3 مشاهد تحبط التفاؤل بانفراجة حقوقية في مصر

3 مشاهد تحبط التفاؤل بانفراجة حقوقية في مصر

21 أكتوبر 2020
تعاظمت خطورة الحبس الاحتياطي في مصر (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

على العكس من روح التفاؤل التي سادت بعض الأوساط الحقوقية والسياسية في مصر، بقرب حصول انفراجة في أوضاع المعتقلين والسجناء، بعد توالي قرارات إخلاء السبيل لعدد من المعتقلين في قضايا سياسية خلال الأيام العشرة الأخيرة، يبدو النظام المصري مصرّاً على المضي قدماً في توسيع خصومته مع المعارضين، واستخدام أذرعه الأمنية والقضائية للتنكيل بهم داخل السجون وخارجها. وشهدت الفترة نفسها التي توالت فيها قرارات إخلاء السبيل، ومنها للناشط والإعلامي شادي أبو زيد، الذي أخلي سبيله بعد عامين ونصف تقريباً من الاعتقال وإلغاء قرارين سابقين لإخلاء سبيله، بعض الأحداث التي أعطت إشارات معاكسة تماماً لروح التفاؤل.
دعاء خليفة وتنسيقية "شعبان"
على مستوى ملاحقة المعارضين، علم "العربي الجديد" أن العضو السابقة في حركة "تمرد"، دعاء خليفة، معتقلة في سجن القناطر، وتمّ تجديد حبسها مرةً واحدة حتى الآن. وجرى ضمّ خليفة إلى القضية 880 لسنة 2020 الخاصة بالدعوة للتظاهر في الحراك الشعبي في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، على الرغم من أنها لم تكن مشاركة فيه من قريب أو بعيد، بل هي فشلت في تسوية الخلافات التي عصفت بعلاقتها بالضابط النافذ بدائرة السيسي، أحمد شعبان
فبين نهاية أغسطس/ آب وبداية سبتمبر الماضيين، وعلى مدار خمسة أيام، طفت على السطح أزمة كاشفة لظاهرة السيطرة المطلقة لشعبان وأذرعه على اختيارات الفئة الأكثر أهمية من مرشحي مجلسي النواب والشيوخ. يومها اتهمته دعاء خليفة بتعمد الإساءة لها، ومنعها من الانضمام لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التي أنشأها، حتى لا تتمكن من العودة للعمل السياسي.

لا يزال الضابط أحمد شعبان المتحكم الأول في إدارة الملف السياسي، هو ونجل السيسي محمود

ونشرت خليفة آنذاك منشورات ومقاطع فيديو عدة، على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، اتهمت فيها شعبان بالتسلط وحجب الحقائق عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسعي إلى تعيين المقربين منه في مجلس النواب من دون اعتبارات للكفاءة. وضربت خليفة أمثلة عدة لذلك، قبل أن تعود وتحذف جميع ما نشرته، وحتى مقاطع الفيديو، وتنشر مقطعاً آخر تزعم فيه أن "الصفحة كانت مخترقة"، في تعبير واضح عن حجم الضغوط التي مورست عليها. ومن بين تلك الضغوط، إصدار بيان رسمي من تنسيقية الشباب وإذاعته في وسائل الإعلام الرسمية، يتهمها بالافتقاد لحسن السمعة، وارتكاب مخالفات مالية وأخلاقية.
وبحسب مصادر حزبية مطلعة وقريبة الصلة بـ"تنسيقية الشباب"، فإن خليفة ألقي القبض عليها منذ ثلاثة أسابيع. وكانت في البداية تتوقع تحريك قضية منفصلة ضدّها باتهامها بإساءة استخدام مواقع التواصل ونشر الشائعات، لكنها فوجئت بإدراجها على قائمة الاتهام في قضية الحراك الشعبي، وبالانتماء لجماعة محظورة، والدعوة للتظاهر وغيرها من الوقائع. ومُنعت خليفة من التواصل مع محاميها، حيث اعتقلت في بيتها بالدقهلية من بين أطفالها، ومثلت ثلاث مرّات أمام نيابة أمن الدولة العليا في جلسات خاصة عقدت فجراً. وأودعت سجن النساء مباشرةً، على الرغم من أن المعتاد مع المعتقلات في هذه القضايا إبقاؤهن خلال فترة الحبس الاحتياطي في تخشيبة أيّ من الأقسام القريبة من مقر نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة الجديدة.
وذكرت المصادر أن موقف خليفة أسوأ بكثير من موقف المحامي طارق جميل سعيد (نشر فيديو عن تجاوزات مجلس النواب)، الذي استطاع النجاة من اعتقال بلا أجل مسمى، بسبب علاقات والده وقدرته على دفع مبلغ مالي كبير يبلغ 300 ألف جنيه (حوالي 19 ألف دولار) على سبيل الكفالة. كما أن مقطع الفيديو الذي نشره طارق لم يتطرق فيه بشكلٍ صريح لذكر اسم أحمد شعبان، الذي يَمنع جميع وسائل الإعلام المحلية من نشر اسمه وصورته في أي مناسبة، حتى ولو كانت رسمية. في المقابل، تخطت خليفة هذا الخط الأحمر الشائك، فلم تكتف بالتعريض بشعبان وذكر مساوئ تحكمه في المشهد السياسي للرأي العام. ونشرت صوراً لمحادثات خاصة بينها وبينه، كان يتعهد لها فيها باختيارها ضمن أعضاء التنسيقية شأن بعض زملائها بحركة "تمرد" كمحمود بدر ومحمد عبد العزيز، المرشحين على رأس القائمة الموحدة التابعة للنظام في انتخابات مجلس النواب.
وابتعد شعبان، في الفترة الأخيرة، عن التحكم المباشر في وسائل الإعلام، وأشيعت أنباء عن إبعاده عن السلطة نهاية العام الماضي، لكن الحقيقة التي سبق أن أكدها "العربي الجديد"، نقلاً عن مصادر مختلفة في ديسمبر/ كانون الأول ويوليو/ تموز الماضيين، هي أنه لا يزال المتحكم الأول في إدارة الملف السياسي، رفقة نجل السيسي، ضابط الاستخبارات، محمود. كما أن شعبان لا يزال المسؤول عن مجموعة من الأنشطة الرئيسية للنظام، ومنها "التنسيقية" التي لا يتجاوز عمرها العامين، وبات لها ممثلون في جميع التشكيلات الحكومية رفيعة المستوى، من دون ظهور أي عمل أو نشاط لها على الأرض. ويأتي ذلك بالإضافة إلى تحكم الأخير عبر وسطاء، في هيكلة ومحتوى الإعلام الرسمي والخاص، الأمر الذي يتسبب حالياً في عاصفة من الانتقادات تُوجه إلى وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، الذي فشل في انتزاع اختصاصاته من الاستخبارات.
ويتعارض هيكل تنسيقية شعبان، والتي تتخذ عبارة "السياسة بمفهوم جديد" شعاراً لها، مع الممارسة السياسية بمعناها الحقيقي والتواصل مع الجماهير. تأسست "التنسيقية" ككيانٍ مركزي تابع لمكتب مدير الاستخبارات، من دون تنظيم إداري أو تنفيذي واضح. ومن خلال التواصل المباشر المستمر مع أكثر من 25 حزباً لا تمتلك القواعد الشعبية الكافية، تتمكن التنسيقية من ضمّ أعداد محدودة من الشباب أعضاء تلك الأحزاب، بعد اختيارهم بعناية واجتيازهم الفحص الأمني والاستخباري، ونجاحهم في الدورات اللازمة في الأكاديمية الوطنية للشباب، ليصبحوا من أعضائها.

حملة اعتقالات
وتعميماً للرسالة المقصودة من اعتقال دعاء خليفة، وأيّ شخص يلجأ إلى التعبير عن موقف سياسي بشكل فردي خارج عن تعليمات أجهزة السيسي، شنّت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي حملة اعتقالات جديدة في حيّ البساتين وبعض قرى مركز أطفيح في الجيزة. واستهدفت الحملة العشرات من المواطنين الذين بثّوا مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهرات الشعبية الشهر الماضي. وحصل ذلك بعد تتبع آلاف الحسابات والصفحات التي تداولت تلك المقاطع، حيث تمّ إدراج جميع المعتقلين على ذمّة القضية 880 لسنة 2020، وأضيتت لهم اتهامات خاصة تزعم تعاونهم مع وسائل إعلام "معادية" وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن مجموع معلومات من مصادر حقوقية مختلفة، رصدت "العربي الجديد" أن الأعداد التي عرضت حتى مساء أول من أمس الإثنين على ذمّة القضية على نيابة أمن الدولة العليا، تجاوزت 2130 شخصاً. وصدرت قرارات جماعية بحبسهم على ذمة التحقيقات، عدا نحو 90 من الأطفال وكبار السن أُخلي سبيلهم، بينما رفضت النيابة إخلاء سبيل البقية. كما لا تزال هناك أعداد أخرى غير معروفة من المعتقلين، لم يتم عرضهم على النيابة.
مشروع "ملغوم"
وفي ما يتعلق بأوضاع المحبوسين، وتحت ستار التحديث وتسريع إجراءات التقاضي، دشنت الحكومة أول من أمس، مشروعاً جديداً لتجديد حبس المتهمين عن بعد عبر تقنية "فيديو كونفرانس"، وسط ترويج إعلامي من وزارتي العدل والاتصالات لفوائد المشروع، ولكونه الخطوة الأولى في طريق التقاضي عن بعد. ويقوم المشروع على أن يبقى المتهمون داخل السجون في قاعة خاصة، يتواصلون من خلالها مع هيئة المحاكمة المنعقدة في قاعة مشابهة بالمحكمة، مع السماح بحضور المحامين داخل قاعة المحكمة.

اعتقال عشرات المواطنين الذين بثّوا مقاطع فيديو لتظاهرات الشهر الماضي

وربما للوهلة الأولى، يعتبر البعض هذا المشروع إيجابياً، لكن وبالتطبيق العملي على الواقع في مصر والعدد الضخم فيها من المعتقلين المحبوسين احتياطياً، فإن النظام الجديد سيتحول إلى نقمة وأداة لتنكيل أكبر بهم.
ففي ظلّ التراجع الدائم لاحتمالات إخلاء سبيل المتهمين بقرارات المحكمة، خصوصاً في القضايا ذات الطابع السياسي، والتي تضم مئات المتهمين شبه المتطابقين في أوضاعهم القانونية، بات المحامون والمتهمون يعتبرون جلسات نظر تجديد الحبس هي المتنفس الوحيد لهم للقاء بعضهم البعض، وكذلك رؤية ذويهم الذين يحضرون الجلسات بصعوبة. ويأتي هذا المتنفس لا سيما في فترة جائحة كورونا التي حُرم فيها المحبوسون من الزيارات لأكثر من 5 أشهر، ثم عادت بصورة قاصرة ومختصرة، وبتدابير احترازية تمنع التواصل المباشر وتعدد الزائرين. كما أن النظام الجديد لن يصب إلا في مصلحة الأمن. فمع الزيادة الكبيرة لعدد المحبوسين احتياطياً، خصوصاً في القضايا السياسية، سيساهم تجديد الحبس عن بعد، في توفير الجهد الأمني المبذول والتكاليف المالية لتنظيم دوريات نقل المتهمين بين السجن والمحكمة.
ووفقاً لمحامين، تكتظ السجون المصرية بنحو 1700 حالة، تم رصدها، لمحبوسين احتياطيين تخطّوا المدة القصوى للحبس الاحتياطي، وهي سنتان، علماً بأن القانون يستثني فقط من قاعدة الحد الأقصى المحبوسين الذين سبق الحكم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد عند نظر قرارات حبسهم أمام محكمة النقض أو الإعادة.
وعلى الرغم من النص الصريح على ذلك، فإن المحاكم والنيابة العامة كانت تطبقه على نحو مخالف منذ تعديله في عهد رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور إلى الصيغة المطبقة حالياً، بادعاء أنه يسمح بفتح مدد الحبس الاحتياطي لأي شخص وُجهت إليه اتهامات يعاقب القانون عليها بالإعدام أو السجن المؤبد. وبالتالي انتحلت دوائر نظر استمرار الحبس صفة محكمة النقض ومحكمة الجنايات في مرحلة الإعادة. وتعاظمت خطورة الحبس الاحتياطي مفتوح المدة وأثره الداهم على حرية الأفراد، في ظلّ إفراط النظام في اتباعه بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، ليتحول من إجراء تحفظي وتدبير مؤقت يهدف في الأساس لمنع التأثير على مجريات القضية أو هروب المتهم، إلى عقوبة بحد ذاته.

المساهمون