أزمة السيسي والقضاة: دعوات لإجراءات انتقامية لمواجهة التضييق المالي

أزمة السيسي والقضاة: دعوات لإجراءات انتقامية لمواجهة التضييق المالي

18 أكتوبر 2019
السيسي يريد الامساك بالجسم القضائي(لودوفيك ماران/فرانس برس)
+ الخط -


ما زال التوتر يحكم علاقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقضاة نتيجة تراكمات عدة، على رأسها محاولته تحجيمهم مالياً في مقابل استمرارهم في الخروج عن المسار المرسوم لهم ومحاولة الحصول على امتيازات مالية أكبر، وتمسكه بإلحاق الناجحين في المقابلات الشخصية للالتحاق بالعمل القضائي من بين خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، وذلك حتى يتم توزيعهم على دفعات لتلقّي دروس ومحاضرات في الأكاديمية الوطنية للشباب، التي يتم استخدامها لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى. وخلال الأسابيع الماضية ازداد التوتر بين الجانبين بسبب إيعاز السيسي لرئيس مجلس الدولة الجديد المعين بقرار منه، محمد حسام الدين، لإصدار قرار بمنع انتداب القضاة لأكثر من جهة حكومية واحدة، وإلغاء جميع الانتدابات والوظائف الإضافية التي كان القضاة يتمتعون بها في السنوات السابقة في ظل دستور 2014، تحت وصف "مهام قومية" أو "انتداب جزئي"، بحجة تطبيق الدستور. ولجأت دائرة السيسي إلى اتخاذ هذه الخطوة على خلفية تأخر صدور قانون المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية الأخيرة، الذي كانت فكرة إحيائه قد ظهرت منتصف عام 2018 بمناسبة دراسة النظام لمشكلة انتداب القضاة. حينها، تبين أن هناك خلافات شاسعة بين رؤية كل هيئة مع اختلاف رؤية وزارة العدل مع الرؤى الأخرى. هنا وجدت الرئاسة أنه يجب العمل على توحيد آراء القضاء تجاه الملفات المختلفة، التي قد تثير أزمات بين الهيئات وبين الدولة لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات المعارضة.

في السياق أفادت مصادر قضائية "العربي الجديد" بأن هناك حالة من الغليان بسبب تزامن قرار توحيد جهة ومهمة الانتداب الإضافية للقضاة، مع قرار وزارة المالية باستقطاع ضريبة الدخل من القضاة للمرة الأولى من إجمالي صافي الراتب، متضمناً الأجر الأساسي والأجر المتغير بما فيه الحوافز والبدلات، بعدما كانت في الماضي تستقطع من الأجر الأساسي فقط، خصوصاً أن صافي الراتب الذي ستحتسب الضريبة على أساسه سيشمل أيضاً المكافآت الأخرى التي يحصل عليها القاضي من خارج جهة عمله الأصلية، كمقابل الانتداب أو الاستشارات أو التدريس في الجامعات أو حضور جلسات ولجان حكومية أخرى.

وأضافت المصادر أن "هذه الطريقة المستحدثة في حساب الضريبة والتي تحاول المجالس العليا للهيئات القضائية حالياً التوصل إلى تسوية بشأنها مع وزارة المالية، رفعت متوسط الوعاء الضريبي للقضاة إلى أعلى شريحة دخل ممكنة لاستقطاع الضريبة، وذلك بنسبة 22.5 في المائة من إجمالي ما يحصلون عليه". وعلى الرغم من أن هذه هي الطريقة المتبعة في احتساب الضريبة لباقي جهات الدولة، إلا أن القضاة الذين طالما تمتعوا بوضع متفرد مالياً وهيكلياً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، باتوا يشعرون، بحسب المصادر، بأنهم خرجوا تماماً من حسابات السيسي، كسلطة يرغب في مهادنتها والحصول على دعمها، وذلك لأن المساس بالأوضاع المالية للقضاة، من خلال زيادة الضريبة ثم توحيد جهة الانتداب "أعمق أثراً وأكثر سلبية على جموع القضاة من قراراته السابقة التي كانت تثير حفيظة فريق منهم، وليس جميعهم"، كإلغاء الأقدمية والاستئثار بتعيين رؤساء الهيئات بناء على تحريات أمنية ورقابية، أو تأخير التعيينات والترقيات الجديدة، أو استخدام الأكاديمية الوطنية للشباب كعامل حاسم لاختيار القضاة الجدد على أسس أمنية ورقابية أيضاً بما يعني إلغاء دور المجالس العليا للهيئات القضائية، في الاختيار النهائي للمعينين الجدد.



وكشفت المصادر أن مجلس القضاء الأعلى، باعتباره السلطة العليا للقضاء العادي، الذي تصل فيه انتدابات القضاة ومكافآتهم الخارجية إلى أقل معدلاتها مقارنة بمجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، يدرس حالياً مع وزارة المالية إعادة تقييم أسس احتساب ضريبة الدخل، فيتم استبعاد كل من بدل القضاء وبدل التمثيل من الوعاء الضريبي لكل قاض، استناداً إلى البند الرابع من قواعد تطبيق جدول المرتبات الخاص بقانون السلطة القضائية 46 لسنة 1972، لكن الوزارة من جانبها تتمسك باحتساب البدلين استناداً إلى فقرة أخرى من نفس البند، والتي تنص على أنه "لا يجوز أن تزيد مجموع البدلات مهما تعددت على 100 في المائة من المرتب الأساسي". وهو الأمر الذي تم تجاوزه بأضعاف مضاعفة نتيجة التوسع في استحداث وزيادة البدلات للقضاة على مدار السنوات العشرين السابقة.

وأوضحت أنه نظراً لمنع مجلس القضاء لنادي القضاة من عقد جمعية عمومية طارئة لإعلان رفض هذه المستجدات ودراسة سبل مجابهتها، وعدم ظهور نتائج حتى الآن للمفاوضات مع وزارة المالية، بل تداول معلومات عن ضرورة احتساب الضرائب بأثر رجعي يمتد حتى يونيو/حزيران 2018 موعد صدور القانون الخاص بالشرائح الجديدة رقم 97 لسنة 2018، فإنه قد ظهرت العديد من الدعوات في أوساط مجموعات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الاتفاق على تخفيض حجم الإنجاز وإنهاء القضايا، وتقليل عدد الجلسات شهرياً، ومقاطعة اللجان الحكومية التي تتطلب حضور قضاة لإبرام العقود وإجراء المزايدات والمناقصات، وغيرها من المقترحات التي قوبلت بالرفض من معظم كبار القضاة، الذين دعوا في المقابل إلى اتخاذ إجراءات قانونية، تتمثل في الطعن على قرار وزارة المالية وقانون ضريبة الدخل ذاته.

وذكرت المصادر أن السيسي رد بهذه الإجراءات الجديدة على محاولة القضاة تأمين امتيازات أكبر لهم، من خلال صدور قرارات داخلية في هذه الهيئات بأحقية أعضائها بتقاضي آلاف الجنيهات الإضافية في صورة بدلات وحوافز مستحقة لهم أسوة بنظرائهم في هيئات أخرى، الأمر الذي سيكلف الدولة عشرات الملايين من الجنيهات في الميزانية لكل هيئة، والتي تحتسب رقماً واحداً، وهو ما سبق أن نشرته "العربي الجديد" في 20 أغسطس/آب الماضي.

مع العلم أنه كانت تجري منذ شهرين محاولات في الهيئات القضائية لاستغلال بعض الثغرات في قانون التأمينات الاجتماعية بعد تعديله العام الماضي، لزيادة رواتب القضاة بأثر رجعي، مما أزعج السيسي كثيراً، وهو الذي كان قد اتخذ معظم القرارات الخاصة بإعادة تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية وإعادة تشكيل المجلس الأعلى لأهداف عديدة، تأتي على رأسها رغبته الشخصية في خفض الإنفاق العام على القضاة، وكذلك فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية، نظراً لعدم ارتياحه منذ سنوات لتفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق مخصصات أعلى المسؤولين الحكوميين بالجيش أو الشرطة نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم بالسلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم.

ومن المقرر أن يحقق المجلس الأعلى للهيئات القضائية بعد تنظيمه رسمياً بقانون سيصدر في الدورة البرلمانية الحالية، رغبة السيسي في خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية ومجلس الدولة تحديداً، وسيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى بناء على الترقيات التي يحدد هو شروطها، مع حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات كما كان يحدث في السنوات الست الماضية، وذلك نظراً لتملص القضاة المستمر من القيود المالية التي وضعها السيسي والممثلة في قانون الحد الأقصى للأجور وخفض جهات انتداب القضاة للعمل كمستشارين للحكومة وتطبيق الدفع والتحصيل الإلكتروني، واستمرار محاولتهم إخفاء مخصصاتهم عن الرقابة. وهو ما كان أيضاً تحت بصر واضعي المشروع عند النص في المادة التاسعة على أن "يضع المجلس الأعلى قواعد ندب أعضاء الجهات والهيئات القضائية"، ما يعني أن هذه القواعد ستطبق على جميع الهيئات ولن تعود كل هيئة مختصة بشؤون أعضائها في هذا الشأن.