السلاح المنفلت في العراق: العشائر تنافس المليشيات

السلاح المنفلت في العراق: العشائر تنافس المليشيات

27 يونيو 2020
غالبية الأسلحة عند العشائر غير مرخصة (محمد صواف/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتمكن الحكومات السبع التي تعاقبت على إدارة العراق بعد العام 2003 من تطبيق مشروع "حصر السلاح بيد الدولة"، رغم تضمين هذا الملف في برنامجها، مع استمرار المشكلة التي باتت تنهك أمن المدن الجنوبية والعاصمة بغداد. وانتقلت المشكلة من سلاح المليشيات والجماعات إلى تضخم أسلحة العشائر والقبائل التي تخوض بين أسبوع وآخر معارك، يدوم بعضها لعدة ساعات، يذهب ضحيتها أشخاص من الطرفين، وذلك لأسباب مختلفة، بين صراع على الأراضي الزراعية أو الثأر والمشاكل الاجتماعية الأخرى، خصوصاً في البصرة وذي قار وميسان. كما سجلت بغداد اشتباكات عشائرية مماثلة، ما دفع بمراقبين إلى دق ناقوس الخطر، حول مدى قدرة الدولة على نزع سلاح المليشيات، خصوصاً أنها عاجزة عن نزع سلاح العشائر الذي تعدى الخفيف إلى المتوسط، ويتضمن قذائف وصواريخ قصيرة المدى.

في مطلع عام 2019، قال قائد شرطة مدينة البصرة رشيد فليح إن "السلاح المنفلت في البصرة يعادل ترسانة فرقتين عسكريتين"، طالباً المساعدة من بغداد من أجل ضبط ظاهرة السلاح المنتشر بيد العشائر والجماعات. إلا أن السلطة انشغلت بالتظاهرات الشعبية، التي انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأرجأت عملية احتواء سلاح العشائر. ومنذ تولي رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، أكد، في أكثر من مناسبة، على حصر السلاح بيد الدولة، وأهمية "التزام المؤسسة العسكرية بمهامها الوطنية والمهنية، وفرض هيبتها واحترامها، والدفاع عن سيادة العراق وأمنه واستقراره". إلا أن الواقع يتحدث عكس ذلك، إذ تستمر النزاعات العشائرية في الجنوب التي يذهب ضحيتها عشرات العراقيين، إضافة إلى تهديد الجماعات المسلحة لمصالح المستثمرين وأصحاب الشركات، وفقاً لمصادر في جنوب العراق.

وبحسب مسؤول عراقي في وزارة الداخلية في بغداد، فإن التقديرات الحكومية حول كمية السلاح الموجود لدى العشائر تتحدث عن أكثر من 7 ملايين قطعة، بين سلاح خفيف ومتوسط، وأعلى من المتوسط مثل مدافع الهاون والقذائف المضادة للدروع وصواريخ الكاتيوشا. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن ملف السلاح المنفلت من بين أبرز خمسة ملفات أمنية مرهقة للحكومات العراقية المتعاقبة، بعد داعش، والمليشيات المنفلتة، وعصابات الجريمة المنظمة وشبكات تجارة المخدرات". وأكد أن "أي تحرك فعلي نحو الملف يتطلب تفاهماً وخطة عمل كاملة. وهناك مقترح لشراء السلاح منهم بأضعاف سعره، ومقترح لتنفيذ عمليات تفتيش من قبل الجيش العراقي بغطاء قانون يتم تشريعه بشأن السلاح خارج إطار الدولة، لتكون الخطوة الأولى باتجاه سلاح العشائر المتضخم أكثر من المعقول، ثم نتحدث بعدها عن سلاح الفصائل الذي بات منافساً لما تمتلكه بعض الأجهزة والقوات النظامية العراقية".

وفي السياق، قال أمير قبيلة بني مالك الشيخ ضرغام عرمش المالكي إن "السلاح الموجود حالياً في جنوب العراق، غالبيته من تركة الجيش السابق. كما أن الحرب الأخيرة ضد تنظيم داعش الإرهابي أسهمت بتخزين السلاح في مدن الجنوب، ناهيك عن أن كثيراً منه تسرّب إلى محافظتنا ووصل إلى أيدي التجار وبعض العشائر". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "كل عشائر العراق تمتلك الأسلحة، بما فيهم عشيرتي. لكن ليس كلها يتنازع مع بعضه البعض، إنما هناك قلة تستغل ضعف إجراءات الدولة وقوة القانون وتمارس نشاطات تندرج ضمن أشكال الإرهاب المعروفة". ولفت إلى أن "بعض النزاعات العشائرية في جنوب العراق تستدعي التدخل القوي للدولة، أي تدخل القوات الأمنية لفرض الأمن واعتقال وسجن المخالفين واعتبارهم إرهابيين. ومن دون هذه الطريقة فإنه لا يمكن للحكومة أن تسيطر على الأوضاع وتعيد هيبتها، لأن هذا السلاح المنفلت يهدد الجميع، لا سيما المقاولين والمستثمرين في الجنوب، الذين تهددهم بعض الجهات وتبتزهم وتأخذ منهم الأموال مقابل عدم التعرض لهم". وأكد أن "كل المجتمع في جنوب العراق مُهدد بسبب السلاح المنفلت والسائب بيد العصابات والجماعات المنظمة وبعض العشائر، لدرجة أن كثيراً من الكفاءات وأصحاب العقول والشهادات اضطروا إلى ترك مدنهم بسبب تهديد مسلحين لهم".
وبشأن حصر السلاح بيد الدولة، وهو المشروع الحكومي الدائم، أشار إلى أن "تطبيقه ليس صعباً، خصوصاً أن غالبية الأسلحة عند العشائر غير مرخصة وليست قانونية، وبالتالي يمكن سحبها بالقانون، ومن يعترض من العشائر في الجنوب يُعرض نفسه للمساءلة والعقوبة".

من جهته، أشار النائب رعد المكصوصي إلى أن "كل حكومات ما بعد 2003 أخفقت في حصر السلاح بيد الدولة. بل إن جهات متنفذة عملت على توزيع السلاح لغايات سياسية وأخرى تتعلق بتأمين مشاريعها في الجنوب والسيطرة على بعض الموارد عبر التهديد والابتزاز. لكن المشكلة الأهم في العمل الحكومي هي أن الظروف لم تتناسب مع غالبية الحكومات، وكان من المفترض أن ينجز هذا الملف في عهد حكومة حيدر العبادي، إلا أن الحرب على داعش والانشغال بها أرجأ ذلك. كما أن حكومة عادل عبد المهدي لم تدم طويلاً بسبب مطالبة المتظاهرين باستقالته. لذلك الأمل معقود حالياً على حكومة مصطفى الكاظمي". وقال المكصوصي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "تطبيق مشروع حصر السلاح لا يحتاج من الحكومة تخصيصات مالية أو جلسات برلمانية كثيرة، إنما إرادة حقيقية من رئيس الحكومة لمنع كل الأعمال التي ترهب الناس في مدن العراق. وهو بحاجة إلى إقحام الأجهزة الأمنية لضبط الأمن وإنهاء معاناة العراقيين في مناطق الجنوب".

بدوره، أشار الخبير بالشؤون الأمنية في العراق أحمد الشريفي إلى أن "الحكومة العراقية الحالية غير قادرة على ضبط السلاح المنفلت ومعاقبة المتاجرين به، ولا سيما أن عملية بيع وشراء واستخدام السلاح لا تقتصر على العشائر، التي لا تزال تتمسك بعاداتها البدوية، بل تدخل على هذا الخط جهات حزبية وأخرى سياسية تسعى إلى تنفيذ مشاريعها". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "العشائر في كل مراحل تاريخ العراق كانت مسلحة، ولكن ما يحدث الآن يختلف عن كل تلك الحقب، خصوصاً أن الدولة باتت في أضعف أشكالها، وبالتالي فإن شرائح كبيرة من العراقيين لا ثقة لها بالقضاء والحكومة، وتلجأ إلى حل خلافاتها عبر السلاح". وتابع أن "العشائر والجهات المسلحة في الجنوب لا تمتلك المسدسات والرشاشات فقط، إنما هناك من يمتلك الصواريخ والمدافع والآليات، وهي قادرة على احتلال المدن، كما أنها تمتلك الخبرة العسكرية في المواجهة، وهو ما يعني أن تطبيق مشروع حصر السلاح صعب جداً"، موضحاً أن "اصطدام القوات الأمنية والحكومة العراقية مع العشائر لا يمكن أن يكون طريقة لحل الأزمة، بل الأمر بحاجة إلى خطط ذكية ودبلوماسية، واشتراك كافة الأوساط، بما فيها الدينية والمجتمعية، في حل الأزمة".