قوات الوفاق تستعيد طرابلس: نهاية مغامرات حفتر الفاشلة

قوات الوفاق تستعيد طرابلس: نهاية مغامرات حفتر الفاشلة

05 يونيو 2020
فرضت قوات الوفاق سيطرتها على مطار طرابلس القديم(حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
استعادت قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، أمس الخميس، السيطرة على كامل العاصمة طرابلس، لتطوي بذلك قصة أكثر من عام من الفشل، حاول خلاله اللواء المتقاعد خليفة حفتر اقتحام العاصمة بدعم سخي من حلفائه، ولا سيما القاهرة وأبوظبي. وعلى وقع هذه التطورات الميدانية المتسارعة، كان الماراثون السياسي متواصلا في سبيل إيجاد حلّ للأزمة الليبية، ولا سيما بعد إعلان الأمم المتحدة استئنافها محادثات وقف إطلاق النار مع طرفي الصراع في إطار لجنة "5+5" التي تضم 5 مسؤولين عن كل طرف، وذلك بدءاً بعقد اجتماع مع الفريق التابع لحفتر. وتبدو عودة حفتر اليوم إلى المسار السياسي بعدما كان يصرّ على الحل العسكري، الخيار الوحيد المتاح له في ظلّ الخسائر الكبيرة التي لحقت بمليشياته أخيراً فضلاً عن الضغوط التي يتعرض لها من داخل معسكره وحتى من داعميه الإقليميين.
وبعدما كانت قوات الوفاق قد أعلنت مساء الأربعاء، استعادة مطار طرابلس الدولي جنوبي العاصمة بشكل كامل، بعد عام من سيطرة مليشيات حفتر عليه، أعلنت صباح أمس الخميس، استعادة طرابلس بالكامل بعد اكتمال السيطرة على منطقتي عين زارة ووادي الربيع جنوباً وتقدمها داخل قصر بن غشير، ودخولها إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة جنوب شرق العاصمة، وهي آخر مدينة غربي ليبيا تحت سيطرة مليشيات حفتر.
وقال المتحدث باسم قوات الوفاق محمد قنوقو، بحسب ما أوردت صفحة عملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة على فيسبوك، إنّ قوات الوفاق سيطرت على كامل الحدود الإدارية لمدينة طرابلس الكبرى، فيما أكد الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" مصطفى المجعي لوكالة "الأناضول"، أنّ "طرابلس تم تحريرها وتأمينها بالكامل، والوصول إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة"، جنوب شرق العاصمة. وأضاف الجمعي: "قواتنا أصبحت الآن تحاصر ترهونة، وأغلب مليشيا حفتر غادرت المدينة باتجاه الجنوب، خاصة الكتائب التي يعود أصل أغلب أفرادها للشرق الليبي". وأضاف أنّ قوات الوفاق بسطت سيطرتها أمس، على مهبط للطيران العمودي في ضواحي ترهونة، كانت تستخدمه مليشيات حفتر لقصف الأحياء السكنية.

وفيما ساد الصمت لدى معسكر حفتر ومليشياته حيال الهزائم الأخيرة، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر عسكري في مليشيات حفتر أنّ الأخيرة "ستكمل انسحابها الخميس من أحياء عين زارة وأبو سليم وقصر بن غشير في طرابلس نحو بلدة قريبة من معقلها في ترهونة".
وبدأ حفتر مطلع إبريل/ نيسان من العام الماضي هجوماً للسيطرة على طرابلس لكنه فشل في ذلك على الرغم من الدعم الكبير، العسكري والسياسي، الذي تلقاه من بعض داعميه. ومنذ بدأت قوات حكومة الوفاق عملية "عاصفة السلام" مدعومة بطائرات تركية بدون طيار نهاية مارس/آذار الماضي، نجحت في استعادة السيطرة على قاعدة "الوطية" الجوية الاستراتيجية. وسبق ذلك استعادة مدن الساحل الغربي، لتكون المنطقة الممتدة من العاصمة طرابلس غرباً وصولاً إلى معبر راس جدير الحدودي مع تونس، تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق بالكامل.


وفي سياق التطورات الميدانية، قال وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، أمس الخميس، إن تحرير مطار طرابلس الدولي، "يبعد مدى الصواريخ والقذائف العشوائية التي حصدت طيلة عام أرواح الأطفال والنساء". وأوضح باشاغا، في تصريحات نقلتها صفحة عملية "بركان الغضب"، أن "المعتدين على العاصمة طرابلس لم يتركوا جريمة محرمة في التشريعات المحلية والدولية إلا وارتكبوها عن سبق إصرار وترصد". وأكد أنّ "تحرير مطار طرابلس رحلة أخرى نحو إبعاد مدى الصواريخ والقذائف العشوائية التي تساقطت طيلة عام على بيوت الآمنين لتحصد أرواح الأطفال والنساء والعجائز".
وأشار باشاغا إلى أن مليشيات حفتر زرعت الألغام في منازل المواطنين وغرف الأطفال والمساجد والمقار الحكومية. ووصف تلك المليشيات بـ"تنظيم عصابي إجرامي لن يهنأ الوطن ما لم يتخلص منه". وفي السياق، نشر حساب عملية "بركان الغضب" عبر فيسبوك، صوراً لدمى أطفال مفخخة عثر عليها داخل منازل، وهي محزمة بصواريخ وعبوات ناسفة قابلة للتفجير.

بالتوازي مع هذه التطورات الميدانية، تواصل الحراك السياسي على أكثر من صعيد، وبدا أنّ النتائج قد بدأت تظهر. فقد احتضنت العاصمة التركية أنقرة، أمس الخميس، قمة بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، حيث جرى تقييم آخر المستجدات الحاصلة على الساحة الليبية، إلى جانب التطورات الدبلوماسية والسياسية المتعلقة بوقف إطلاق النار.
من جهته، أكد نائب السراج، أحمد معيتيق، أن بلاده ستشهد خلال أيام، الكثير من تخفيف التصعيد. وقال معيتيق الذي كان على رأس الوفد الليبي الذي يزور وزارة الخارجية الروسية لوكالة "سبوتنيك"، أمس الخميس: "سنشهد خلال أيام الكثير من تخفيف التصعيد العسكري وذلك بفضل الدبلوماسية الروسية التي ستعمل معنا على تخفيف هذا التصعيد، إذ أكد لنا الجانب الروسي أنه ليس مع الحل العسكري وأن الحل السياسي هو الأساس في ليبيا والتصعيد سينتهي في الفترة المقبلة القريبة". وأضاف معيتيق: "التقينا مع وزارة الخارجية والتقينا مع كثير من الأطراف الروسية التابعة لوزارة الدفاع والوزارات الأمنية الروسية وكان لدينا قناعة اليوم أن روسيا شريك مهم جداً في استقرار ليبيا".
ويبدو أنّ الحراك على خط موسكو وأنقرة قد أثار مخاوف لدى باريس. إذ أبدت الرئاسة الفرنسية في بيان الأربعاء، "قلقها البالغ" إزاء الأوضاع في ليبيا، متخوفة من اتفاق بين تركيا وروسيا "يخدم مصالحهما" على حساب مصلحة البلاد. وأضاف بيان الإليزيه "نحن أمام خطر كبير يتمثل بأمر واقع عند حدود أوروبا، يعرّض أمننا للخطر".
من جهته، أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن مستقبل ليبيا يجب أن يحدده الليبيون وليس مصالح قوى خارجية. وأضاف لودريان، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الإيطالي، لويجي دي مايو، في روما مساء الأربعاء، أن "علينا مواصلة جهود إعادة إنتاج النفط ووضع مسار داخلي بين الليبيين للانتقال السياسي وإيقاف التدخل الخارجي في ليبيا". ونفى الوزير وجود خلاف في توجهات فرنسا وإيطاليا بشأن ليبيا، قائلاً "هناك تقارب في وجهات النظر".

وتأتي هذه التطورات بعيد إعلان الأمم المتحدة استئناف المحادثات العسكرية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا. وعقدت مبعوثة الأمم المتحدة بالوكالة، الأميركية ستيفاني وليامز، اجتماعاً عبر الفيديو مع الأعضاء الخمسة من وفد مليشيات حفتر الأربعاء، وفق ما أعلن الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك. وقال الأخير في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إنّ "اجتماعاً مع وفد حكومة الوفاق الوطني مرتقب في الأيام المقبلة".
من جهة أخرى قال دوجاريك، إنّ إيجاد مبعوث أممي جديد يتم إيفاده إلى ليبيا، خلفاً لغسان سلامة الذي كان استقال من المنصب، "عملية معقدة". وأوضح أن "تعيين الممثلين الخاصين للأمين العام، سواء في ليبيا أو بلدان أخرى، عملية معقدة في الأجواء السياسية الحالية".