المقاتلون الأجانب في "داعش": عودة غير مرحب بها

المقاتلون الأجانب في "داعش": عودة غير مرحب بها

19 فبراير 2019
عناصر يشتبه بانتمائهم لـ"داعش" مع عائلاتهم (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تحول موضوع استرداد الدول الأوروبية لرعاياها الذين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش" في سورية قبل اعتقالهم، والذين يقدر عددهم بـ800، فضلاً عن المئات من أفراد عائلاتهم، إلى نقطة خلافية جديدة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والدول الأوروبية التي يتحدرون منها. ترامب وباقي فريق إدارته كانوا واضحين على مدى الأسابيع الماضية، في مطلبهم من الدول استعادة المقاتلين لا سيما مع دخول المعارك ضد التنظيم مراحلها الأخيرة، وقد ظهر ذلك مراراً بما في ذلك خلال اجتماع الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد "داعش" الذي عقد في واشنطن أخيراً. كما استبق ترامب الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أمس الإثنين، لمناقشة عدد من الملفات بما في ذلك سورية، بالدعوة عبر تغريدة نشرها على موقع "تويتر" الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا، إلى إعادة مواطنيها المقاتلين المعتقلين في سورية إلى بلدانهم ومحاكمتهم، محذرا من أن الولايات المتحدة قد تضطر "للإفراج عنهم". وكتب ترامب في تغريدته مساء السبت أن "الولايات المتحدة تطلب من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والحلفاء الأوروبيين الآخرين استعادة أكثر من 800 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، أسرناهم في سورية من أجل محاكمتهم". وأضاف أن "الخلافة على وشك أن تسقط. البديل لن يكون جيدا لأننا سنضطر للإفراج عنهم".

ويثير احتمال ضغط الإدارة الأميركية على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تمكنت في السنوات الأخيرة من اعتقال مئات من هؤلاء المسلحين أثناء معاركها مع التنظيم في سورية، لإطلاق سراحهم، مخاوف الدول الأوروبية، لا سيما بعد تكرار مسؤولين في "قسد" المطلب نفسه من الدول الأوروبية بما في ذلك قول بسام اسحق، عضو المكتب السياسي في "مجلس سورية الديمقراطية"، الذي يعد الذراع السياسية لـ"قسد"، في حديث مع "العربي الجديد" إنه يتعين استرداد مسلحي داعش الأجانب الذين تم اعتقالهم من قبل الدول التي ينتمون إليها. بدوره، ذكر الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية/ عبد الكريم عمر، في حديث لوكالة "رويترز"، أن "قسد" لن تفرج عن مقاتلي "داعش"، لكنه اعتبر أن على الدول تحمل مسؤولياتها. وذكر أن نحو 800 مقاتل أجنبي محتجزون في السجون، إضافة إلى قرابة 700 زوجة و1500 طفل في مخيمات للنازحين، مشيراً إلى أن العشرات من المعتقلين وأقاربهم يصلون يومياً. ووصف المعتقلين بأنهم "قنبلة موقوتة"، ومن الممكن أن يفروا خلال هجوم على المنطقة.



مخاوف أوروبية

وبينما تؤكد الدول الأوروبية أنها تريد البحث عن حل للمشكلة، لكنها لا ترى أن هذا الأمر ممكن أن يتم بهذه السهولة، وفي مقدّمِها ألمانيا. وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير ليين، نقل عنها أمس الإثنين، قولها لصحيفة "بيلد" إنه "يجب أن يكون بإمكاننا ضمان إمكان ملاحقتهم قضائياً". وفي معرض تأكيدها الصعوبات التي تواجهها محاكمة المقاتلين السابقين، أشارت الوزيرة إلى عدم وجود "حكومة في سورية تربطنا بها علاقة معقولة". وأضافت أنه "لا يمكن (للرئيس السوري بشار) الأسد أن يكون نظيراً لنا. وقوات سورية الديموقراطية ليست منضوية في حكومة وحدة وطنية"، مشددة على ضرورة ضمان الحصول على أدلة وشهادات في سورية إذا كانت ستتم محاكمة المقاتلين.
وصرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بشكل منفصل لشبكة التلفزيون الألمانية "أيه آر دي"، مساء الأحد، قائلاً إنه لا يمكن تنظيم عودة المقاتلين المحتجزين في سورية "ما لم نتأكد من أن هؤلاء الأشخاص سيمثلون فوراً هنا أمام محكمة وسيتم احتجازهم". وأضاف أنه لهذا السبب، "نحتاج إلى معلومات قضائية وهذا لم يتوفر بعد"، مؤكداً أن إعادتهم في الظروف الحالية أمر "بالغ الصعوبة". وأوضح أن برلين تريد "التشاور مع فرنسا وبريطانيا (...) بشأن طريقة القيام بذلك".

من جهتها، بدت فرنسا أكثر صرامة في مواجهة طلب ترامب استعادة المقاتلين. وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، قالت أمس الإثنين، إن بلادها لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالي وستعيد المقاتلين على أساس مبدأ "كل حالة على حدة". وقالت بيلوبيه لقناة فرانس 2 التلفزيونية: "هناك وضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأميركي. ولن نغير سياستنا في الوقت الحالي... لن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب (ترامب)". بدوره، قال وزير الدولة الفرنسي للداخلية، لوران نونيز، إن المقاتلين "محتجزون لدى الأكراد، ونحن على ثقة تامة في قدرتهم على الإبقاء عليهم" رهن الاحتجاز. وأضاف: "في كل الأحوال، إذا عاد هؤلاء إلى التراب الوطني، فجميعهم لديهم إجراءات قضائية جارية وسيتم إعمال القانون وحبسهم". وتقضي سياسة الحكومة الفرنسية برفض استعادة المقاتلين وزوجاتهم رفضاً قاطعاً. وسبق أن أشار إليهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان باعتبارهم "أعداء" الأمة الذين يجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سورية أو العراق". لكن وزير الداخلية كريستوف كاستانير أعلن في أواخر يناير/ كانون الثاني أن انسحاب الولايات المتحدة من سورية أجبر فرنسا على الاستعداد لعودة عشرات المتشددين الفرنسيين. وتحاول باريس بالفعل إعادة القصّر على أساس مبدأ كل حالة على حدة.
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية المجري، بيتر سيجيارتو، إن عودة هؤلاء المقاتلين تمثل "أكبر التحديات التي تنتظرنا خلال الأشهر المقبلة". وأضاف، في تصريحات للصحافيين في بروكسل، أن "أفضل ما يمكننا القيام به الآن هو ألا نسمح لهم بالعودة إلى أوروبا".
وفي بلجيكا، طالب وزير العدل كين غينس بـ "حل أوروبي"، داعياً إلى "التفكير بهدوء والنظر في ما ينطوي على مخاطر أمنية أقل". وقال: "لدينا حالياً في شمال سورية خصوصاً أمهات وأطفال، لكن أيضاً بعض المقاتلين المعروفين".

توزع المقاتلين
تشير أرقام نشرتها وكالة "فرانس برس" إلى وجود 150 فرنسياً في شرق سورية بينهم 90 قاصرا ونحو 50 بالغاً، فضلاً عن مقتل نحو 300 مقاتل فرنسي في سورية على مدى السنوات الماضية.
وفي ما يتعلق ببلجيكا فإنه من أصل أكثر من 400 مقاتل بلجيكي توجهوا إلى سورية منذ 2012، كان حوالى 150 ناشطين في المنطقة السورية-العراقية في نهاية 2018. يُضاف إلى هؤلاء 160 طفلاً وفتى ولدوا لزوجين، أحدهما على الأقل بلجيكي. ويؤكد الموقف الرسمي البلجيكي أن السلطات تريد تسهيل عودة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات شرط إثبات أن أحد الأبوين بلجيكي. وتقول الحكومة: "بالنسبة إلى الآخرين، نقوم بدراسة كل حالة على حدة". أما بالنسبة إلى ألمانيا، فقد عاد ثلث الإسلاميين الذين سافروا إلى سورية أو العراق ويبلغ عددهم أكثر من 1050 متشدداً.

وفي ما يتعلق ببريطانيا، وبناء على أرقام تعود إلى يونيو/حزيران 2018، فإنه من أصل حوالى 900 متشدد بريطاني ذهبوا إلى العراق وسورية عاد نحو 400 معظمهم من النساء والأطفال. وقد لاحق القضاء أربعين منهم. وتطبق بريطانيا أيضاً برامج لمعالجة التطرف. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدرت السلطات البريطانية بمائتين عدد المقاتلين البريطانيين الذين ما زالوا موجودين في سورية والعراق. ووصف مسؤول في مكافحة الإرهاب عودة هؤلاء أخيراً "بالتهديد الرئيسي".
كذلك توجه حوالى 4500 مواطن روسي للقتال في الخارج "إلى جانب الإرهابيين"، كما قالت الاستخبارات الروسية مطلع 2018. وتورد السلطات الروسية أرقاماً متضاربة، في بعض الأحيان، عن هؤلاء العائدين. وتقضي استراتيجية الكرملين بقتلهم في الميدان. لكن روسيا تسعى إلى إعادة أبناء المقاتلين. وقالت خدا ساراتوفا، وهي مستشارة للرئيس الشيشاني رمضان قديروف، المكلف هذه المهمة، إن مائتي امرأة وطفل على الأقل أعيدوا، بينما ما زال حوالى 1400 طفل عالقين هناك. وبالنسبة إلى كوسوفو فقد توجه 300 من مواطنيها إلى سورية والعراق، ولا يزال 145 منهم، نصفهم من النساء والأطفال، هناك. وبموجب قانون جديد، يمكن أن يحكم على المقاتلين بالسجن بين خمس وعشر سنوات بعد عودتهم. وقد اختير نحو عشرين إماما لتنفيذ برنامج لمكافحة التطرف في السجون. كذلك التحق 145 مواطناً ألبانياً بمن فيهم نساء وأطفال، بمناطق الجهاديين بين 2012 و2014. وقد تأكدت وفاة 23 منهم بينما عاد 45، فيما طبّقت السلطات برامج لمكافحة التطرف تنص على مساعدات اقتصادية. وصدرت عقوبات وصلت إلى السجن 18 عاماً بحق من جندوا المقاتلين.
ولا يبدو الوضع أقل صعوبة في بلدان المغرب العربي وآسيا. ففي 2015، قدر عدد المغاربة في صفوف الجماعات المتشددة في العراق وسورية بأكثر من 1600. عند عودتهم، يتم بشكل منهجي توقيفهم ومحاكمتهم وسجنهم. وتتراوح العقوبات بالسجن بين عشر سنوات و15 سنة. وحتى منتصف 2018، أوقف أكثر من مائتي "عائد" وأحيلوا على القضاء.
في موازاة ذلك، توجه بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف تونسي للقتال في صفوف المتشددين في سورية والعراق وليبيا. ويثير موضوع عودة المتشددين إلى تونس جدلاً واسعاً. وسبق أن حدد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي استراتيجية للتعامل مع هذا الملف بقوله: "إذا كان هناك مقاتلون (...) يريدون العودة إلى تونس فالدستور يفرض قبول كل التونسيين، ولكن يجب أن يمروا عبر القضاء واحتمال السجن"، في إشارة واضحة إلى عدم الرغبة في تسهيل انضمامهم.
إلى ذلك، انضم 590 إندونيسياً إلى "داعش"، لا يزالون موجودين في سورية بحسب الحكومة الإندونيسية التي لم تذكر أي أرقام عن العراق. ويخضع المقاتلون العائدون لبرنامج لمعالجة التطرف، قبل أن يتم الإفراج عنهم مع إخضاعهم للمراقبة.

دلالات