30 عاماً على حرب الشيشان الأولى... طغيان سقوط الأسد

11 ديسمبر 2024
نصب ضحايا حرب الشيشان بغروزني، 26 يوليو 2019 (أليكساندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الحرب الشيشانية الأولى في 1994 بعد مرسوم من الرئيس الروسي يلتسين، متوقعة سيطرة سريعة على الشيشان، لكنها تحولت لنزاع طويل الأمد مع خسائر كبيرة، ولم تتم السيطرة الكاملة إلا في الحرب الثانية تحت حكم بوتين.

- التدخل الروسي في سوريا 2015 أثار تساؤلات حول تطبيق النموذج الشيشاني هناك، حيث أشار الباحث أندرييف إلى أن النفوذ الروسي لم يكن كافياً لفرض رؤية موسكو على الأسد، بعكس نجاح النظام الشيشاني في السيطرة.

- الخبير سيميونوف أكد أن إرسال القوات الفيدرالية للشيشان كان خطأ، حيث كان يمكن تسوية الأمر سلمياً، وانتهت الحرب الأولى باتفاقيات خاسافيورت، بينما حصلت الشيشان على استقلالية ودعم مالي في الحرب الثانية.

في مثل هذا اليوم قبل 30 عاماً، فوجئ سكان روسيا بانقطاع البث في التلفزيون الروسي لإذاعة نشرة إخبارية عاجلة، مفادها شنّ القوات الروسية عملية عسكرية في جمهورية الشيشان ذاتية الحكم، وذات الأغلبية المسلمة، في شمال القوقاز الروسي، التي عانت نزعة انفصالية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي (1917 ـ 1991). هكذا بدأت الحرب الشيشانية الأولى في 11 ديسمبر/كانون الأول 1994 التي تحل ذكراها اليوم الأربعاء، بعد يومين على توقيع الرئيس الروسي آنذاك، بوريس يلتسين، على المرسوم رقم 2166 "حول إجراءات منع نشاط العصابات المسلحة الخارجة عن القانون على أراضي الجمهورية الشيشانية وفي منطقة النزاع الأوسيتي - الإنغوشي".

وكانت موسكو تتوقع أن تبسط سيطرتها على الإقليم الانفصالي سريعاً، ولكن ذلك لم يتحقق، بل دخلت في نزاع طويل الأمد تحوّل إلى خسارة سياسية وأثار ردود أفعال غاضبة داخل روسيا، نظراً لسقوط آلاف القتلى والمفقودين في صفوف القوات الروسية. ولم تتمكن روسيا من السيطرة التامة على جمهورية الشيشان إلا أثناء حرب الشيشان الثانية في عهد الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، بتعيين أحمد قديروف، الذي انحاز إلى جانب السلطات الروسية بعد بدء الحرب الثانية في عام 1999 (انتهت في عام 2009)، حاكماً للشيشان، إلى أن تم اغتياله في عام 2004. وفي عام 2007، قرر بوتين تعيين رمضان قديروف، نجل أحمد، رئيساً للجمهورية التي أصبحت تُعرف بأنها أكثر أقاليم روسيا ولاء للكرملين وتأييداً لسياسات حزب روسيا الموحّدة الحاكم. وحظيت الشيشان خلال فترة حكم بوتين بدعم مالي ضخم من الميزانية الفيدرالية وتمت إعادة إعمارها، لتبدو عاصمتها غروزني وكأنها لم تشهد أي حروب.


أندريه أندرييف: أحمد قديروف ومن بعده رمضان نجحا في ما فشل فيه الأسد

التدخل الروسي في سورية

مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية عام 2015، أثيرت تساؤلات كثيرة حول قدرة روسيا على فرض النموذج الشيشاني للتسوية، لجهة تحقيق نصر عسكري على فصائل المعارضة، ثم الشروع في حل سياسي وإعادة دمج المسلحين السابقين تحت راية الجيش النظامي. إلا أن كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أوضح أن النفوذ الروسي في سورية لم يصل إلى حد يمكنه من فرض رؤية موسكو على حليفها، بشار الأسد، الذي عجز على عكس آل قديروف عن السيطرة على منظومتي الحكم والجيش.

وقال أندرييف في حديث لـ"العربي الجديد": "سورية ليست إقليما روسياً حتى تفرض موسكو رؤيتها فيها، ولكنها منحت الأسد مهلة امتدت لنحو عقد لم يستثمرها لإجراء إصلاحات أو إعادة بناء الجيش، بل فشل في ذلك فشلاً ذريعاً. في نهاية الأمر، قال الشعب السوري كلمته، ولم يبدِ الجيش السوري أي مقاومة دفاعاً عن الأسد حتى مقارنة مع العقيد الليبي، معمر القذافي، الذي حافظ أنصاره على ولائهم له حتى مقتله في خريف عام 2011". وجزم أندرييف أن النظام السياسي القائم في الشيشان اليوم مختلف عن نظام الأسد، مضيفاً أن "أحمد قديروف ومن بعده رمضان نجحا في ما فشل فيه الأسد من جهة الإبقاء على الوحدات الشيشانية تحت سيطرتهما"، مستشهداً في ذلك بامتثالها للأوامر وتشارك في أعمال القتال في أوكرانيا من دون حدوث انشقاقات على غرار الجيش السوري بصورته السابقة.

وبالعودة إلى ملابسات اندلاع حرب الشيشان الأولى، قال أندرييف: "لا يمر تفكك دولة بحجم الاتحاد السوفييتي من دون تشنجات مثل حرب الشيشان الأولى وحرب الشيشان الثانية، ونظر المواطنون إلى الحرب الأولى على أنها فاجعة وحرب أهلية بين مواطنين روس على واقع انقسام الشيشانيين بين من أبدوا ولاءهم للانفصاليين وآخرون للسلطة الفيدرالية". ومع ذلك، أقر أن سوء إدارة الأزمة من قبل الرئيس الروسي آنذاك، بوريس يلتسين، فاقم الفاجعة، وقال: "كان الجيش الروسي بحالة يرثى لها، وتم الاعتماد على أفراد الخدمة الإلزامية من تلاميذ المدارس بالأمس القريب، وهذا فعلياً رسخ العقد الاجتماعي القائم حالياً على عدم إرسال العسكريين غير المحترفين إلى الجبهات، وسرّع وتيرة إصلاح الجيش حتى يعتمد على مستوى تدريب الجنود وليس على أعدادهم".

من جهته، لفت الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، إلى الاختلاف الجوهري بين الحالتين الشيشانية والسورية من جهة أن النظام الفيدرالي القائم في روسيا أتاح الحفاظ على سيادة موسكو على هذه الجمهورية، مع منحها درجة عالية من الاستقلالية. وأضاف سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشيشان مرت بحربين مدمرتين واختبارات قاسية، رسخت لدى سكانها القناعة بضرورة تجنب تكرار مثل هذه الأحداث، فأصبحوا يدينون بالولاء لروسيا الاتحادية مع تمتعهم بدرجة عالية من الاستقلالية في إطار النظام الفيدرالي القائم في روسيا". واعتبر أن المقارنة بين الحالتين الشيشانية والسورية غير دقيقة من أساسها، مقراً في الوقت نفسه بأن سورية كان يمكنها اعتماد تجربة أشبه بنموذج الجزائر، التي شهدت سنوات من الاقتتال الداخلي، ثم تمكنت من عزل المسلحين الأكثر راديكالية مع توحيد القوى المعتدلة تحت راية الدولة.


كيريل سيميونوف: إرسال القوات الفيدرالية إلى الشيشان في عام 1994 كان خطأ

أخطاء حرب الشيشان

ومع ذلك، جزم سيميونوف أن إرسال القوات الفيدرالية إلى الشيشان في عام 1994 كان خطأ، مضيفاً: "لم يكن قر ار إرسال القوات مبرراً، إذ كانت هناك إمكانية لتسوية الأمر سلمياً مع زعيم الانفصاليين، جوهر دوداييف، الذي لم يكن يرفض التفاوض مع يلتسين، ولكن صوت طواغيت المال انتصر، أي ممن سعوا لإثراء أنفسهم عبر هذه الحرب وما تخللها من وقائع إهدار أموال مخصصة لإعادة إعمار الشيشان". وأوضح سيميونوف أن حرب الشيشان أدت دوراً في تكوين المشهد العام في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي لم تُمحَ آثاره حتى اليوم، قائلاً: "رهاب الإسلام الذي لا يزال يعانيه المجتمع الروسي، هو نتيجة مباشرة لأعمال المسلحين والجهاديين الشيشانيين ممن لجأوا لاستخدام أساليب الإرهاب ضد الدولة الروسية، مما أثر سلباً على صورة الإسلام والمسلمين في روسيا".

استمرت حرب الشيشان الأولى حتى 31 أغسطس/آب 1996 الذي شهدت فيه مدينة خاسافيورت الواقعة في جمهورية داغستان، شمالي القوقاز، على الحدود مع الشيشان، توقيع اتفاقيات قاضية بإنهاء الحرب من دون تسوية نهائية. وبعد مفاوضات استمرت ثماني ساعات، وقّع أمين مجلس الأمن الروسي آنذاك، الجنرال ألكسندر ليبيد، وزعيم المسلحين الشيشانيين أصلان مسخادوف، على اتفاقيات أسفرت عن توقف أعمال القتال وسحب القوات الفيدرالية الروسية من الشيشان وتأجيل البت في مسألة الوضع القانوني للإقليم حتى نهاية عام 2001.

وبموجب الوثائق الموقّعة، اتفق الطرفان على الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها والانطلاق من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحريات المدنية والسياسية. وعقب إبرام اتفاقيات خاسافيورت، أصبحت الشيشان جمهورية مستقلة فعلياً من دون أن يعترف بها أي بلد في العالم، ولم تستقر الأوضاع فيها، كما لم تتم إعادة إعمارها. وفي عام 1999، أسفر دخول المسلحين الشيشانيين إلى داغستان عن توقف التزام الطرفين بالاتفاقيات، وبدء حرب الشيشان الثانية وفرض نظام عملية مكافحة الإرهاب في الشيشان الذي لم يتم إلغاؤه إلا في عام 2009. وعلى أثر حرب الشيشان الثانية، منحت الجمهورية المتمردة درجة كبيرة من الاستقلالية ونالت دعماً مالياً هائلاً، وتسنت إعادة دمج قسم من الانفصاليين السابقين وانضمامهم إلى القوات الموالية لموسكو تحت قيادة قديروف.

المساهمون