40 عاماً على بيريسترويكا... بداية نهاية الاتحاد السوفييتي

23 ابريل 2025
روسية تحمل العلم السوفييتي في موسكو، 10 إبريل 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلق ميخائيل غورباتشوف برنامج "بيريسترويكا" في 1985، بهدف دمقرطة الاتحاد السوفييتي، مما أدى إلى تنامي التوجهات القومية والانفصالية وتفكك الاتحاد في 1991.

- أعاد غورباتشوف النظر في السياسة الخارجية، محسنًا العلاقات مع الغرب وساحبًا القوات من أوروبا الشرقية، مما ساهم في سقوط الأنظمة الشيوعية وتوحيد ألمانيا، وحصل على جائزة نوبل للسلام في 1990.

- يُعتبر غورباتشوف شخصية مثيرة للجدل؛ يُنظر إليه سلبياً في روسيا، بينما يحظى باحترام في الغرب لدوره في الإصلاحات، تاركاً إرثاً معقداً بعد وفاته في 2022.

بعد عقود من الركود في الحياة السياسية في الاتحاد السوفييتي أثار تولي آخر زعمائه ميخائيل غورباتشوف مقاليد الحكم في البلاد آمالاً في التغيير بعدما أظهر نفسه، على عكس سابقيه، سياسياً شاباً نسبياً وقادراً على التحدث مع الناس البسطاء أمام عدسات الكاميرات، دون أن يتخيل أحد حينها أن ينتهي حكمه في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1991 بتفكك أكبر دولة في العالم إلى 15 جمهورية وليدة، مع استمرار التشنجات حتى اليوم، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية.

في مثل هذا اليوم قبل 40 سنة، أطلق غورباتشوف في 23 إبريل/ نيسان 1985، برنامج بيريسترويكا (تعني الكلمة باللغة الروسية إعادة البناء)، وهو مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية الهادفة إلى دمقرطة المجتمع السوفييتي، منهياً عمله على رأس الدولة السوفييتية المتأزمة بعد التوقيع على اتفاقات "بيلوفيجسكايا بوشا" في نهاية العام 1991، والتي نتج عنها تفكك الاتحاد السوفييتي وتشكيل رابطة الدول المستقلة.

ستانيسلاف بيشوك: الدمقرطة أدت على أرض الواقع إلى تنامي التوجهات القومية والانفصالية

على صعيد السياسة الخارجية، أسفرت إعادة غورباتشوف النظر في السياسة الخارجية واعتماد "الرؤية الجديدة" حيال العلاقات الدولية والبلدان الحليفة في أوروبا الشرقية، وسحب القوات السوفييتية منها، والتخلي عما عرف بـ"عقيدة بريجنيف" (أي عقيدة الزعيم السوفييتي الراحل ليونيد بريجنيف)، التي كانت تقضي بإمكانية التدخل عسكرياً في هذه الدول، عن سقوط الأنظمة الشيوعية بصورة سلمية في بولندا والمجر وغيرهما من بلدان أوروبا الشرقية، وتوحيد ألمانيا إثر سقوط جدار برلين في نهاية العام 1989، وتحسن ملحوظ للعلاقات السوفييتية الأميركية. وفي عام 1990، نال غورباتشوف جائزة نوبل للسلام تمجيداً لنجاحاته في الإصلاحات وتحسين العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والغرب.

"الإصلاحات" تمهد لتفكك الاتحاد السوفييتي

على الصعيد الداخلي، مهدت نتائج الإصلاحات التي أجراها غورباتشوف للعد التنازلي لتفكك الاتحاد السوفييتي، إذ وقع قادة روسيا وقتها بوريس يلتسين، وأوكرانيا ليونيد كرافتشوك، وبيلاروسيا ستانيسلاف شوشكيفيتش، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 1991 على اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي أقرت بانتهاء وجود الاتحاد السوفييتي وإقامة رابطة الدول المستقلة على أطلاله. وبعد مرور 40 عاماً على انطلاق قطار بيريسترويكا، يعتبرها الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية ستانيسلاف بيشوك بمثابة محاولة إعطاء زخم جديد للمشروع السوفييتي المتعثر حينها، مقراً، في الوقت نفسه، بأنها أتت بنتائج عكسية من جهة تنامي ظاهرة تشكيك شعوب الاتحاد السوفييتي في جدوى استمرار الوضع الراهن.

ويقول بيشوك، لـ"العربي الجديد": "شكل برنامج بيريسترويكا محاولة لإعطاء زخم جديد للمشروع السوفييتي الذي كان يمر بأزمة اقتصادية، ولعل الأهم بأخرى أيديولوجية عميقة. كانت حرية التعبير والدمقرطة من وجهة نظر غورباتشوف عناصر هامة لتحديث الاتحاد السوفييتي انطلاقاً من رؤية مفادها أنه كلما واجهت السلطة انتقادات علنية، كلما تغيرت بوتيرة أسرع وعملت من أجل مصلحة البلاد. إلا أن الدمقرطة أدت على أرض الواقع إلى تنامي التوجهات القومية والانفصالية في الجمهوريات السوفييتية، بما فيها روسيا نفسها". ويضرب أمثلة على ذلك، موضحاً أنه "باتت الجمهوريات غير السلافية تعزو سبب مشكلاتها الاقتصادية إلى السياسات الاستعمارية الروسية التي تنتهجها موسكو، بينما أصبحت روسيا هي الأخرى تنظر إلى الجمهوريات (غير الروسية) بوصفها عبئاً لا حاجة إليه. صحيح أن إصلاحات بيريسترويكا منحت مواطني الاتحاد السوفييتي حقاً في حرية التعبير، ولكن الشعارات التي رُفعت كانت من قبيل ليسقط الاتحاد السوفييتي وليرحل الروس، وهو ما لم يكن يتمناه غورباتشوف الذي خسر هو نفسه مناصبه جراء تفكك الاتحاد السوفييتي".

تشارلز فريمان: بعد انتهاء الحرب الراهنة في أوروبا لا تزال أفكار غورباتشوف قابلة للتحقيق

ويقلل بيشوك من أهمية المزاعم أن غورباتشوف بشخصه أدى الدور الرئيسي في انهيار الاتحاد السوفييتي، مضيفاً: "رغم أن اسم غورباتشوف يرتبط في ذهن الرأي العام بتفكك الاتحاد السوفييتي وأزماته الاقتصادية والسياسية، إلا أنه كان يؤمن بمبادئ الاشتراكية وقضية زعيم ثورة البلاشفة عام 1917 فلاديمير لينين، وتولى زمام السلطة في زمن تصاعدت فيه الأزمات. يمكن الجزم أن قادة الجمهوريات الثلاث، روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، أي يلتسين وشوشكيفيتش وكرافتشوك، كان لهم الدور الحاسم في تفكك الاتحاد السوفييتي كونهم حافظوا على مناصبهم في دولهم المستقلة الثلاث".

هذا، وأظهر استطلاع أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام (حكومي) في العام 2021، أن 74% من الروس يتبنون مواقف سلبية حيال غورباتشوف، مع ارتفاع هذه النسبة إلى 83% ضمن الفئة العمرية فوق الـ60 سنة ممن عاصروا عهده مقابل انخفاضها إلى 69% بين الشباب دون الـ24 من العمر. ومع ذلك، أقر عدد من المستطلعة آراؤهم بإجرائه إصلاحات إيجابية، مثل اعتماد الشفافية وحرية التعبير (9%)، وإطلاق بيريسترويكا (4%)، وتطوير العلاقات الدولية (3%).

احترام غربي لدور غورباتشوف

وفي وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي في روسيا تدني شعبية غورباتشوف، لا تزال الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية الغربية تكنّ له احتراماً على سياساته الإصلاحية، إذ اعتبره السفير والدبلوماسي الأميركي المتقاعد تشارلز فريمان شخصية "عجلت بحلول عهد جديد". وقال فريمان، في تعليق لمجلة "روسيا في السياسة العالمية"، في عدد خاص صدر بمناسبة حلول الذكرى الـ40 لبيريسترويكا، إن غورباتشوف "كان أول زعيم سوفييتي ولد بعد تأسيس الاتحاد السوفييتي، وتولى قيادة الدولة في زمن انهيار الإمبراطورية السوفييتية، وسعى لإعادة توجيه البلاد استراتيجياً لضمان إجراء الإصلاحات". وأضاف فريمان: "النبل قد يتخلل محاولات فاشلة، إذ دخل غورباتشوف الذاكرة باعتباره شخصية عظيمة سعت للقيام بما هو صائب لأوروبا والعالم أجمع. ربما تجاوزت رؤيته إمكانياته، لكن لم يتم تصنيفها كغير ملحة. بعد انتهاء الحرب المأساوية الراهنة في أوروبا (أي في أوكرانيا)، لا تزال أفكار غورباتشوف قابلة للتحقيق، وينبغي الإقدام على مثل هذه المحاولة على الأقل".

إلا أن مساعي غورباتشوف، الذي تزعم الاتحاد السوفييتي بصفته أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب الشيوعي أولاً، ثم كأول وآخر رئيس للاتحاد السوفييتي، منيت بالفشل، ليلقي في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1991، كلمة وداع تنحّى فيها عن الحكم لتمسّكه بـ"وحدة الدولة". وفي اليوم التالي، صدَر إعلان الاعتراف باستقلال 15 جمهورية سوفييتية سابقة عاشت اضطرابات سياسية واقتصادية وحروباً إثر تفكك الاتحاد السوفييتي ولا تزال. وتوفي غورباتشوف في 30 أغسطس/ آب 2022 عن عمر 91 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، ليدخل ضمن الشخصيات الأكثر جدلاً في التاريخ الحديث ليس في روسيا فحسب، وإنما في العالم أجمع.

المساهمون