استمع إلى الملخص
- تزامن سحب الجنسيات مع الانتخابات البرلمانية في 2024، مما أدى إلى فوز أكثر من 20 نائبًا معارضًا، لكن البرلمان تم حله لاحقًا. كما تم سحب الجنسية من شخصيات بارزة، مما زاد من حدة النقاش.
- شهدت الفترة الأخيرة تعديلات على قانون الجنسية، مع إلغاء بعض الفقرات واستخدام وسائل علمية حديثة في عمليات السحب والمنح، مما يشير إلى استمرار هذه السياسة في المستقبل القريب.
أصدرت الكويت، يوم الأحد الماضي، قراراً بسحب الجنسية الكويتية من أربعة أشخاص، إلى جانب من اكتسبها معهم بالتبعية، ما رفع عدد الأشخاص الذين سُحبت منهم الجنسية في البلاد إلى 31691 شخصاً، منذ الرابع من مارس/آذار 2024. القرار الأخير، الذي نشرته "جريدة الكويت اليوم" (جريدة الدولة الرسمية)، سبقه في الأول والرابع من يونيو/حزيران الحالي، سحب الجنسية من 114 رجلاً، و41 امرأة، وممن اكتسبها معهم بالتبعية، اشتمل على أفراد من شيوخ قبيلة شمر "آل جربا" وشيوخ قبيلة عنزة "آل هذال" من الذكور والإناث.
بدأ موضوع سحب الجنسيات في الكويت في الرابع من مارس 2024، عندما أعلنت الحكومة الكويتية عن ثلاثة قرارات بسحب الجنسية، طاولت 11 مواطناً كويتياً بينهم ثماني نساء. وكان أبرزهم رئيس "حزب الأمة"، السياسي المعارض حاكم عبيسان المطيري، الموجود خارج البلاد.
تلا ذلك خلال مارس ومطلع إبريل/ نيسان 2024، إصدار الحكومة الكويتية 13 قراراً وثلاثة مراسيم بسحب الجنسية من مواطنين، اشتمل على 63 شخصاً، منهم 23 امرأة. ترافق ذلك مع إعلان وزارة الداخلية الكويتية عن خط ساخن لاستقبال بلاغات عن مزوري الجنسية ومزدوجي الجنسيات، بالتزامن مع موسم انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) 2024، التي جرت في الرابع من إبريل 2024. تصدّرت حينها قضية الجنسية عناوين الحملات الانتخابية لعدد واسع من المرشحين، والذين هاجموا وزير الداخلية، ملوّحين بمساءلته السياسية. فاز من بين هؤلاء المرشحين أكثر من 20 نائباً في الانتخابات، لكن هذا المجلس لم يعقد جلسته الافتتاحية، إذ حلّ أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، البرلمان، في العاشر من مايو/أيار 2024، كما أوقف العمل في بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.
رفعت الحكومة الكويتية العام الماضي شعار "تطهير" ملف الجنسية من المزورين
في اليوم السابق لحلّ مجلس الأمة، والوقف الجزئي للدستور، كانت مجموعة من النوّاب قد عقدت اجتماعاً داخل البرلمان، بحثت خلاله تنسيق تقديم استجواب إلى الشيخ فهد اليوسف الصباح، في حال عودته إلى الحكومة في منصب وزير الداخلية. كان ذلك أحد أسباب تعليق الحياة السياسية في الكويت، والذي أشار إليه أمير الكويت في خطاب حلّ البرلمان، بوصفه تدخلاً في صميم اختصاصاته باختياره رئيس الحكومة وأعضاءها.
استخدام قانون الجنسية الكويتية
بعد ذلك، رفعت الحكومة الكويتية شعار "تطهير" ملف الجنسية من المزورين، وكان قد بلغ عدد الجنسيات المسحوبة حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الماضي، 325 جنسية، منهم 191 امرأة، والتي استندت في السحب إلى المواد 9 و10 و11 و13 و14 و21 من قانون الجنسية. تنصّ المادة 9 من قانون الجنسية الكويتي، على أنه "إذا كسبت الزوجة الأجنبية الجنسية الكويتية، فإنها لا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا إذا استردت جنسيتها الأصلية أو كسبت جنسية أخرى". أما المادة 10 فتنض على أن "المرأة الكويتية التي تتزوج من أجنبي، لا تفقد جنسيتها الكويتية إلا إذا دخلت في جنسية زوجها بناء على طلبها"، بينما تنصّ المادة 11 على أنه "يفقد الكويتي الجنسية إذا تجنس مختاراً بجنسية أجنبية".
كما تنصّ المادة 13 من قانون الجنسية على جواز سحبها في خمس حالات، الأولى إذا كان المنح "بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة"، والثانية "إذا حُكم عليه خلال خمس عشرة سنة من منحه الجنسية الكويتية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة"، والثالثة "إذا عُزل من وظيفته الحكومية تأديبياً لأسباب تتصل بالشرف أو الأمانة خلال عشر سنوات من منحه الجنسية الكويتية"، والرابعة "إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك"، والأخيرة "إذا توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيامه بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد، أو على انتمائه إلى هيئة سياسية أجنبية". أما المادة 21 من قانون الجنسية فتنص على أنه "تُسحب شهادة الجنسية الكويتية إذا تبين أنها أُعطيت بغير حق بناء على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة".
من أصل 31691 جنسية سُحبت حتى الآن، منهم 626 رجلاً، بلغ عدد الجنسيات المسحوبة بالتبعية 31129 جنسية، منهم 473 رجلاً، فيما الـ562 جنسية ومنهم 153 رجلاً، فقد سُحبت من أشخاصها فقط. وسُحبت الجنسية وفق المادة 9 من قانون الجنسية الكويتي، من 16 امرأة، ووفق المادة 10 من 34 امرأة، ووفق المادة 11 من 225 شخصاً، منهم 135 امرأة، ووفق المادة 13 من 106 أشخاص، منهم 92 امرأة. ووفق المادة 14 سحبت الجنسية من رجلين، ووفق المادة 21 من 178 شخصاً، منهم 16 امرأة، فيما سُحبت الجنسية من 31130 شخصاً، منهم 358 رجلاً فقط، وفق قانون الجنسية من دون تحديد أية مواد.
كان من بين أبرز من سُحبت منهم الجنسية، وتحديداً في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، ضابطان كويتيان، يقضيان حكماً بالسجن المؤبد. الأول هو علاء حسين الخفاجي، الذي ترأس "حكومة الكويت المؤقتة" بعد غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990، وعُيّن من قِبل الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين. أما الضابط الثاني فهو محمد الجويعد، الذي اعُتقل مطلع العام 2003 بتهمة التخابر مع العراق.
مع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأت السلطات الكويتية بسحب الجنسية الممنوحة وفق المادة الثامنة للأجنبيات المتزوجات من كويتي، إذ قفزت أعداد الجنسيات المسحوبة في ذلك الشهر إلى 1365 جنسية، منها 27 فقط لرجال. ولأول مرة تُسحب الجنسية من 1325 شخصاً، منها سبع لرجال، استناداً إلى قانون الجنسية وحسب، من دون تحديد وفق أي مادة جاء السحب. وبحسب القانون الكويتي، فإن لوزير الداخلية صلاحية سحب الجنسية الكويتية من أي مواطن كان لأي سبب، من دون تقديم تبرير لأي أحد.
خلال تلك الفترة، سُحبت الجنسية من عدد من المسؤولين في مختلف الجهات الحكومية، أبرزهم اللواء خالد مضحي الشمري، القيادي السابق في وزارة الدفاع الكويتية، والذي كان اسماً بارزاً لتولّي منصب رئيس الأركان العامة للجيش الكويتي في وقت سابق. بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة، من بينهم الممثل داوود حسين والمطربة نوال الكويتية، فيما اشتمل سحب الجنسيات على من اكتسبها منهم بالتبعية.
كذلك اشتمل سحب الجنسيات خلال الفترة ذاتها على عدد من المُدانين في قضايا أمن دولة، مثل قضية "تنظيم أسود الجزيرة" عام 2005 (مرتبطة بتنظيم القاعدة وشنّت عدة هجمات في الكويت)، وقضية شبكة التجسس الإيرانية عام 2011، وقضية "خلية العبدلي" عام 2015 (خلية مدعومة من حزب الله اللبناني بمنطقة العبدلي)، أبرزهم المتهم الأول في القضية حسين حاجيه، وقضية تمويل حزب الله اللبناني عام 2023.
شهدت الفترة بين نوفمبر وفبراير الماضيين أكبر موجة سحب جنسيات
شهدت الفترة ما بين نوفمبر وفبراير/شباط الماضي، الأعداد الأكبر في سحب الجنسيات، معظمها من الأجنبيات المتجنسات من خلال التبعية لأزواجهن الكويتيين وفق المادة الثامنة، إذ بلغت الجنسيات المسحوبة 30872 جنسية، منها 142 لرجال. وسجّل شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، سحب 6879 جنسية، منها 24 فقط لرجال، فيما سجّل يناير/كانون الثاني الماضي، سحب 9010 جنسيات، منها فقط 39 لرجال، بينما سجّل فبراير/ شباط الماضي سحب 13618 جنسية، منها 52 فقط لرجال.
اقتصر سحب الجنسيات من الكويتيات، وفق المادة الثامنة، من المتجنسات بدءاً من العام 1987، بحسب وزير الداخلية الكويتي، والذي أشار إلى أنه اعتباراً من بعد هذا العام، شابت تجنيسهن تجاوزات دستورية وقانونية، تمثلت في كونها قرارات لم تصدر بناءً على مراسيم. وكان قانون الجنسية الكويتي يسمح بإعلان رغبة الأجنبية المتزوجة من كويتي بكسب الجنسية الكويتية، والتي أُلغيت أخيراً في 23 ديسمبر الماضي، في مرسوم بتعديل على القانون اشتمل على عدد من المواد.
كانت أبرز التغييرات في المرسوم الصادر بالتعديل على قانون الجنسية، هي ألا يترتب على الأجنبي المكتسب للجنسية الكويتية أن تصبح زوجته كويتية، وألا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية. بالإضافة إلى إجازة استخدام الوسائل العلمية الحديثة في منح الجنسية أو سحبها أو فقدها، مثل البصمة الوراثية والبصمة البيومترية وغيرهما، إلى جانب إلغاء الفقرات التي تنصّ على جواز منح الجنسية للمولود من أم كويتية إذا كان أبوه طلّق أمه أو توفي عنها، ولمن أقام في الكويت عام 1965 وما قبلها.
انخفضت قرارات سحب الجنسية، بشكل حاد بدءاً من مارس الماضي، إذ سجّل سحب 39 جنسية، منها سبع لنساء، فيما سجّل إبريل الماضي سحب 68 جنسية، منها 50 لنساء، وسجّل مايو الماضي سحب 228 جنسية، منها 46 لنساء. لكن تلك الأشهر الثلاثة الماضية شهدت فصلاً جديداً من فصول سحب الجنسية في الكويت، إذ كانت أعداد كبيرة من أصل 494 جنسية، منهم 144 امرأة، سُحبت ما بين مارس الماضي والثامن من يونيو الحالي، هم ممن اكتسبوها وفق "إحصاء 1965" و"الأعمال الجليلة" (تقديرها يعود للسلطات، ومن خلالها منحت الجنسية لأطباء وفنانين ولاعبي كرة قدم). ومعظم هؤلاء من الذين كانوا من "البدون" (عديمي الجنسية في الكويت)، إذ كان الإحصاء السكاني للعام 1965 لفترة طويلة شرطاً لاستحقاق الجنسية الكويتية، وهو ما نصّ عليه قانون الجنسية قبل تعديله أخيراً، إلى جانب غيرهم من الشخصيات العربية الذين اعُتبروا ممن قدّموا خدمات جليلة للبلاد استحقوا مقابلها منحهم الجنسية الكويتية خلال فترات سابقة.
من بين أبرز من سُحبت منهم الجنسية الكويتية ومن اكتسبها معهم بالتبعية، الشهر الماضي، رجل الدين الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، مؤسس الحركة السلفية السياسية في الكويت (تُوفي عام 2020)، ونجما منتخب الكويت لكرة القدم السابقان، مؤيد الحداد وفهد العنزي، إضافة إلى استشاري جراحة القلب رياض الطرزي، وجرّاح العظام مثنى السرطاوي. ما زالت ملفات الجنسيات الممنوحة وفق "إحصاء 1965" و"الأعمال الجليلة" منظورة أمام اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، وينتظرها بعد ذلك، بحسب وسائل إعلام كويتية، نظر ملفات جنسيات أبناء الكويتيات، والذين مُنحوا الجنسية إما لكون آبائهم طلّقوا أمهاتهم أو توفوا عنها، إذ كان لا يسمح القانون للمرأة الكويتية بتمرير الجنسية لأبنائها إلا بإحدى هاتين الحالتين.
خطوات متلاحقة منذ الثمانينيات
استخدمت الحكومة سحب الجنسية الكويتية خلال فترات مختلفة في تاريخ البلاد، بدأت تقريباً في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ضد المنتمين إلى "حزب الدعوة" العراقي، و"حزب الله" اللبناني، تحديداً خلال الحرب العراقية – الإيرانية. واتُهم حينها الحزبان بتنفيذ عدة تفجيرات داخل الكويت، بسبب موقفها من دعم العراق في الحرب ضد إيران، أشهرها تفجير موكب أمير الكويت الراحل، جابر الأحمد الجابر الصباح، عام 1985.
أقسى فترات سحب الجنسية باستثناء الفترة الحالية، كانت في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض بين 2011-2014
عادت الحكومة الكويتية في مطلع الألفية إلى سحب الجنسية من عدد من المتهمين بالتعاون مع الجيش العراقي خلال احتلاله الكويت عام 1990، لا سيما المتعاونين مع الحكومة الكويتية الموالية للنظام العراقي في بداية الغزو، خصوصاً من الضباط الذين اشتهروا بميولهم "القومية". واستخدمته بعدها ضد المتحدث باسم تنظيم القاعدة سليمان بوغيث عام 2002، ثم سحبت الجنسية من رجل الدين الشيعي المقيم في لندن، ياسر الحبيب، بعد تهجمه على عائشة زوجة الرسول محمد علناً عام 2010. لكن كانت أقسى فترات سحب الجنسية في الكويت، باستثناء الفترة الحالية، هي التي جاءت في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض في البلاد (2011-2014)، المتأثر بزخم الربيع العربي، وتحديداً في العام 2014. توقفت الاحتجاجات حينها تماماً، بعد سحب الجنسية من عدد كبير من المعارضين السياسيين وسجن آخرين، من أبرزهم آنذاك، النائب السابق عبد الله البرغش، والداعية الإسلامي نبيل العوضي، والصحافي سعد العجمي، والذي عمل مراسلاً لقناة العربية، ورئيس تحرير صحيفة عالم اليوم الكويتية، أحمد الجبر. أعادت الحكومة الكويتية في مايو 2017، الجنسية إلى النائب السابق عبد الله البرغش وستة آخرين، وإلى العوضي والعجمي وسبعة آخرين، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، وأخيراً الجبر وآخرين في ديسمبر 2023، بينما لم تعد الجنسية إلى الآن لمن سُحبت منهم في الفترات التي سبقت الحراك المعارض.