38 ورقة بحثية على طاولة أول مؤتمر يعقده "المركز العربي" في دمشق
استمع إلى الملخص
- شمل المنتدى مناقشات حول المنظومة الدستورية، العودة الطوعية للمهجرين، قضايا الأقليات، الخطاب السياسي، النفوذ الاقتصادي، والسياسات الخليجية، بالإضافة إلى أوضاع اللاجئين السوريين في أوروبا ولبنان.
- يُعتبر المنتدى خطوة تاريخية لاستعادة الحياة الفكرية في سورية، ويهدف إلى جمع المثقفين لمناقشة التحديات وابتكار حلول تدعم التنمية والاستقرار.
وُضعت عديد القضايا الماثلة في المشهد السوري على طاولة أول منتدى يقيمه "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة" في العاصمة السورية دمشق، الذي بدأ صباح السبت بمشاركة باحثين وأكاديميين سوريين وعرب وأجانب معنيين بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في سورية.
ويتناول المنتدى الذي استقطب عدداً كبيراً من الأكاديميين والكتاب والإعلاميين السوريين، ويشارك فيه نحو 220 ما بين محاضر ومشارك، على مدى يومين قضايا وملفات ماثلة اليوم أمام السوريين، هي بمثابة تحديات في المرحلة الانتقالية.
وافتُتح المنتدى في فندق الشيراتون بالعاصمة دمشق بكلمة للباحث أحمد قاسم الحسين، أوضح فيها أن النسخة الحالية من المنتدى هي امتداد لـ4 دورات سابقة، نُظّمت في السنوات الفائتة في إسطنبول التركية، وتطرق الحسين إلى ذكر أهم الموضوعات التي سيناقشها المنتدى في أوراقه البحثية المحكمة، مثل الحوكمة وإعادة الإعمار وإصلاح التعليم والنقابات وتحولات الخطاب السياسي والديني وديناميات الطائفية والهوية وأدوار الفاعلين الدوليين والإقليميين.
يشارك فيه نحو 220 ما بين محاضر ومشارك
من جانبه، ألقى سمير سعيفان مدير مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة والذي حُل مؤخراً واندمج في المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة كلمة ترحيبية تحدث فيها عن الظروف التي أُسس فيها مركز حرمون، والنشاطات والمادة العلمية التي كان ينتجها حتى سقوط النظام السوري البائد.
بدوره، أكد مدير المركز محمد حسام الحافظ، على "الإرث البحثي الطويل الذي تراكم خلال سنوات عمل مركز حرمون بالشراكة مع المركز العربي لدراسة السياسات"، ثم قدم نبذة عن "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة"، في دمشق وتطرق إلى أهم القضايا التي سيُعنى بها مثل دراسة المجتمع والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، وكل ما يرتبط بذلك من عوامل ثقافية وتاريخية.
وفي السياق، أوضح سامر بكور، الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في جلسة الافتتاح معايير قبول الأبحاث والأوراق البحثية التي قدمت إلى المنتدى في دورته الخامسة، كما عرّف بأهم المحاور التي ستناقش في فعاليات المنتدى.
ويهدف المنتدى الذي بدأ الإعداد له في صيف العام الفائت وتُقدم فيه 38 ورقة بحث، إلى "خلق مساحة للتفاعل بين الأكاديميين السوريين العائدين إلى دمشق ونظرائهم الباحثين من ذوي الخبرات الدولية العميقة"، بحسب الحافظ.
وتابع الباحث في حديث مع "العربي الجديد" على هامش جلسات اليوم الأول أن "هذا التمازج الفريد بين خبرات الداخل والآفاق البحثية للخارج يمنحنا فرصة كبيرة لتوليد أفكار بناءة وفعّالة يمكنها أن تفيد سورية في مرحلة ما بعد الحرب، كما يقدم المنتدى رؤى ثمينة حول عملية التعافي السوري وانعكاساتها على مستقبل البحث العلمي السوري"، وبيّن أن "أجندة المنتدى غنية ومتنوعة، إذ تجري مناقشة عدد كبير من الأوراق البحثية دون حصرها في عناوين عريضة محدودة".
وأشار إلى أن النقاش "يغطّي طيفاً واسعاً من القضايا الحيوية، تشمل الجوانب القانونية والسياسية، وقضايا اللاجئين، وأفكار الحكم الرشيد، وموضوعات الحوكمة، إضافة إلى الشؤون الاقتصادية وجميع النواحي المتفرعة منها، في محاولة لتقديم رؤية شاملة لتحديات المستقبل"، مضيفاً: يأتي هذا المنتدى كعلامة على انفتاح تدريجي للحياة الأكاديمية في دمشق، ويسعى إلى جسر الهوة بين مختلف التوجهات والخبرات السورية.
ويندرج هذا المنتدى في سياق إسهامات "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة" في فهم وتحليل التحولات الكبيرة التي تمر بها سورية في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، ولا سيّما أن البلاد تواجه العديد من الملفات الضاغطة؛ بسبب تركة اجتماعية واقتصادية وفكرية خلّفها النظام البائد، فـ"العمل في البحث ليس ترفاً أكاديمياً بل هو ضرورة ملحة في سياق إعادة التأسيس"، وفق الحافظ.
وقدمت في الجلسة الأولى من المنتدى أوراق بحثية حول "المنظومة الدستورية والقانونية في المرحلة الانتقالية" (محمد حسام الحافظ)، و"العودة الطوعية للمهجرين" (سامر بكور)، إضافة إلى ورقة عن "الاستقلالية غير المرتبطة بالأرض كمدخل للتعامل مع قضايا الأقليات" (عامر كاتبة).
وبعد ذلك، عُقدت المحاضرة الرئيسية التي ألقتها الباحثة الأميركية ليزا ويدين من جامعة شيكاغو، تحت عنوان "سورية بين زمنين"، تناولت فيها ملامح السلطة في سورية قبل الثورة وبعدها، وذلك من منظور أنثروبولوجي وسياسي.
وقدم الباحث سامر بكور تحليلاً نقدياً وتوصيات عملية في آليات العودة الطوعية للمهجرين السوريين، كما قدم الباحث عامر كاتبة مراجعة نقدية لـ"الاستقلالية غير المرتبطة بالأرض باعتبارها مفهوماً للتعامل مع قضايا الأقليات في سورية".
كذلك تطرق المنتدى في يومه الأول لـ"الخطاب السياسي في الفضاء السوري العمومي"، ولـ"صراع النفوذ الاقتصادي في سورية"، ولـ"تطور السياسات الخليجية تجاه سورية بين عامي 2011 و2025"، كما خُصصت جلسة لقضايا اللاجئين، إذ ناقشت ورقة "تأثير الحنين والترابط الاجتماعي على استراتيجيات التثاقف لدى السوريين في أوروبا"، وأخرى تناولت "أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان بين السياسات التمييزية وخطاب الكراهية"، إضافة إلى ورقة حول "التغيرات التي طرأت على الثقافة الدينية للشباب السوريين في تركيا".
وفي ختام اليوم الأول عُقدت ورشة بعنوان "المنظومة السياسية في سورية الجديدة بين الإرث السلطوي وتطلعات التغيير"، تناولت التحديات التي تواجه الانتقال السياسي، وإمكانات بناء نظام حكم ديمقراطي يقطع مع موروث السلطوية.
ويأتي هذا المنتدى في سياق استراتيجية المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة في "إرساء بيئة حوارية تجمع الأكاديميين والمثقفين السوريين بهدف مناقشة التحديات التي تواجه سورية، وابتكار حلول واقعية تدعم مسارات التنمية والاستقرار".
وكان ملفتاً الحضور النوعي والكبير للمنتدى والذي يعكس رغبة كبيرة لدى المثقفين السوريين على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية للحوار في المنعرج الأصعب الذي تمرّ به بلادهم.
"دلالة عميقة"
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قالت الباحثة نجاح عبد الحليم إنّ انعقاد هذا المنتدى في دمشق له دلالة عميقة "كونه أول مؤتمر بحثي مستقل يعقد في البلاد بعد سنوات طويلة، ما يعكس بداية عودة الحياة الفكرية والأكاديمية إلى مسارها الطبيعي".
وأشارت عبد الحليم إلى أن "الأوراق المشاركة تغطي مجالات حيوية ومتنوعة تشمل الاقتصاد، والسياسة، وقضايا العسكرة، والدراسات المجتمعية، التي تقدم قراءات معمّقة للواقع الراهن".
وأوضحت أن جميع المشاركين يجمعهم إيمان عميق ورغبة أكيدة في أن تترك أعمالهم وبحوثهم "بصمة قوية على أرض الواقع، وأن تسهم على نحوٍ فعّال في عملية إعمار سورية الحرة، من خلال الخروج بتوصيات عملية قابلة للتطبيق يمكن أن تقدم للحكومة والمؤسسات المعنية"، ورأت أن المنتدى "يمثل خطوة أولى نحو استعادة الدور الفكري والثقافي لدمشق بوصفها حاضرة للعلم والمعرفة"، معربة عن أملها في أن "يكون بداية لسلسلة من الفعاليات الأكاديمية المستقلة التي تساهم في إثراء الحوار ودفع عجلة الاقتصاد في سورية".
"لحظة تاريخية"
وعن أهمية هذا المنتدى الأول في دمشق، رأت الناشطة السياسية سيلين قاسم في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يمثل لحظة تاريخية في سورية، بوصفها أول فعالية مستقلة تماماً عن التدخل الأمني في القرارات، وهي مساحة حرة تعبّر عن أجندات الباحثين المستقلين، سواء كانوا عرباً أو أجانب أو سوريين".
واعتبرت قاسم انعقاد المؤتمر بمثابة "إنجاز كبير يجمعنا اليوم بخلفياتنا وأفكارنا المتنوعة، من المرحلة الحالية والسابقة، لنتحاور ونناقش ونتوصل إلى قرارات تخدم مصلحة البلد وتهم مستقبله".
وعلى طاولة المنتدى في يومه الثاني يتناقش باحثون حول "دور الجامعات في تعزيز حوكمة المؤسسات المحلية في سياقات ما بعد النزاع"، ويتناول آخرون "تصور الدولة العلمانية بعد الثورة"، ويدرسون حالة "هيئة تحرير الشام"، الفصيل الذي قاد تحالفاً أسقط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر العام الفائت "من القتال إلى الحوكمة".
كما يتناول المنتدى أيضاً أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية في "سياق جديد"، والتحولات السياسية للمثقفين السوريين المعارضين بعد 2011، فضلاً عن قضايا أخرى منها ما له علاقة بـ"جرائم الحرب ضد الإنسانية"، من خلال الحالة السورية.