الأردنيون القتلى في سورية والعراق: فئة جديدة من "البدون"

الأردنيون القتلى في سورية والعراق: فئة جديدة من "البدون"

11 نوفمبر 2014
المعاملات الرسمية تصبح أصعب يوماً بعد يوم(زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
أغفلت السلطات الأردنية، أو تغافلت، عن وقائع قانونية واجتماعية، في التعامل مع جيش السلفيين الجهاديين الأردنيين، الذين يربو عددهم على حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، التحقوا بصفوف "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في سورية والعراق. تغافلت الحكومة عن الوقائع المتعلقة بمن قُتلوا في المعارك، ولا يزالون أحياءً في سجلات الدولة، ومن تزوجوا في "أرض المعركة" وأنجبوا دون توثيق زيجاتهم وولادة أبنائهم، الذين يلاحقهم الآن شبح "البدون".

على مدار السنوات الثلاث الماضية، كان سلفيو الأردن يتسللون إلى سورية بطرق غير شرعية، عبر الحدود الأردنية تارة، أو عبر تركيا، إلى وجهتم النهائية، تارة أخرى. وبقيت قضيتهم في ذلك الوقت محصورة في مقاربة سياسية أردنية، تبرّئ نفسها من تهمة "تسهيل مرور الإرهابيين"، التي يتهمها بها النظام السوري، وأخرى أمنية تتجلى في تشديد القبضة على المتسللين عبر الحدود، وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة، التي تُصدر أحكاماً بسجنهم.


موتى أحياء
غير أن السلطات الأردنية، في تعاملها مع قضية السلفيين الملتحقين بالقتال، قفزت عن المقاربة القانونية والاجتماعية، التي أحدثوها، والتي برزت عندما بدأ الإعلان عن سقوط قتلى في صفوفهم، وصل عددهم حسبما تفيد مصادر التيار السلفي، إلى أكثر من 250 قتيلاً، ولا يزال جميعهم أحياء في سجلات الدولة، ويجد ذووهم صعوبة في إثبات موتهم.

عائلة السلفي الجهادي، محمود عبد العال، الذي قُتل في مدينة درعا السورية في أكتوبر/تشرين الأول 2012، خلال التحاقه بصفوف "جبهة النصرة" لقتال النظام السوري، واحدة من بين مئات العائلات الأردنية المتضررة نتيجة اعتبار ابنها على قيد الحياة في سجلات الأحوال المدنية.

ويقول والده، محمد توفيق عبد العال (54 عاماً)، إن "كل محاولاتنا لإثبات موت محمود انتهت بالفشل". ويكشف عن أنه راجع دائرة الأحوال المدنية من أجل استصدار شهادة وفاة لابنه بعد أيام من إعلان مقتله، مصطحباً معه صورة عن الجريدة التي نشر فيها خبر مقتله، وكتاب من أحد المخاتير موقع من قبل عدد من الشهود، لكن مسعاه قوبل برفض موظف الأحوال، الذي اشترط وجود تقرير طبي رسمي بالوفاة، لإصدار شهادة الوفاة، وهو الطلب الذي يستحيل تنفيذه، كما يقول والد السلفي القتيل.

محمود، الذي قُتل عن 33 عاماً، ترك وراءه زوجة وخمسة أطفال، يعانون واقعاً صعباً، فالزوجة الذي تقدّم رجل آخر للزواج منها، لم تتمكن من ذلك، كونها بحكم سجلات الأحوال المدنية، ليست أرملة، بل زوجة لرجل على قيد الحياة، وليست مطلّقة، أيضاً.

وتكشف هند حسن (52 عاماً)، والدة محمود، عن المعاناة التي تلاقيها أسرة ابنها نتيجة عدم إعلان موته رسمياً، وتقول: "دفتر العائلة الخاص به انتهى منذ أكثر من أربع سنوات، وعندما حاولنا تجديده، من أجل إتمام بعض المعاملات الرسمية الخاصة بأولاده، طلب موظف الأحوال حضور صاحب الدفتر، وعندما أخبرناه بأنه ميت، طلب شهادة الوفاة، ليجدد الدفتر ويضع زوجته ربة للأسرة، وهو ما لا نستطيع إصداره".

وتؤكد أن "المعاملات الرسمية تصبح أصعب يوماً بعد يوم، وخصوصاً أن أولاده يكبرون". وأكثر من ذلك، تشير والدته إلى أن جميع المؤسسات الخيرية، التي تُعنى بمساعدة الأيتام والأرامل، رفضت صرف معونة مالية لأحفادها، لأن والدهم رسمياً على قيد الحياة.

معاناة عائلة محمود عبد العال، التي مضى عليها أكثر من عامين، تنتظر عائلة السلفي، يوسف تيسير سعادة، الذي قُتل مطلع أغسطس/آب الماضي، في مدينة الموصل، خلال مشاركة في القتال في صفوف "داعش".
يوسف، الذي خلّف وراءه زوجةً وطفلاً يبلغ العامين من العمر، لم تحاول عائلته رسمياً استصدار شهادة وفاة حتى الآن، لكن والده يشير إلى أنه عند سؤاله عن إمكانية استصدارها، أُخبر من قبل موظف الأحوال المدنية أن الأمر "مستحيل".

في السياق نفسه، قال الناطق باسم دائرة الاحوال المدنية مالك الخصاونة لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة تقوم بتسجيل جميع الوقائع وفقاً لقانونها بموجب تباليغ رسمية صادرة عن جهات مختصة وطبقاً لأحكام القانون". وأضاف أن "القانون أوجب تسجيل الوقائع التي حدثت في دول غير الاردن شرط أن تكون الواقعة منظمة قانونياً بحسب أحكام قانون الدولة التي جرت فيها وألا تتعارض مع قوانين المملكة". ولفت الخصاونة الى أن تسجيل واقعة الوفاة التي تحدث خارج الاردن تحتاج الى تبليغ رسمي من البلد الذي حدثت فيه، وفي حال تعذر ذلك بعد سنه من الوفاة، فإن القانون أوكل لمحكمة الصلح اختصاص النظر بدعوى إثبات الوفاة.

وعلى الرغم من الأبواب الموصدة، يلوح بريق أمل أمام تلك العائلات لتتمكن من إعلان وفاة أبنائها، يتحدث عنه أستاذ العلوم الشرعية، والمحامي الشرعي، محمود بدوي، الذي يشير إلى إمكانية رفع دعوى قضائية لإثبات الوفاة أمام القضاء الشرعي.

غير أنه يشير إلى صعوبة إجراءات الدعوى، وبحسبه فإن "إثبات الوفاة لا يحصل بالشهود فحسب، بل بالشهود والبينات الخطية، ولا يكتفي القاضي الشرعي بالاستماع إلى شهادة الشهود فقط، بل عليه تلقّي كتب رسمية لمجموعة كبيرة من الدوائر الرسمية، على رأسها جهاز الاستخبارات، ودائرة السجون، والمستشفيات وغيرها، ليصار بناءً عليها إعلان وفاة الميت".

ويلفت بدوي إلى طريقة أخرى لإعلان الوفاة، بسبب غيبة الشخص وانقطاع أخباره، ووفقاً للقانون لا يثبت وفاة الشخص في حال ذهابه إلى بلد فيها حرب، إلا بعد مرور سنة كاملة على غيابه، وأربع سنوات على غيابه إذا ذهب إلى بلد آمن وانقطعت أخباره".

وتبقى المسألة الأكثر خطورة في قضية السلفيين الأردنيين في سورية والعراق، في إقدام العشرات منهم على الزواج، وبعضهم رزق بأطفال، حسب ما يكشف قيادي سلفي أردني. وقال القيادي، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "العديد من الذين مضى عليهم سنوات في الجهاد، تزوجوا، وعدد كبير منهم رزقه الله بالأبناء".

وفي غياب الأرقام الموثقة لعدد السلفيين الأردنيين المتزوجين، أو عدد أبنائهم، يؤكد أن "جميع الزيجات، وكذلك الولادات، لم توثق في سجلات الدولة السورية أو العراقية". ويكشف أن "من بين القتلى الأردنيين من خلف وراءه زوجة وأطفالاً".

وعلى الرغم من أن إثبات الزواج والنسب في الأردن، له مدخل قانوني، كما يقول بدوي، إلا أنه يبدو مستحيلاً، فهو يتطلّب أن ترفع الزوجة دعوى إثبات زوجية أمام القضاء الشرعي الأردني، وتثبتها عن طريق الشهود، ليصار بعد إثبات الزوجية إثبات نسب الأطفال.

ووفقاً لقانون الجنسية الأردني، فإن الأبناء، الذين يولدون لأب أردني يحصلون على الجنسية الأردنية، كما تستطيع الأجنبية، التي تتزوج بأردني، الحصول على الجنسية الأردنية، بموافقة وزير الداخلية، شرط أن تعلن عن رغبتها خطياً وينقضي على زواجها ثلاث سنوات كاملة.

وتتخوّف المديرة التنفيذية لمركز "العدل" للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، من تحوّل أبناء السلفيين الأردنيين في سورية، خصوصاً من قُتل آباؤهم، إلى "بدون"، لصعوبة إثبات الزوجة للزوجية نتيجة للأوضاع القائمة، وصعوبة قدومها إلى الأردن لمباشرة الدعوى القضائية.

ودعت عبد العزيز السلطات الأردنية إلى "تطبيق العدالة الانتقالية"، في إثبات موت قتلى التيار السلفي الأردني، وإثبات زيجاتهم وأبنائهم، وهي العدالة، التي تتضمن إجراءات تخرج عن القانون العادي، وتعتمد خلال فترات الحرب وما بعدها، بهدف حل القضايا المستعصية وتحقيق السلم الاجتماعي.