الإجازات الرسمية تفوق أيام العمل بالعراق: خلافات تعيق تقليصها

الإجازات الرسمية تفوق أيام العمل في العراق: خلافات سياسية ودينية تعيق تقليصها

11 يناير 2019
يرفض الأكراد تقليص عطلة عيد "النوروز" (فرانس برس)
+ الخط -
لم تثمر نقاشات أعضاء مجلس النواب العراقي خلال دورتيه السابقتين، عن حسم ملف "العطل الرسمية"، إذ تعرقلت عملية البحث في المشروع بعدما تعذّر إتمامه عبر تحديد المناسبات التي تستوجب عطلاً، وذلك بسبب خلافات الأحزاب وعدم توافق سياسيي الكتل داخل البرلمان حول الأمر الذي ينطوي على خلاف سياسي وديني بأبعاد مذهبية بالدرجة الأولى. ويزيد من عرقلة هذا الملف، دخول الأكراد والتركمان على خطّ المطالبين بتخصيص عطل رسمية جديدة لمناسبات خاصة بهم، وهو ما كان قد أخّر الملف لأكثر من عشر سنوات. وعلى الرغم من أنّ أيام العطل المثبتة دستورياً في البلاد لا تتجاوز 20 يوماً، إلا أنّه يوجد أكثر من 100 يوم عطلة لدوائر الدولة ومؤسساتها لأسباب دينية مرة، ووطنية مرة أخرى. كما أنّ منها ما يكون لأسباب تتعلّق بأحوال الطقس أو بناءً على اجتهادات من مسؤولين حكوميين ومجالس محلية في المحافظات، الأمر الذي تسبّب بتراجع الخدمات التي تعتمد على ساعات الدوام الرسمي، وكذلك المنتوج المحلي من البضائع، فضلاً عن تدهور الحالة المعيشية لفئة ليست قليلة من الذين يعتمدون على نظام عمل "الأجر اليومي".

وعاد الجدل بشأن العطل الرسمية ليبرز مرة جديدة بعد قرار رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، أخيراً، إضافة يومي عطلة جديدين، الأمر الذي دفع سياسيين وأعضاء في البرلمان إلى المطالبة بالعمل على تحديد العطل دستورياً ومنع تركها للأمزجة.

وفي عام 2016 على سبيل المثل، بلغت أيام العطل في العراق 150 يوماً، أي أنّ موظفي الدولة عملوا في دوائرهم حوالي 120 يوماً فقط من العام كله، مع احتساب يومي الجمعة والسبت، اللذين يعدان عطلة أسبوعية ثابتة منذ عام 2005.
وخلال الدورات البرلمانية السابقة، حاول برلمانيون ومسؤولون في الحكومة فتح الملف ومناقشة تأثيراته الاقتصادية، وإعادته إلى قاعدته الدستورية التي تربط أيام العطل بالأعياد الوطنية والمناسبات الشعبية الكبيرة، أي أن تكون العطل 20 يوماً فقط. لكنّ تدخلات مذهبية وقومية كانت تحول دون استكمال قراءته، منها مثلاً رفض النواب الأكراد تقليص عطلة عيد "رأس السنة الفارسية" أو ما يعرف بـ"النوروز"، من أسبوع كامل تعطله محافظات إقليم كردستان (أربيل، دهوك والسليمانية) وجعلها تقتصر على يوم واحد، رغم أنّ العيد محدد في يوم 21 مارس/آذار، هذا بالإضافة إلى تمسّك أطراف الأحزاب الشيعية بأن يكون "عيد الغدير" عطلة رسمية.

وأقرّ مجلس الوزراء العراقي برئاسة عبد المهدي، أخيراً، توصية جديدة إلى مجلس النواب من أجل تعديل مشروع قانون العطل الرسمية في العراق، إلا أنه أوصى في الوقت نفسه بأن "ينصّ التعديل على إضافة يوم 25 ديسمبر/كانون الأوّل من كل عام، عطلة رسمية بمناسبة مولد السيد المسيح، وتعديل آخر باعتبار يوم تحرير أرض العراق من تنظيم داعش، الموافق في العاشر من ديسمبر، العيد الوطني لجمهورية العراق، وعطلة رسمية من كل عام".

وأثارت هذه التوصية استغراب الكثيرين، ومنهم النائب علي البديري، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "العملية السياسية والخطابات بين دوائر ومؤسسات الدولة في غاية الفوضوية، إذ إنّ مجلس الوزراء خاطب البرلمان بضرورة التوصّل إلى نتيجة بشأن ملف أيام العطل، لكنه في رسالة الخطاب نفسه، دعا إلى تضمين عطل جديدة". وتابع البديري أنّ "العراقيين يعرفون أنّ وضعهم الاقتصادي متردٍ، ويعرفون أنّ البلد متأخّر في كثير من القطاعات والمجالات، ولكنهم يغفلون أنّ أيام العطل التي يفرحون بها، لا تخدم المصلحة العامة، وتؤذي أصحاب المهن الحرة وكذلك أصحاب الدخل المحدود، وهم أكثر المتضررين منها".

وأوضح البديري أنّ "من خطط البرلمان العراقي هذه الدورة، أن يُحدّد قانون العطل والمناسبات، ويقلّصها بما لا يتجاوز 11 يوماً فقط خلال السنة، إلى جانب منع فوضى العطل الرسمية كما كان يحصل في السنوات السابقة". وأشار إلى أنّ "الخلافات السياسية بين الكتل حول قانون العطل الرسمية حالت دون استكماله، ومنها الخلاف حول جزئية عيد الغدير، فهذه الجزئية تسببت بتأجيل مناقشة الموضوع أكثر من مرة".

وبحسب القانون العراقي المعمول به منذ سبعينيات القرن الماضي، فإنّ العطل لا تتجاوز 16 يوماً، وهي على الأغلب مرتبطة بالمناسبات الوطنية والدينية العامة، وأبرزها "رأس السنة الميلادية، عيد الجيش، عيد النوروز، عيد العمال العالمي، عيد الفطر، يوم رأس السنة الهجرية، يوم عاشوراء، المولد النبوي، وعيد الأضحى". وقد أضيف إليها "يوم انهيار نظام صدام حسين أو ما يعرف بـ(سقوط الصنم)"، وأخيراً "يوم النصر" وهو المرتبط بتاريخ نهاية العمليات العسكرية في الموصل وانتصار القوات العراقية على تنظيم "داعش".

في السياق، قال مسؤول حكومي قريب من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إنّ "موضوع العطل هو واحد من المواضيع الشائكة في العراق وتتداخل فيه أمور عدة، وربما هو من أكثر الملفات فوضوية، لأسباب مختلفة، أبرزها ممارسة بعض المكونات والأحزاب السياسية، عملية فرض الهوية، أو ما يعرف بإثبات الوجود عبر قضية العطل". وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التعددية التي يشهدها الطيف العراقي، واحدة من تلك المشاكل، فلكلّ مكوّن من المكونات مناسبات وأعياد، ولهذا يشعر الجميع بأنّ من المهم أن تؤخذ احتفالاتهم في الاعتبار". وتابع المسؤول أنّ "حكومة عبد المهدي تعرف أنّ حسم هذا الملف عسير عليها وعلى البرلمان، لكن هناك خطوات من قبل رئيس الوزراء لتشكيل لجنة، أطرافها الرئيسة من دوائر الأوقاف الدينية، من أجل حسم الأمر".

من جهته، أشار النائب عن تحالف "سائرون"، غايب العميري، إلى أنّ "البرلمان العراقي في دوراته السابقة ناقش مشروع قانون العطل، ولكنه لم يفلح بإنجازه، بسبب الخلافات"، معتبراً أنّ طرحه مرة جديدة أمام البرلمان "قد يعرضه للعراقيل نفسها". وأوضح العميري في حديث مع "العربي الجديد"، أنّه "من المفترض، ومن باب الحرص واستمرار العمل في دوائر الدولة بصورة خدمية ومفيدة للشعب العراقي، أن يتم تحديد العطل وعدم تركها لعبة بين المسؤولين والسياسيين، لا سيما أنّ هذا الأمر يكلّف الحكومة الكثير من الأموال والخسائر الطائلة".

بدوره، أوضح الخبير في القانون العراقي، طارق حرب، أنّ "للعطل الرسمية في البلاد قانوناً معمولاً به منذ عام 1972، ولغاية الآن، وهو نافذ وحدّد العطل بشكل دقيق، لكن الفوضى الجديدة التي خلفتها العملية الديمقراطية والحريات غير المنظمة، جعلت مجالس المحافظات المحلية تدخل على الخط، وصارت تتحكم باختيار ما يناسبها من العطل وإعلانها، مع العلم أنها لا تملك الصلاحية القانونية لإعلان العطل". ولفت حرب، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "السلطات المحلية في العراق هي الأكثر مساهمةً في تدمير قانون العطل، وهي التي تتعدى دائماً على القانون، لأنّ العطلة الرسمية تحدّدها الحكومة وليست السلطات المحلية في المحافظات". وأوضح أنّ "الحكومة تحدد العطل المرتبطة بالمناسبات الوطنية والدينية فقط، وليست تلك التي تتعلق باحتفالات القوميات"، معتبراً أنّ "الآراء القومية باتت اليوم تتلاعب بالأعياد، مثل ما تفعل حكومة إقليم كردستان التي تعطل قرابة أسبوع كامل لمناسبة عيد النوروز".

المساهمون