي

يستمدّ حزب "الجمهورية إلى الأمام" برنامجه الانتخابي، بشكل واسع، من رسالة ماكرون إلى الأوروبيين التي وجّهها لهم في مارس/آذار الماضي، والتي تحتوي على إشادة بدور الاتحاد الأوروبي، وما يستطيع أن يقدمه لفرنسا ولأوروبا، على أكثر من صعيد. ويركّز البرنامج على "سياسة أوروبية حول اللجوء" تتضمن "تشديد المراقبة على الحدود الخارجية لدول الاتحاد". كما يركز الحزب الرئاسي، الذي اتخذ "النهضة" شعاراً له، على تعزيز تيار التقدميين المؤيدين للاتحاد الأوروبي، في مواجهة صعود القوميين والشعبويين. وإذا كان التيار الأخير، الذي يدافع عنه بشكل كبير حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وبشكل أخف حركة "فرنسا غير الخاضعة"، يرى أنّ الحدود الوطنية تحمي بلده، فإنّ التقدميين من حركة الرئيس ماكرون إلى الحزب الاشتراكي وحلفائه، وكذلك الإيكولوجيين، يرون أن "أوروبا هي الحامية".

القضايا الوطنية حاضرةٌ في انتخابات أوروبا

لا غرابة في أنّ حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، يدافع عن الشعارات التي ضمنت وتضمن له تعاطف ربع الناخبين تقريباً في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، ولا سيما الأوروبية، التي حقق فيها اختراقاً كبيراً عام 2014. وعلى رأس هذه الشعارات، الهجرة وما يعتبره "التهديد الإسلاموي" للبلاد، ليعزز بذلك تقاربه الواضح مع حزب ماتيو سالفيني الإيطالي (رابطة الشمال)، وفكتور أوربان المجري (فيدس)، وأحزاب يمينية أوروبية أخرى.

وفي وجه من يطالب بمزيد من الاندماج الأوروبي، يطالب الحزب اليميني المتطرّف بـ"أوروبا الأمم"، وهو ما يعني إعادة السيطرة على الحدود الوطنية، واستعادة ما يعتبره "سيادة وطنية مسلوبة". إلى ذلك، يكافح "الجمهوريون"، حزب المعارضة الرئيسي (يمين وسط)، من أجل فرض برنامجه، في وقت يرى فيه كثير من الناخبين تشابهاً بينه وبين "الجمهورية إلى الأمام" الذي وضع على رأس قائمته، سيدة آتية من "الجمهوريون"، ومن تيار رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه، الذي كان غادر الحزب، وهي ناتالي لوازو.

وحتى يتميّز "الجمهوريون"، ليس لديهم من سبيل إلا المزايدة على حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرّف الذي تتزعمه مارين لوبان. ولهذا السبب اختاروا على رأس قائمتهم، "الفيلسوف" المحافظ فرانسوا كزافيي بيلامي، الذي انتقد الكثيرون من قياديي حزبه خطَّه السياسي، البعيد عن يمين الوسط. وبذلك، لن يجد المراقب صعوبة في العثور في لائحة الحزب على شخصيات مختلفة ومتناقضة المواقف حول الاتحاد الأوروبي، بين دعم الاندماج الأوروبي وبين التشكيك فيه. وفي برنامج الحزب، تحضر الهجرة كما تحضر الحمائية، وأيضاً العودة إلى إرساء الحدود الوطنية والتركيز على الماضي اليهودي المسيحي لأوروبا.

من جهتها، لا تُعارض حركة "فرنسا غير الخاضعة" اليسارية، الاتحاد الأوروبي، ولكنها تطالب بـ"أوروبا اجتماعية"، وبإعادة التفاوض حول المعاهدات الأوروبية التي ترى فيها تكريساً للهيمنة الألمانية، وأنها تسلب فرنسا قرارها المستقل وسيادتها. كما أنّ الحركة تشدد على تشجيع الإنتاج الوطني، وعلى إحداث تحول إيكولوجي قادر على خلق دينامية عمل.

أمّا يانيك جادو، رئيس قائمة الإيكولوجيين، فيجد نفسه في وضعية لا يُحسد عليها، خصوصاً بعد أن نجح ماكرون في خطف شخصيات إيكولوجية، وكذلك بعد أن تجرّأ جادو، ورغم كل المناشدات، على رفض أي تحالف مع اليسار، مشدداً على أن الإيكولوجيا ليست مسألة يمين أو يسار. ويظهر في برنامجه الرئيسي دعوة إلى "إعادة تأسيس أوروبا إيكولوجية ومتضامنة وفدرالية". إذ لا يرى الحزب الإيكولوجي من مستقبل لفرنسا إلا في ظلّ أوروبا قوية وفدرالية.

"الحزب الاشتراكي وحركة ساحة عامة"

خرج الحزب الاشتراكي من تجربة اليسار في السلطة منهكاً ومهدّدا في وجوده، بسبب الانقسامات وتعدد التيارات داخله، وكان تحالفه مع حركة "ساحة عامة" ضرورياً للطرفين، ومؤلماً لكثير من الاشتراكيين الذين ذُهلوا من رؤية رافائيل غلوكسمان، المثقف الليبرالي، سابقاً، والذي ساند غزو الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش للعراق، يترأس اللائحة بدل شخصية اشتراكية. ويدافع الحزب وحلفاؤه عن رؤية أوروبية تقترب من موقف الإيكولوجيين المؤيدين لنوع من الفدرالية، وإن كان قد تراجع، أيضاً، عن انتقاداته لليبرالية الاقتصادية.      

وإلى جانب هذه الأحزاب القادرة على إيصال نواب إلى البرلمان الأوروبي، هناك أحزاب أخرى تحاول فعل المستحيل لإيصال ممثّل عنها إلى هذه المؤسسة، وعلى رأسها حزب "انهضي فرنسا"، الذي تقرّب مؤسّسه، دوبون إينيان، القادم من اليمين، من الخط اليميني المتطرف، ونجح أخيراً في استمالة أحد وجوه السترات الصفراء إلى قائمته، وهو بنجامان كوشي.

ولا تختلف مواقف "انهضي فرنسا" عن حزب "التجمع الوطني"، سواء تعلّق الأمر بالهجرة وطرد المهاجرين السريين، أو تحميل الاتحاد الأوروبي مسؤولية المشاكل كافة التي تعيشها فرنسا. كما أنه لا يتوقف عن المطالبة باستعادة فرنسا سيادتها، إلى جانب مطالبته القوية بإعادة التفاوض حول المعاهدات الأوروبية.

ومن اليسار، توجد حركة "أجيال"، التي أسسها الاشتراكي السابق بونوا هامون، والذي فشل في إنجاز تحالفات سياسية مهمة مع الإيكولوجيين و"ساحة عامة" والشيوعيين. وتطمح هذه الحركة، الأوروبية الهوى، إلى بناء "قوة إيكولوجية ديمقراطية واجتماعية جديدة"، في إطار مواجهة كل التيارات الشعبوية والليبرالية والقومية.

أمّا الشيوعيون، فهم في وضع صعب، وقد لا يوصلون أي نائب إلى البرلمان الأوروبي في الانتخابات المرتقبة. ويدافع يان بروسا، رئيس لائحة الشيوعيين في هذه الانتخابات عن برامج الحزب التقليدية، سواء في مواجهة التقشف أو رفضه لـ"أوروبا التنافسية"، ودعوته إلى "عدالة ضريبية". كما أنه لا يخفي عداءه للهيمنة الأميركية المتمثلة في "حلف الأطلسي"، ويرفض، بشدة، تحميل المهاجرين "الذين يجب استقبالهم بإنسانية"، مشاكل فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وتتزاحم في أسفل الترتيب، أحزاب مثل "اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، الذي يترأسه جان كريستوف لاغارد، وهو حزب وسطي له نواب عديدون في مجلسي الشيوخ والنواب، وكان غالباً ما يتحالف مع "الجمهوريون"، قبل أن تجعله مواقف رئيس الحزب الأخير، المتشددة والمحترسة من أوروبا، يتقدّم منفرداً. علماً أن مواقف لاغارد الفدرالية الأوروبية مثل "أوروبا سياسية حقيقية"، لا تختلف كثيراً عن مواقف زعيم حزب "الحركة الديمقراطية" فرانسوا بايرو، الوسطي الآخر، والمتحالف مع ماكرون.

وأخيراً، يأتي حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري"، الذي يتزعمه فرانسوا أسيلينو. ويطالب هذا الحزب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي و"الأطلسي" واليورو، وهي المواقف التي تجعله قريباً من حزب "الوطنيون"، الذي يتزعمه فلوريان فيليبو، القيادي السابق في "الجبهة الوطنية"، الذي أقنع إحدى قوائم السترات الصفراء، "صُفر ومواطنون"، التي يتزعمها جان فرانسوا بارنابا، بالانضمام إلى قائمته الانتخابية. ويحظى فرانسوا أسيلينو بدعم بعض تيارات "السترات الصفراء"، إذ كان إيريك درووي، أحد الوجوه الأكثر شهرة في هذه الحركة، قد عبّر عن نوع التعاطف مع أفكار أسيلينو.

بدوره، يحاول جان لاسال، زعيم "لنقاوم"، وهو عضو سابق في حزب موديم الوسطي (الحركة الديمقراطية)، التفاوض مع وجوه من "السترات الصفراء" لحثهم على دخول قائمته، وهو يطالب بخفض المساهمة المالية الفرنسية في الاتحاد الأوروبي وتكريسها للفلاحين الفرنسيين، كما أنه ينادي بـ"أوروبا للأمم".

وفي ما يتعلّق باليسار المتطرّف، هناك حزب "كفاح عمالي"، الذي يدافع في برامجه عن الشغيلة الأوروبية، في وجه جشع الرأسماليين والبورجوازيين، وأيضاً عن "أوروبا شعبية". أمّا "الحزب المناهض للرأسمالية"، فلم يتقدّم للانتخابات بسبب ضائقته المالية.

ومع احتدام الصراع الانتخابي، تبقى الأزمة الرئيسية عزوف غالبية الفرنسيين عن المشاركة في هذه الانتخابات. وتقدر مختلف استطلاعات الرأي نسبة هؤلاء بنحو 60 في المائة.

وتشير الاستطلاعات إلى أنّ جمهور اليمين الكلاسيكي والاجتماعيين الديمقراطيين أكثر رغبة في المشاركة في الانتخابات، إلى جانب جمهور اليمين المتطرف، وهو ما يضمن لمارين لوبان أن تظلّ في الصدارة، مع مقاعد برلمانية مضمونة.

ويبقى المتردد الأكبر، بحسب الاستطلاعات، هو جمهور اليسار المتعدد. ولهذا السبب، ناشد جان لوك ميلانشون، زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، هذا الجمهور غير المبالي، للمشاركة بكثافة في انتخابات مهمة ومؤثرة، ليس فقط على الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً على الداخل الفرنسي.

وعلى الرغم من اشتداد الحملة الانتخابية، وظهور بعض التسريبات عن ماض يميني متطرّف لرئيسة لائحة حزب "الجمهورية إلى الأمام"، ناتالي لوازو، فلا يزال هذا الحزب إلى جانب حزب مارين لوبان يتصدران المشهد منذ أسابيع عدة.

وفي أحدث الاستطلاعات، التي نُظّمت يومي 11 و12 مايو الماضيين لمركز "هاريس انترأكتيف"، تصدّر "التجمّع الوطني" بقيادة مارين لوبان، بـ22.5 في المائة، وتلاه حزب ماكرون بـ22 في المائة، ليأتي "الجمهوريون" في المرتبة الثالثة بـ13 في المائة، وأنصار ميلانشون في المرتبة الرابعة بـ10 في المائة، ثمّ الإيكولوجيون بـ7 في المائة، والاشتراكيون وحلفاؤهم بـ4.5 في المائة، ثمّ "انهضي فرنسا" بـ3.5 في المائة، و"أجيال" بـ2.5 في المائة، فيما لا يحظى الشيوعيون بأكثر من 2.5 في المائة.