زكريا الزبيدي لـ"العربي الجديد": "شهداء الأقصى" تعود بيوم وليلة

زكريا الزبيدي لـ"العربي الجديد": "شهداء الأقصى" تعود بيوم وليلة

03 يناير 2015
الزبيدي في سجن الأمن الوقائي منذ عامين (العربي الجديد)
+ الخط -
كانت الانتفاضة وكانت حديث الناس وشاغل الاحتلال، قبل أن تنتهي العمليات العسكرية لحركة "فتح"، وجناحها العسكري كتائب "شهداء الأقصى"، مع انتخاب محمود عباس رئيساً. لكن هل هناك أمل أن تعود مرة أخرى؟

التقت "العربي الجديد" من يوصَف بـ"مُتعِب" الاحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية، آخر قادة "شهداء الأقصى" زكريا الزبيدي، داخل سجنه لدى الأمن الوقائي في رام الله. كان أهالي الضفة ينتظرون تصريحاته قبل عام 2005، حين كان يُحذّر الاحتلال من عمليات الكتائب التي قادها في مخيم جنين. لكنه اليوم، يبدو منتظراً العملية السياسية وما يمكن أن تفرزه، مع علمه المسبق أن "واهم من ينتظر حل الدولتين". ويروي الزبيدي، كيف تأسست الكتائب ويتحدث عن دعم "حزب الله" اللبناني، وعملية "تدجين" المقاومة المسلّحة في الضفة. ويؤكد أن "شهداء الأقصى يمكن أن تعود للكفاح المسلح بين يوم وليلة".

عامان مرّا ولا يزال الزبيدي سجيناً لدى الأمن الفلسطيني، بعدما خرق شروط العفو الإسرائيلي عنه، قبل نحو عامين، فرفع عنه الاحتلال العفو الجزئي، الذي منحه له ولـ300 آخرين من "شهداء الأقصى"، في تفاهم أمني قضى بوقف العمل المسلح للكتائب عام 2007.

يعتبر الزبيدي (39 عاماً) أحد مؤسسي كتائب "شهداء الأقصى" في الضفة الغربية، وقائدها في مدينة جنين شمال الضفة الغربية. وهو الوحيد الذي لم يسلّم سلاحه ضمن التفاهمات الأمنية الفلسطينية الإسرائيلية التي قضت بإنهاء المقاومة المسلحة لحركة "فتح" في انتفاضة الأقصى عام 2005، كجزء من البرنامج السياسي للرئيس محمود عباس، والذي دخل حيّز التنفيذ عام 2007.

لدى الزبيدي، الكثير ليرويه حول كتائبه، فهو أحد القادة البارزين الذين لم تنجح إسرائيل باغتيالهم أو اعتقالهم بعد مطاردته تسعة أعوام، لكن الثمن كان باهظاً، إذ استشهدت والدته وشقيقه خلال ملاحقة الاحتلال له، وجُرح بالرصاص نحو سبع مرات، وتعرض لست محاولات اغتيال فاشلة، وهدم بيته في مخيم جنين ثلاث مرات.

لمع نجم الزبيدي، أكثر بعد عملية "السور الواقي" التي شنّها الاحتلال في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية. أودت هذه العملية بقائمة كاملة من قادة "شهداء الأقصى" ما بين الاغتيال أو الاعتقال. حينها برز كقائد لكتائب "شهداء الأقصى" في مخيم جنين، ومتحدثاً باسمها، باللغتين العربية والعبرية، التي اكتسبها في سنوات اعتقاله التسع، وعمله في مجال البناء في مدينة حيفا داخل فلسطين المحتلة، قبل أن يعمل في الأمن الوقائي الفلسطيني عام 1994.

في ذكرى تأسيس حركة "فتح" في مثل هذه الأيام قبل 50 عاماً، لا يزال الزبيدي مصراً على أن "الكتائب لم تنته، لكن الواقع أنهاها". ويعلق الرجل على ظواهر سلبية أحيطت بالكتائب بعد سنوات قليلة من اكتساحها للشارع الفلسطيني وتنفيذ عمليات عسكرية في العمق الإسرائيلي. تمثلت هذه الظواهر بوجود امتيازات وتفريغات مالية للمطاردين من الكتائب، وإثارة حالة من التشويه حولها ومسؤوليتها عن الفلتان الأمني، وليس انتهاءً بالإعفاء عن المقاومين من الاحتلال، قائلاً إن "هناك من أراد إنهاء هذه الحالة (كتائب شهداء الأقصى) فلسطينياً وإسرائيلياً".

ينفي الزبيدي أن كل ما حدث كان كفيلاً بإنهاء "شهداء الأقصى" بشكل جذري، قائلاً إنه "لن أناقش وجود الكتائب، لأن الشهداء الذين ينتمون لها، والأسرى كذلك، يؤكدون وجودها، والآن لدينا مطاردون حاصلون على إعفاء من الاحتلال ومن الممكن أن يعودوا للميدان بين يوم وليلة".

ويؤكد الزبيدي، أنه "لا يوجد لدينا ورق رسمي من الاحتلال بما يتعلق بالإعفاء عن عناصر شهداء الأقصى، فقد سلم الاحتلال قادة الأجهزة الأمنية في منتصف 2007، قائمة تضم 300 من قادة وعناصر الكتائب سيتم الإعفاء عنهم، بعد مرورهم بسلسة إجراءات أمنية نص عليها التفاهم، غير الموثق بها".

ويضيف أنه "الآن ما زال 150 من هؤلاء يخضعون لذات الترتيبات الأمنية، فيما تحتجز السلطة الوطنية الفلسطينية عشرة من عناصر الكتائب في مقراتها الأمنية المنتشرة في الضفة الغربية كجزء من هذا التفاهم، أما من تبقّوا فما زالوا يخضعون لإجراءت العفو المختلفة، ومنها عدم السفر خارج الضفة الغربية المحتلة حسب التفاهم مع إسرائيل".

بعد التفاهمات الأمنية وحصول الزبيدي على إعفاء من الاحتلال، اعتقلته أجهزة الأمن الفلسطينية مرات عدة وأخضعته لتحقيق قاسٍ، على مدار خمسة شهور عام 2012، وتركز التحقيق حول سؤال واحد: "أين يحتفظ بسلاحه وسلاح شهداء الأقصى في جنين؟" حسب قوله. وبعد ذلك وجهت له السلطة تهماً مختلفة من إطلاق النار على محافظ جنين والتسبب بموته بسكتة قلبية، إلى اغتيال أحد قادة الأمن الوقائي في المخيم عام 2012، وفي كل مرة كانت المحكمة الفلسطينية تُبرّئ الزبيدي. 

ولادة "شهداء الأقصى"

جاءت ولادة الكتائب بعد أشهر قليلة من اندلاع انتفاضة الأقصى التي بدأت بالحجر، لتأتي العمليات العسكرية محدثة تحولاً دراماتيكياً لم يخطر للاحتلال ولا للقيادة السياسية الفلسطينية، التي فقدت السيطرة على أعمال عسكرية بدأت بعمل فردي ثم انتهت بتشكيل خلايا ومجموعات أطلقت على نفسها في بداية الأمر "ميليشيات فتح المسلحة"، وأصدرت ثلاثة بيانات، لكنها سرعان ما تم تنظيمها لتخرج للشارع الفلسطيني بالبيان الرابع لكن تحت عنوان "كتائب شهداء الأقصى".

يقول الزبيدي إنه "لم يكن هناك أي سيطرة من القيادة السياسية على العمل العسكري الذي تحولت له الانتفاضة بسرعة، وذلك على العكس من انتفاضة النفق عام 1996 التي كانت الأجهزة الأمنية تسيطر عليها، وقادتها ثم عادت وأوقفتها".

لا ينكر الزبيدي أن عناصر الأمن الفلسطيني كانوا جزءاً أصيلاً من العمل العسكري للكتائب، ولكن من دون قرار أو سيادة من المستوى السياسي أو الأمني. وبحسب الزبيدي، فإن شباب "فتح" ومعظمهم من الأسرى المحررين، هم من اندفعوا للعمل العسكري على أساس فردي، بعد أن شاهدوا كيف بدأت آلة الحرب الإسرائيلية تقتل الفلسطينيين بطريقة وحشية، ويتم تشييعهم جماعات، مؤكداً أنه "ليس هناك شخص معين مؤسس للكتائب".

وصدرت البيانات الثلاثة الأولى باسم "ميليشات فتح"، حيث انطلقت الشرارة من بيت لحم بعد عملية عسكرية لإطلاق النار على الاحتلال تبنتها "ميليشيات فتح"، ثم سرعان ما انتقلت الشرارة إلى نابلس، وجنين، وطولكرم، ورام الله.

وتشير مصادر متطابقة إلى أن أول من أطلق على "ميليشيات فتح" اسم "كتائب شهداء الأقصى" كان الشهيد زياد العامر من جنين، وتم إرسال البيان الذي كُتب في مخيم جنين إلى رام الله.

تغيير الاسم لم يكن أمراً كمالياً، بل أمراً ملحاً من "الفتحاويين" الذين شكلوا نواة الكتائب في ذلك الوقت الذي أصبحت فيه عبارة عن مجموعات عدة في الضفة الغربية. ويشير الزبيدي إلى أن حركة "فتح" مرتبطة باتفاقيات أوسلو، ولم يكن هناك مجال أن تعمل هذه المجموعات تحت اسم "العاصفة" أي الذراع العسكري للحركة، لأنها جزء من "فتح" وتسري عليها ذات الاتفاقيات، لذا "أردنا اسماً مختلفاً ليشكل مخرجا للحركة فوقع الاختيار على الاسم الحالي".

وجاء إرسال البيان بالاسم الجديد إلى رام الله من باب أن مقر المقاطعة هو مركز القرار السياسي، وهناك إمكانية لدعم الكتائب مالياً. الأمر الذي رفضه قائد "شهداء الأقصى" في جنين في ذلك الوقت العامر، خريج اللغة الإنجليزية وضابط الأمن الوقائي، الذي اغتاله الاحتلال عام 2002 في عملية "السور الواقي".

كان العامر، ضد أي دعم داخلي أو خارجي لأنه سيرتبط بشروط، لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات، سرعان ما أعجبته الفكرة وتبناها، وبعد ذلك برز اسم الأسير الحالي مروان البرغوثي، وبدأ الدعم المالي للكتائب، كما يقول الزبيدي.

مشكلة الدعم لم تكن محسومة بعد، إذ شكل رفض العامر، ومجموعة معه للدعم المالي أمراً مبدئياً، لكن هذا العائق تراجع مع التكلفة العالية للعمل المسلح، واستحاله تمويله ذاتياً او تطوعياً أو مجتمعياً، لتشهد الشهور الأولى في عام 2001 بداية تشكيل قيادات الكتائب، بالاتصال مع البرغوثي، ومنير المقدح في لبنان، وبإيعاز من عرفات.

الكتائب تتعرض للتشويه

نفذت "شهداء الأقصى" في السنوات الثلاث الأولى عمليات عسكرية نوعية هزّت العمق الإسرائيلي، ما بين عمليات إطلاق نار أدت لمقتل عشرات الإسرائيليين، وإرسال استشهاديين لتفجير أنفسهم في أهداف الاحتلال، إذ لم تعد العمليات الاستشهادية حكراً على الحركات الإسلامية من "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

لكن بعد نحو خمس سنوات من انطلاق الكتائب، وتشكيلها حالة نضالية فريدة، بدأت مظاهر سلبية تطغى على عمل الكتائب وحضورها. بدأ الأمر بعمل تفريغات مالية (رواتب منتظمة) للمطاردين، ثم تم منح جزء منهم أرقام سيارات للنقل العام من دون دفع مقابل لوزارة المواصلات الفلسطينية، وانتهى الأمر بتسليم السلاح للأجهزة الأمنية وإعطاء المطارد مقابلاً مالياً يصل لـ16 ألف دولار، عام 2007.

يعلّق الزبيدي على ذلك بأنّ "منْح أرقام سيارات النقل العام، جاء حتى لا يفكر أحد في النضال، فالهدف كان تغيير حالة نضالية قائمة عكستها الكتائب". ويتابع أنه "كل ما ذكره كان عبارة عن أعمال فردية وبرامج لقيادات في السلطة الفلسطينية لضرب هذه الحالة، وهو نوع من العمل البعيد المدى يستهدف سيكولوجية المجتمع، لتغيير الحالة القائمة وحمل الناس على أن تفقد ثقتها بالنضال والمقاومة".

ويبتسم الزبيدي بسخرية وهو يقول إنه "على سبيل المثال، كبرت واتسعت البيوت التي أغلقت أبوابها أمام المقاومين في مخيم جنين، أما البيوت التي استضافتهم فبقيت صغيرة وزادت فقراً".

يؤكد الرجل أن برنامج تشويه الكتائب قادته صحيفة "الطريق" التي تصدر عن "تحالف السلام" الذي يرأسه أمين سر منظمة التحرير ياسر عبد ربه. ويقول إنه "كان هناك تقرير في (الطريق) وهي ملحق كان يصدر بشكل شهري، حول سبل الخلاص من الفلتان الأمني، إذ وجهت أصابع الاتهام تجاه المسلحين من الكتائب بشكل خاص".

الأمر الأسوأ الذي علق بذهن الشارع حول الكتائب قبل "حلّها" بتنسيق فلسطيني وعبر العفو الإسرائيلي، هو حالات الاستقواء والفتوات لعناصر محسوبة على الكتائب، كانت تقوم بابتزاز التجار والمواطنين عبر "الأتاوات" (الخوات) وتستقوي باسم الكتائب وسلاحها.

ويرى الزبيدي، أنه "للأسف موضوع إدخال عناصر جديده إلى الكفاح المسلح لم يكن له علاقة بالكتائب، فهؤلاء كانوا قسمين، الأول زرعه الاحتلال، وقسم آخر يتبع بعض القيادات الفلسطينية التي لم تكن معنية بالكفاح المسلح، وكانت تسعى لإفشال حالة نضالية مثلتها الكتائب".

ويتابع أن "الذين شوّهوا صورة الكتائب، تم العمل معهم بطريقة مكثفة، حيث برعوا بإطلاق النار بالهواء وليس تجاه الاحتلال، وأخذوا أتاوات من المواطنين، ولم يكونوا مستهدفين من الاحتلال على الرغم من حملهم للسلاح، لأنهم بالأساس لم يكونوا يشكلون خطراً على الاحتلال، وعندما كان يتم اعتقالهم في حملات الاعتقال الجماعية سرعان ما كان يتم إطلاق سراحهم بعد ساعات".

ويعترف الزبيدي، أن "هذه الفئة التي شوّهت الكتائب كانت تتخذ من فتح مظلة لها، بسبب وجود قيادات تدعمها، وبعضهم كان يتقاضى رواتب من أجهزة الأمن على اعتبار أنهم من الكتائب، وبعض قادة فتح عملوا على وقف المال الذي يقدمه حزب الله اللبناني إلى الكتائب، بحجة أنهم هم من يريدون تقديم الدعم للكتائب".

 وقف الدعم من "حزب الله"

يروي الزبيدي، كيف أن أحد قيادات "فتح" برتبة كبيرة في السلطة الفلسطينية، حضر إليه عام 2004، ومعه نحو 27 ألف دولار لدعم الكتائب، بعد أن ذهب إلى حزب الله في لبنان، وأخبرهم "نحن سنكمل معهم مالياً في المرحلة المقبلة".

وسخر الزبيدي، حينها، من الرجل وعرضه المالي، قائلاً إنه "إذا كنت تريد أن تكمل دعم الكتائب مالياً، لماذا حضرت من القدس إلى رام الله عبر حاجز الجلمة العسكري، بسيارة تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية صفراء، وكيف سمح لك الاحتلال باجتياز كل هذه الحواجز نحو جنين، ومعك هذا المبلغ الكبير من المال".

يقول إنه "في ذلك اليوم، عرفت أن البرنامج السياسي اختلف، كان هذا الأمر في النصف الثاني من عام 2004، أي قبل رحيل أبو عمار، بأشهر قليلة. قمنا بتوزيع المال على عائلات الشهداء، وأرسلت رسالة إلى عرفات، قلت له فيها إن المال الذي يأتي من إسرائيل ليس هدفه إكمال الثورة بل إيقافها، وهذا ما جرى".

يتابع أنه "في نهاية 2004 شعرت بتغير كبير بالبرنامج السياسي الفلسطيني، والوضع الإقليمي، بناء على المعطيات في ذلك الوقت. فبعد استشهاد أبو عمار جاء أبو مازن، ووقعنا معه مباشرة على اتفاق التهدئة في 2005، والتزمنا ببرنامجه السياسي أي برنامج فتح". 

وداعا أيها السلاح

انتهى عمل كتائب "شهداء الأقصى" على الأرض عملياً عام 2005، حين دعمت الكتائب مرشح الرئاسة حينها محمود عباس. ويقول الزبيدي، "كان تصريح الكتائب أننا ندعم أبو مازن، في حملته الانتخابية أي دعم برنامجه الذي يرفض العمل العسكري، يعني أننا عملياً أوقفنا المقاومة العسكرية".

كانت جنين ومخيمها أول محطة زارها عباس، في حملته الانتخابية، وبعد اجتماعات بين دوائر أبو مازن القريبة والكتائب، وتحديداً قائدها في ذلك الوقت الزبيدي، أكدت دوائر الرئيس، بشكل حازم له ولغيره من المقاومين أن "البرنامج السياسي الموجود لا يوجد به عمل عسكري، ولا يمكن تبني أو حماية أو التغاضي عن أي عمل عسكري"، حسب ما يتذكر الزبيدي.

في الفترة ذاتها عام 2005، كانت الدوائر القريبة من أبو مازن، تؤكد للمقاومين في الكتائب، أهمية أن يحافظوا على حياتهم كمقاتلين من دون أن يخوضوا أي عملية عسكرية ضد الاحتلال، وهذا ما تم بالفعل حيث تواصلت الأجهزة الامنية مع عناصر وقادة الكتائب لتقول لهم ذلك، في كل أنحاء الضفة الغربية.

ويعلق الزبيدي، على ذلك بالقول إن "هذا يحدث في كثير من ثورات العالم، عندما يدخل المستوى السياسي على الخط، الجناح العسكري هو من يحمي نفسه".

ويتابع أنه "على الرغم من اختلافي مع أبو مازن في البرنامج النضالي، لا أستطيع أن أختلف معه بوضوحه وصدقه. قال لي إنه يجب حمايتكم بأي طريقة. والنهج ذلك ارتبط بالتنسيق الأمني، المهم النتيجة وهي الحماية، حيث أوعز لقادة الأجهزة الأمنية بأن تباشر بالحديث مع الإسرائيليين، وأن يكون هناك إعفاء عن المطاردين، وهذا ما حدث عام 2006، وأنجز عام 2007 بشكل كامل".

وفي سؤال كيف يوافق مقاوم على عفو يمنحه له عدوه، يجيب الزبيدي أن "الحديث كان يتلخص بأن هناك برنامجا ومخططا جديدا والمقاومون ذاهبون إلى الموت، لأن هذا البرنامج مثل البلدوزر (الجرافة)".

ويضيف أنه "ما كان لدينا طريق ثانية، فالموضوع لا يتعلق بالموافقة، بل بالبرنامج السياسي الذي اختارته الحركة ويتوافق مع الوضع العام حينها".

برأي الزبيدي، "تم حسم موضوع عدم ممارسة الكتائب لأي عمل عسكري في ذات اليوم التي قامت به حركة حماس بالانقلاب في قطاع غزة، أي منتصف يونيو/حزيران 2007، حين تسلمت السلطة قوائم بأسماء المقاتلين الذين منحهم الاحتلال الإعفاء".

لكن حسب المراقبين للوضع الفلسطيني فإن هذا الإعفاء لم يشمل جميع عناصر كتائب "شهداء الأقصى"، إذ استثنى الاحتلال بعضهم من القوائم وقام باغتياله. فعلى سبيل المثال وليس الحصر اغتال الاحتلال قائد كتائب "شهداء الأقصى" في مخيم بلاطة قرب نابلس، أحمد سناكرة، مطلع عام 2008، في حين شمل العفو شقيقه.

ويؤكد الزبيدي، أنه "كان هناك 300 مطارد للكتائب شملهم الإعفاء، لكن كان هناك مطاردون لم يتم شملهم، وقام الاحتلال باغتيالهم، وهناك من شملهم العفو وتم اعتقالهم من قبل الاحتلال".

عفو الاحتلال

يرى الزبيدي أن هناك فهماً خاطئاً لمفهوم عفو الاحتلال عن المقاومين في كتائب الأقصى، "فهذا الإعفاء جزئي، وهو إعادة ترتيب للحكم، أي تخفيض حكمهم من مرحلة التصفية والاغتيال إلى حكم ثانٍ".

ويرى أن هناك مراحل للإعفاء بدأت بالتواجد في المقرات الأمنية الفلسطينية لمدة ستة شهور، والمرحلة الثانية هي "الإعفاء البيتي" وينص على التواجد في البيت من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء ثم الذهاب للنوم في المقرات الأمنية، والمرحلة الثالثة تمثلت بعدم السماح للمقاومين بالخروج من المناطق المصنفة "أ" حسب أوسلو. أما المرحلة الرابعة فهي السماح لهم بالتحرك من مناطق" أ" إلى "ب". لكن هناك جزء كبير منهم لم يسمح له حتى الآن بالسفر من الضفة الغربية للخارج.

في تلك المرحلة كان تواجد بعض المطاردين المعفو عنهم على بوابات المقار الأمنية الخارجية يكلفهم حياتهم عبر عملية اغتيال، مثل ما حدث مع الشهيد إبراهيم المسيمي، في نابلس خلال فبراير/شباط 2008، وغيره العديد من الشهداء.

قضى الزبيدي في المقرّات الأمنية ستة شهور، ثم أمضى ثلاث سنوات في مرحلة "الإعفاء البيتي" حتى عام 2009، وبعد ذلك بدأ يتحرك في مناطق "أ"، لكن ضمن تنسيق أمني، حيث شارك في مؤتمر "فتح" السادس في مدينة بيت لحم عبر تنسيق أمني خاص، يسمح له بالتنقل من مخيم جنين شمال الضفة إلى بيت لحم جنوباً. وهو المؤتمر ذاته الذي طُرد منه لأنه تجرأ وقال لعباس، أمام مئات من المشاركين "واهم، واهم، واهم، كل من يعتقد بإمكانية حل الدولتين". وذلك بعد أن شاهد الزبيدي، الذي خرج لأول مرة من جنين ومخيمها منذ عشر سنوات المستوطنات التي تحيط بالمدن الفلسطينية، والتي كانت تشبه مدناً حقيقية من الإسمنت حول المدن الفلسطينية التي بدأت تصغر حجماً وتزداد كثافة لصالح المستوطنات.

يراهن الزبيدي، على رأيه السياسي متسلحاً هذه المرة، بالعديد من نظريات علم الاجتماع، الذي يعكف على دراسته منذ سنوات في جامعة القدس المفتوحة، مستخدماً أحد الأسرة الفارغة في غرفة سجنه كمكتبة تضم عشرات الكتب في علوم السياسة والنفس والاجتماع، شاغلاً نفسه بالدراسة بدل الانتظار. فهو نفسه لا يعلم متى سوف يتم إطلاق سراحه من سجن الأمن الوقائي، بعد أن خرق العفو الإسرائيلي.