أستراليا وإسرائيل: تنسيق عالٍ يفرضه اللوبي اليهودي

أستراليا وإسرائيل: تنسيق عالٍ يفرضه اللوبي اليهودي

12 يناير 2015
تُغضب مواقف الحكومة الأسترالية الجالية العربيّة (أرشيف فرانس برس)
+ الخط -

بدا تصويت أستراليا للوهلة الأولى ضدّ مشروع القرار الأردني في مجلس الأمن، والقاضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة في غضون عامين مستهجناً، إذ إنّها المرة الأولى التي تصوّت فيها هذه الدولة ضدّ أي مشروع، يُعرض في مجلس الأمن منذ اختيارها عضواً غير دائم في المجلس قبل عامين.

 لكنّ الخطوة الأستراليّة التي نُظر إليها في إسرائيل على أنّها "هديّة ثمينة"، تُعتبر ضمن السياق الطبيعي لنمط العلاقة السائد بين أستراليا والكيان الصهيوني. ووفق ما يقولونه في كانبرا وتل أبيب، فإنّ الحكومات الأستراليّة المتعاقبة تتجاوز في كثير من الأحيان، الانحياز الأميركي، وتزايد على بعض مواقف الإدارة الأميركية التي تنتقد بعض مظاهر السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.

وينقل الصحافي ومقدم البرامج الحواريّة، يعكوف إحمئير، أنّ "هناك إجماعاً داخل أستراليا على دعم إسرائيل، سواءً تولت مقاليد الأمور حكومة حزب "العمال" أو حكومة "المحافظين". ويوضح، في مقال نشره في صحيفة "ميكور ريشون" قبل أيام، أنّ "دعم أستراليا اللامحدود لإسرائيل يعود بشكل خاص إلى تأثير الجالية اليهوديّة الكبيرة الطاغي، والتي تمكّنت من تنظيم نفسها بشكل أسهم في إخضاع النخب السياسيّة في الحزبين الكبيرين لتوجّهاتها. لكن الأمر الأهم الذي يلفت إحمئير الأنظار إليه يتمثّل في حقيقة أنّ الأغلبية الساحقة من اليهود الأستراليين، يتبنّون مواقف اليمين الإسرائيلي، لا سيّما حزب الليكود الحاكم. ويشير إحمئير إلى أنّ الحكومة الأسترالية تضرب بعرض الحائط، مواقف الجالية العربية الكبيرة في هذه البلاد، على الرغم من تحذير قادة هذه الجالية الحكومة من مغبّة الاعتراض على المشروع الأردني.

ويستدرك إحمئير قائلاً إنّ اليهود الأستراليين باتوا قلقين من توجّهات الجالية العربيّة، وحرصها على تعزيز دورها وتأثيرها على الحكومة، من خلال إبداء ميل لمحاولة الضغط على الحكومة الأستراليّة، لإبداء موقف متوازن من الصراع. وما يشي بتجذّر العلاقات بين الجانبين، هو طابع التنسيق والتعاون بين القيادتين السياسيتين في كلّ من تل أبيب وكانبرا.

ويصل التنسيق والتعاون الوثيق بين أستراليا وإسرائيل، وفق ما تورده صحيفة "معاريف" الثلاثاء الماضي، إلى حدّ أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يحرص على إجراء اتصال هاتفي شهرياً مع رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت. وتشير الصحيفة إلى أنّ هذه الاتصالات تبحث، ضمن أمور أخرى، تنسيق الجهود ضد "الإرهاب" الإسلامي.

ولعلّ أكثر ما يدلل على عمق تأثير يهود أستراليا، الذين يتبنون مواقف الليكود، حقيقة أنهم أجبروا الحكومة الأسترالية على اتخاذ مواقف عدائيّة ضدّ القضيّة الفلسطينيّة، لم تقدم عليها حتى أحزاب في إسرائيل نفسها. فقد رفضت الحكومة الأسترالية، اعتبار الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 أراضيَ محتلة. وفي خلال نقاش جرى في يونيو/حزيران الماضي في مجلس الشيوخ الأسترالي، رفض المستشار القضائي للحكومة الأسترالية جورج برنديس، اعتبار الضفّة الغربيّة أرضاً محتلة، معتبراً أنّ استخدام مصطلح "الاحتلال" في الإشارة إلى هذه الأراضي "إشكالي وغير دقيق وغير مفيد". وفي معرض شرحه وجهة نظره، لم يتردّد برنديس في الإشارة إلى أنّه "ليس من الحكمة أن يتمّ إطلاق مثل هذا الوصف على مناطق تجري حولها مفاوضات".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ وزيرة الخارجيّة الأسترالية جولي بيشوف، نفت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن يكون هناك قانون دولي واحد يعتبر المستوطنات اليهوديّة المقامة في الضفّة الغربيّة "غير قانونية".

وفي الإطار ذاته، أقدم السفير الأسترالي في إسرائيل دييف شرما، العام الماضي، على خطوة لم يقدم عليها أي سفير دولة أجنبية حتى الآن، عندما التقى وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرئيل في مكتبه في القدس الشرقية، مع العلم أنّ السفراء والمسؤولين الأجانب الذين يزورون إسرائيل عادة ما يلتقون ممثلي إسرائيل في القدس الغربيّة، على اعتبار أنّ عقد لقاءات رسميّة في القدس الشرقيّة، يعني اعترافاً ضمنياً بشرعيّة احتلال إسرائيل لها. ويكتسب لقاء السفير الأسترالي مع أرئيل دلالة خاصة، لانتماء الأخير إلى حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثّل اليمين الديني المتطرّف في الحكومة، علاوة على أنّه شخصياً المسؤول عن تنفيذ مشاريع الاستيطان والتهويد في الضفّة الغربيّة والقدس المحتلة.

ولعلّ أكثر ما يفضح الانحياز الأسترالي المشين لإسرائيل، هو ما كتبه وزير الخارجية الأسترالي السابق بوب كار في مذكراته، التي صدرت قبل أشهر، بعنوان "يوميات وزير خارجيّة". ويؤكّد كار في هذه المذكرات، أنّ مواقف حكومته من الصراع العربي الإسرائيلي "مخجلة"، إذ يتمّ تنسيقها بشكل مسبق مع حزب الليكود، موضحاً أنّه "تحت ضغط المنظمات اليهوديّة، أُجبرت الحكومة الأستراليّة على اتخاذ قرارات معادية للفلسطينيين والعرب، تشجع الحكومة الإسرائيلية على المضي في سياساتها العنصريّة".

ويهاجم كار رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة جوليا جيلارد، التي تنتمي إلى حزب "العمال"، والتي كان عضواً في حكومتها، مشيراً إلى أنها تتبنى المواقف الليكوديّة بشكل أعمى. ويشير إلى أنها كانت أسيرة للوبي اليهودي المساند لإسرائيل، "هاميد"، مشيراً إلى أنّه كان لليكوديين تأثير طاغ على ديوان جيلارد. ويكشف كار أن الأخيرة كانت تعترض على أي صيغة بيان، تتضمّن ولو تعبيراً عن القلق تجاه السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، خشية أن يتوقف اليهود عن التبرّع لحملتها الانتخابية، ويقول إنّه صُعق عندما أبلغه مسشارو جيلارد بأنّ عليه التشاور مع السفير الإسرائيلي في كانبرا قبل إصدار أيّ بيان يتعلّق بإسرائيل.

المساهمون