ماكرون يدافع عن المشروع الأوروبي وعينُه على الانتخابات

ماكرون يدافع عن المشروع الأوروبي وعينُه على الانتخابات

05 مارس 2019
ماكرون يخطب ودّ الأوروبيين (سيلفان لوفيبر/ Getty)
+ الخط -

قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الإثنين، سلسلة من المقترحات للاتحاد الأوروبي، وذلك قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الأوروبية، في مقال موجه إلى مواطني الاتحاد ونشر في الدول الأعضاء الـ28.


وفيما تركز المقال بعنوان "من أجل نهضة أوروبية"، ونشرته كبرى الصحف الأوروبية، على ثلاث قضايا أساسية كانت محور حملته للانتخابات الرئاسية في 2017: الحرية والحماية والتقدم، ليس ثمة شكّ بأن توجه الرئيس الفرنسي إلى مواطني دول الاتحاد بهذه الطريقة المباشرة يستحق التنويه، إذ فيه جرأة كبيرة، ويكشف عن إيمان الرجل بمستقبل الاتحاد الأوروبي. ولكن الجرأة تتوقف عند هذا الحد، فقد كانت رسالته هذه أقل حدّة من خطاباته السابقة، التي يضع فيها تياره السياسي، الذي يسميه بالتقدمي في مواجهة التيار الشعبوي.

فقد حرص في رسالته على ألا يثير مثل هذه النقاشات، ولو أنه دافع عن المثال الأوروبي، الذي يجب حمايته، وعلى أن الاتحاد الأوروبي ليس "سوقاً من دون أرواح". بدأ الرئيس ماكرون حملته الانتخابية، أو يقترب من ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار أن حركته السياسية "الجمهورية إلى الأمام"، التي تتصدر استطلاعات الرأي إلى جانب "التجمع الوطني"، اليميني، لم تُعلن بعد قائمتها الانتخابية. ولكن رسالته التي نشرها بشكل واسع وتمت ترجمتها إلى 24 لغة أوروبية، تكشف أنه يمضي قدماً في الانتخابات، التي ستجري بعد أقل من ثلاثة أشهر، وأن على الآخَرين، من خصومه السياسيين أن يَحسبوا له الحساب.

وقد تناول الرئيس المواضيع الرئيسية التي تشغل النقاشات الداخلية داخل دول الاتحاد؛ ومنها ما هو إيكولوجي وما هو اقتصادي ثم ما هو أمني، بما فيه قضية الهجرة واللجوء.
يريد الرئيس أن يظهر بمظهر المدافع عن حماية البيئة، انسجاماً مع كون باريس عاصمة للمناخ، فيدعو إلى إنشاء "مصرف أوروبي للمناخ"، من أجل تمويل الانتقال الإيكولوجي، وإلى قوة صحّية أوروبية من أجل "تعزيز مراقبة" الموادّ الغذائية.

ودائماً في إطار حرصه على صحة مواطني الاتحاد الأوروبي، وهو موضوع تتصاعد أهميته بشكل متزايد، يرى أنّ من الواجب الحدَّ من استهلاك المبيدات بمستوى النصف، من الآن إلى سنة 2025، كما يدعو إلى "تقييم علمي مستقلّ للموادّ التي تشكل خطراً على البيئة".

ولم يفوّت ماكرون، والانتخابات الأوروبية على الأبواب، والقلق حاضرٌ بقوة من موضوع الهجرة التي تستغله بعض التيارات والأحزاب كفزاعة، أن يقترح "مراجعة شاملة وعميقة لفضاء شينغن"، وذلك من أجل إرساء الحرية في الأمن. وهنا يدعو الرئيس الفرنسي إلى إنشاء شرطة مشتركة للحدود، وأيضاً إنشاء مكتب أوروبي للّجوء، وواجبات صارمة للمراقبة يجب أن تشارك فيها كل البلدان الأوروبية، تحت سلطة مجلس أوروبي للأمن الداخلي.

ويحتل الأمن مسألة كبيرة في رسالة ماكرون، فيقترح "إنشاء مجلس الأمن الأوروبي في شراكة مع المملكة المتحدة". ويرى أن على الاتحاد الأوروبي أن تكون له "معاهدة للدفاع والأمن"، تقوم بتحديد واجبات بلدان الاتحاد الأوروبي في ارتباط مع حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والحلفاء الأوروبيين للاتحاد الأوروبي، وهذا يستوجب "زيادة الإنفاق العسكري وإضافة بند دفاع مشترك يصبح عملياتياً، وإنشاء مجلس أوروبي يضم إليه المملكة المتحدة".

ووعياً منه بأهمية سياسة التنافس داخل بلدان الاتحاد الأوروبي، ينادي الرئيس ماكرون بإصلاح هذه السياسة، آملاً بإرساء "الأولوية الأوروبية" في مواجهة قوى أجنبية، على رأسها الصين والولايات المتحدة الأميركية. ويشدد على أن حدود الاتحاد الأوروبي يجب أن "تؤمّن تنافُساً عادلاً"، متوعداً بـ"معاقبة أو حظر الشركات التي تشكل ضرراً على مصالحنا الاستراتيجية وعلى قِيَمها الأساسية".



وأخيراً يدعو الرئيس الفرنسي إلى إنشاء "وكالة أوروبية لحماية الديمقراطيات"، تكون مكلَّفة بـ"حماية الانتخابات في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من الهجمات السيبرانية ومن التلاعبات"، وهو ما يستوجب "إقصاء كل خطابات الكراهية والعنف، من الإنترنت، عبر قواعد أوروبية". وفي هذا الإطار يدعو إلى "حظر تمويل الأحزاب السياسية الأوروبية من طرف قوى أجنبية".

وإذا كان أنصار ماكرون صفقوا لرؤية هذه الرسالة الرئاسية، التي ستحاول الحملة الانتخابية لحركة الرئيس استلهامها والدفاع عن نقاطها القوية، من أجل تحقيق انتصار كبير لرئيس جمهورية، يرى الكثيرون في فرنسا أن الناخبين سيصوّتون في هذه الانتخابات إما مع الرئيس وإما ضده، وخاصة أن حركة "السترات الصفراء" مرت من هنا، إلا أن المعارضة، باختلاف ألوانها، رأت فيها استعادة لمواضيع سابقة، وأنه من السهل القول لا الفعل. وثمة من عاب عليه عدَم إشارته إلى ملف الفلاحة، في الوقت الذي قضى فيه 14 ساعة متواصلة في معرض الفلاحة في باريس.

وفي هذا الصدد، قال الباحث إليامين ستّول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجدّة توجد في الشكل، أي في استخدام وسيلة الرسالة، لا في الاقتراحات التي سمعناها كثيراً من قبل. سواء من تيارات سياسية أخرى أو من فم الرئيس"، مضيفاً أن "إصلاح فضاء شينغن، هو مطلب كثير من الأوروبيين ويشكل سجالاً فرنسياً داخلياً، منذ فترة طويلة، وقد ركز عليه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، كما أنه مطلب ملحّ من قبل اليمين الحاكم في إيطاليا، منذ وصوله للسلطة، ولكن لا أحد يعرف كيف سيتم هذا الإصلاح، الذي يريد الرئيس ماكرون إدماج رومانيا فيه".

كما أن الرئيس يستعيد قضيةً أَثيرة لدى بعض تيارات اليمين الأوروبي، وتتعلق بـ"الأولوية الأوروبية"، وهو ما يجعله في مواقف هذه التيارات اليمينية، ويجعل برنامجه لا يختلف كثيراً عن برنامج حزب "الجمهوريون".



وليس مفاجئاً أن يصدر موقف قيادي يميني، فرانسوا كوبي، من حزب "الجمهوريين". فهذا السياسي الذي صرّح أثناء الإصلاحات الجذرية التي قام بها ماكرون في بداية ولايته، بأن ماكرون ينفّذ سياسة اليمين الفرنسي، عاد بعد نشر رسالة ماكرون، ليكتشفَ أن هذه الرسالة "كان يُنتَظر أن تصدر من اليمين الجمهوري"، وهو إقرارٌ بأن ماكرون يعزز جناحه اليميني.