شكيب بنموسى... التكنوقراطي المكلف بنموذج جديد للتنمية في المغرب

شكيب بنموسى... التكنوقراطي المكلف بنموذج جديد للتنمية في المغرب

21 نوفمبر 2019
شغل بنموسى منصب وزير الداخلية سابقاً (جوزيف براك/فرانس برس)
+ الخط -
التكنوقراطي الذي تولى سابقاً وزارة الداخلية؛ بهاتين الصفتين قفز شكيب بنموسى إلى أذهان الكثير من المغاربة، لحظة نشر بيان للقصر الملكي يعلن أن الملك محمد السادس استقبل هذا الستيني وكلّفه برئاسة اللجنة الخاصة بتحضير النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه الملك منذ أكثر من عامين. جلس شكيب بنموسى أمام الملك عصر الثلاثاء الماضي، موقّعاً على عودته إلى قلب النظام السياسي للمملكة، بعدما اعتقد كثيرون أن خروجه عام 2013 من رئاسة مؤسسة دستورية، هي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى سفارة المغرب لدى فرنسا، هو "نفي" ناعم لرجل لم يعد النظام الملكي يرغب في بقائه داخل منظومة الحكم.

في الصحافة كما في شبكات التواصل الاجتماعي عبر صفحاتها المحلية، انطلقت النقاشات صاخبة منذ الدقائق الأولى لإعلان هذا التعيين، منقسمة بين معسكرين كبيرين: واحد يتهم بنموسى بالانتماء إلى فريق التكنوقراط الذي يُنظر إليه كأداة في يد القصر لفرض سيطرته على مقاليد الحكم؛ بينما يدافع الثاني عن الحنكة التدبيرية ونظافة اليد والصمود أمام اللوبيات ومجموعات الضغط السياسية والاقتصادية، خصوصاً في فترة توليه منصب وزير الداخلية.

أما بيان الديوان الملكي الذي صدر مساء الثلاثاء، فاقتصر على سطرين مقتضبين لا يعلنان أكثر من تكليفه برئاسة اللجنة. الباحثون عن تفاصيل ما سيُقدم عليه شكيب بنموسى بعد الانتهاء من اختيار أعضاء هذه اللجنة الخاصة، لم يجدوا بُداً من العودة إلى أهم خطاب يوجّهه الملك كل عام إلى الشعب، والذي ألقاه محمد السادس مساء 29 يوليو/تموز الأخير، بمناسبة عيد جلوسه على العرش.

"قررنا إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي سنقوم في الدخول المقبل، بتنصيبها"، قال الملك في خطابه، موضحاً أنه سيحرص على أن تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، "من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا". وفي ما يشبه استباقاً لبعض التعليقات التي صدرت مساء الثلاثاء الأخير بعد إعلان تعيين بنموسى رئيساً لهذه اللجنة، من قبيل القول إن الخطوة إضعاف جديد للحكومة المنبثقة من صناديق الاقتراع، قال خطاب العرش الأخير إن هذه اللجنة "لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيئة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن"، مضيفاً أن عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى للإصلاحات "التي تم أو سيتم اعتمادها"، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والزراعة والاستثمار والنظام الضريبي، "وأن تقدّم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها".

الرجل الذي استُدعي من باريس إلى الرباط لتلقي التكليف الجديد، ليس غريباً عن هذه الحقول التي تحدث عنها خطاب الملك، على الرغم من تكوينه التقني كمهندس متخرج من مدرسة الـ"بوليتكنيك" الفرنسية، عام 1979، قبل أن يحوز على شهادات أخرى من باريس وجامعة "كامبريدج" الأميركية. هذا الرجل الذي يُعتبر من مواليد سنوات الاستقلال الأولى، وتحديداً في فبراير/شباط 1958 في مدينة فاس، شغل عدداً من المسؤوليات الإدارية منذ تخرجه منتصف الثمانينيات، منها مدير التخطيط والدراسات في وزارة التجهيز، ثم مديراً للطرق في الوزارة نفسها، ثم أميناً عاماً للوزارة الأولى منتصف التسعينيات. بعد ذلك بدأ تجربته كمسؤول في القطاع الخاص في السنوات الأولى من الألفية الثالثة، وذلك في كل من مجموعة "أونا" التي تضم شركات تعود للملك، ثم شركة "براسري دي ماروك" المنتجة للمشروبات، بما فيها الكحولية.
من خلال تلك المواقع التدبيرية التي توّجت بتعيينه وزيراً للداخلية، أطل بنموسى على كل الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي يتطلّع المغاربة إلى إصلاحها، خلال العامين اللذين أشرف فيهما على رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المؤسسة الدستورية التي سارع الملك إلى إحداثها بعد انطلاق احتجاجات الربيع العربي، وشكّلها من ممثلين لجميع القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة. حينها وعلى إيقاع الاحتجاجات الصاخبة التي غمرت شوارع جلّ المدن الكبيرة والمتوسطة في المغرب، نزع بنموسى اللباس الأمني الذي يفترض أنه تشبّع به حين كان وزيراً للداخلية بين فبراير/شباط 2006 ويناير/كانون الثاني 2010، ودخل باحة القصر الملكي برفقة ما يناهز 100 شخصية تمثّل أطياف المجتمع المغربي ومكوّناته، ليتم تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وذلك في 21 فبراير 2011، أي بعد يوم واحد من أول خروج احتجاجي للشباب المغربي أثناء الربيع العربي، والذي بات الحراك المغربي منذ ذلك الحين يحمل اسماً يحيل عليه، أي "حركة 20 فبراير".

بسرعة قياسية، وضع بنموسى حينها الأنظمة والقوانين الداخلية للمؤسسة الجديدة، وشرع بشكل شبه فوري بفحص أكثر الأزمات إيلاماً للمغاربة، من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية ونظام ضريبي... وبمجرّد تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، عقب الانتخابات المبكرة التي جرت في المغرب استجابة لاحتجاجات الربيع، سارع بنموسى إلى وضع تقرير صريح حول الوضع الخطير الذي يعانيه الشباب المغربي ويدعو إلى إخراجه منه. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012، صدر تقرير يحمل توصية بفرض الضرائب على الثروات الزراعية الكبرى، والتي تتمتع بإعفاء تاريخي، وقبل ذلك بشهر واحد كان تقرير للمجلس حول المعوقين في المغرب يوصي الحكومة بإحداث صندوق خاص بهذه الفئة لمساعدتها، وفي ديسمبر/كانون الأول 2012 صدر تقرير يدعو إلى منح تخفيضات ضريبية للأسر التي تنفق على تعليم أبنائها في التعليم الخصوصي.

لكن أبرز الوثائق التي ارتبطت باسم بنموسى وسارع البعض إلى إشهارها فور الإعلان عن تعيينه رئيساً للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، هو التقرير الذي أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهده، واستغرق أكثر من عام من اللقاءات والجلسات، ليحمل في النهاية اسم "النموذج التنموي الجديد في الصحراء".

استثمر السفير المغربي الحالي في فرنسا في تحضير تلك الوثيقة كل ما راكمه من تجارب في مساره السياسي، خصوصاً تجربته كوزير للداخلية شارك في تدبير واحد من أكثر الملفات حساسية وخطورة في المغرب، وهو نزاع الصحراء المفتوح مع جبهة البوليساريو. فشكيب بنموسى لم يكن مسؤولاً عن ملف الصحراء باعتباره واحداً من القضايا الحصرية لوزارة الداخلية في المغرب فقط، بل كان أيضاً رئيساً للوفد المغربي المفاوض الذي كان يتردّد على منتجع "مانهاست" في ضاحية نيويورك، في إطار جولات التفاوض المباشر مع جبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي جرت في الفترة بين يونيو/حزيران 2007 ومارس/آذار 2008.

ضمّ بنموسى تجربته تلك إلى ما خبره على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من تدبير للنقاشات حول القضايا الحساسة بين أطراف متعارضة حدّ التناقض أحياناً، ليقدّم للملك قبيل انتقاله إلى باريس كسفير للمغرب، وثيقة مفصّلة تتضمن الوصفة الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لإنجاح أي حل سياسي لتسوية نزاع الصحراء.

تضمّنت هذه الوثيقة تشخيصاً جريئاً وصريحاً لمظاهر النقص والفساد التي تعتري التدبير الخاص بأقاليم الصحراء المتنازع عليها، ودعت إلى وقف الامتيازات الريعية الممنوحة لبعض الفئات، وفتح المجال الاقتصادي أمام المبادرة الحرة والمنافسة الشريفة. وهو ما يكاد يحصل الإجماع على عدم تطبيقه الكامل، على الرغم من انطلاق الشق الاقتصادي من هذا النموذج بدعم وإشراف ملكيين. فهل تعيد تجربة بنموسى على رأس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي للمغرب وضع الأصبع على مكامن الخلل والفساد؟ وهل تحمل وصفته هذه المرة الحلول اللازمة لإصلاح قطاعات اجتماعية حساسة مثل التعليم والصحة؟