المنطقة الآمنة شرقي الفرات: دور تركي وسوري غامض

المنطقة الآمنة شرقي الفرات: دور تركي وسوري غامض

أمين العاصي

avata
أمين العاصي
29 اغسطس 2019
+ الخط -
بدأ الطرفان التركي والأميركي بتنفيذ ما اتفقا عليه أخيراً حول إقامة منطقة آمنة أو "ممر سلام" في منطقة شرقي الفرات السورية، لتبديد مخاوف أنقرة من محاولات إقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، يعتبره الأتراك خطراً على أمنهم القومي، في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على المنطقة أن الاتفاق لا يتضمّن تمركزاً للجيش التركي داخل الأراضي السورية في شرقي الفرات، كما لا يتضمّن دخولاً لفصائل تابعة للمعارضة السورية.

وأعلنت "الإدارة الذاتية" الكردية و"قسد"، في شمال شرقي سورية، الثلاثاء، عن سحب قوات تابعة لها وتدمير تحصينات قرب الحدود السورية - التركية، بناء على تفاهمات أمنية أميركية - تركية. وقال الرئيس المشترك لمكتب الدفاع في الإدارة الذاتية، زيدان العاصي، إن "وحدات الشعب" الكردية، التي تشكّل الثقل الرئيسي في "قسد"، سحبت مجموعات من مقاتليها، وقامت بتدمير تحصينات، وردم خنادق، وإزالة سواتر ترابية، من مدينة رأس العين في ريف الحسكة. وأوضح العاصي، في تصريحات صحافية، أن ذلك جاء ضمن إطار المرحلة الأولى من التفاهمات بين تركيا والولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة، مشيراً إلى أن البدء بالخطوات العملية الأولى تم في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، مشيراً إلى أن "وحدات حماية الشعب" سلّمت نقاطها لقوات من الفصائل المحلية. ولفت إلى أن العملية ذاتها تمت في مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، مشدداً على أن الإدارة ملتزمة بالتفاهمات القائمة، بهدف التوصل إلى حل لكافة القضايا عن طريق الحوار السلمي مع دول الجوار.

في المقابل، نقلت مواقع معارضة عن مصادر محلية في رأس العين وتل أبيض أن "قسد" تعتزم تسليم المدينتين لمجلسين عسكريين يتبعان لها، ما يعني بقاء المنطقة تحت مظلة الوحدات الكردية التي تقود "قسد"، وفق الموقع. وسبق أن قامت "قسد" بتسليم مدينة منبج في غربي نهر الفرات لمجلس عسكري تابع لها، ما يعني عملياً بقاء المدينة تحت النفوذ والسيطرة الكردية، وهو ما تحاول تكراره في شرقي نهر الفرات.
من جهته، أكد القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، لـ"العربي الجديد"، أن "لا جديد" بما يخص تنفيذ اتفاق شرقي الفرات بين تركيا والولايات المتحدة، مضيفاً: "لننتظر بعض الوقت".
ومن غير الواضح الدور الذي سيُسند إلى فصائل الجيش السوري الحر المرتبطة بالجيش التركي في منطقة شرقي نهر الفرات، في ظل رفض كردي لدخول مقاتلي هذه الفصائل إلى منطقة شرقي الفرات. كما أن الطرفين التركي والأميركي لم ينشرا بعد تفاصيل الاتفاق، وهل ينص على تمركز قوات تركية في المنطقة أم أن الأمر لا يتعدى دوريات مشتركة تركية أميركية على طول الحدود وبعمق 5 كيلومترات فقط، مع سحب الأسلحة الثقيلة من الحدود إلى عمق يصل إلى 15 كيلومتراً، كما تروّج مصادر كردية.

وكان قيادي في فصائل المعارضة السورية قد أكد منذ أيام، لـ"العربي الجديد"، أن "وحدات منضبطة ومدربة على مستوى عالٍ من الجيش السوري الحر ستدخل لدعم الاستقرار وحماية المدنيين ومنع ارتكاب أي تجاوزات"، وأن "‏المنطقة الآمنة ستطبّق بحسب الرؤية التركية"، وفق قوله. وكانت اعتداءات على مدنيين سوريين، خصوصاً الأكراد منهم، في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، من الأسباب الرئيسية في رفض الطرفين الكردي والأميركي دخول مقاتلي المعارضة إلى شرقي الفرات خشية القيام بعمليات انتقامية تطاول مدنيين.


لكن بسام إسحق، عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثلية "مسد" (المجلس السياسي لقوات قسد) في واشنطن، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك تفاصيل كثيرة ليس متفقاً عليها بعد بين الطرفين التركي والأميركي"، مضيفاً: "بشكل عام لا توجد منطقة آمنة بل آلية حفظ أمن عبارة عن دوريات مشتركة على عمق متفاوت وامتداد 100 كيلومتر تقريباً، وتزداد مسافة تطبيق الآلية على مراحل". وكشف إسحق أنه "ستكون هناك شرطة حدودية سورية من أبناء المناطق الحدودية المحليين"، مضيفاً: "سيدخل الجيش التركي مع الأميركي في دوريات مشتركة عابرة". وأكد أنه "لن تكون للجيش التركي أي مواقع ثابتة على الأرض في شرق نهر الفرات"، موضحاً أن الاتفاق لا يتضمن دخول مقاتلي "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات.

وبحسب إسحق، فإن المدن الرئيسية في شرقي الفرات ستبقى تحت إدارة "الإدارة الذاتية"، أي بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم، مؤكداً أن البشمركة السورية (قوات كردية سورية موجودة في إقليم كردستان العراق)، لن تدخل إلى شمال شرقي سورية. وحول آفاق التفاوض مع النظام السوري، أكد إسحق أنه "لا يوجد حالياً تفاوض مع النظام"، مردفاً بالقول: "لكن الباب من جهتنا ليس مغلقاً. النظام هو الذي طلب أصلاً الحوار معنا العام الماضي ولكن المفاوضات وقتها وصلت إلى طريق مسدود. يدنا ممدودة لجميع السوريين للحوار للوصول إلى حل سياسي نهائي للقضية السورية".

وكانت قد عُقدت جلسات حوار وتفاوض عديدة بين المجلس السياسي الديمقراطي (مسد) والنظام برعاية روسية في العاصمة السورية دمشق، لكنها لم تسفر عن أي اتفاق، إذ يصرّ النظام على استرجاع شرقي الفرات من دون شروط مسبقة، في حين يرفض الأكراد ذلك، مطالبين بأن تكون "قسد" جزءاً من جيش النظام، وأن تتمتع المنطقة بوضع خاص من خلال نظام لامركزي. كما يطالب الأكراد السوريون بالاعتراف بحقوقهم دستورياً، والاعتراف بالإدارة الذاتية التي شكلوها في مناطق سيطرتهم، رافضين مبدأ المصالحات الذي يطرحه النظام عليهم، والذي أثبتت الوقائع أنه مدخل لعودة النظام مرة أخرى إلى المناطق التي خرجت عن سيطرته للفتك بها وإخضاعها من جديد.

وتضم المنطقة التي تعرف إعلامياً بـ"منطقة شرقي الفرات"، والتي تعادل ثلث مساحة سورية، أهم الثروات الطبيعية، فضلاً عن موقعها الجغرافي الاستثنائي في سياق الصراع المحتدم على سورية. وعلى الرغم من أن الأكراد السوريين أقلية في هذه المنطقة، إذ يشكّل العرب الغالبية الساحقة من السكان، إلا أن الوحدات الكردية هي المتحكّمة بالمنطقة تحت قناع "قسد"، التي باتت الذراع البرية للولايات المتحدة في سورية.

في سياق آخر، أعلنت قوات "النخبة" التي تضم مقاتلين عرباً من منطقة شرقي الفرات، خصوصاً من ريف دير الزور الشرقي، انسحابها من تيار "الغد السوري" الذي يرأسه رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا، ويتخذ من العاصمة المصرية القاهرة مقراً له. وأكدت القوات في بيان، أن الجربا ليس ممثلاً سياسياً لها، في تأكيد واضح أنه باتت لهذه القوات خيارات أخرى، ربما منها الاضطلاع بدور ما في الترتيبات الأمنية والعسكرية في منطقة شرقي الفرات.

إلى ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة لا تضع في خططها انسحاباً من منطقة شرقي الفرات على الأقل في المدى المنظور، إذ أكدت شبكة "الخابور" الإعلامية المحلية، المعنية بأخبار محافظة الحسكة، أن القوات الأميركية الموجودة في سورية انتهت من إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة قرب مدينة الدرباسية في ريف الحسكة، القريبة من الحدود التركية، مشيرة إلى أن القاعدة العسكرية تقع في قرية الغنامية، التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود التركية، وتحوي مهبط طائرات مروحية. وأضافت أن القاعدة تضم أيضاً العديد من المهاجع ومستودعات الأسلحة بالإضافة إلى معسكر تدريب، مشيرة إلى أن القوات الأميركية بدأت في وقت سابق بإنشاء مهبط مروحيات قرب مدينة رأس العين على الحدود السورية - التركية، موضحة أنّ خبراء من الجيش الأميركي يشرفون على إنشاء المهبط في موقع تل الأرقم، جنوبي مدينة رأس العين، وسط حراسة مشددة من عناصر "قسد".

ذات صلة

الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.