"نورنبيرغ الأسد" بألمانيا.. سوريون في مواجهة "جلاد الفرع 251"

"نورنبيرغ الأسد" في ألمانيا.. سوريون في مواجهة "جلاد الفرع 251"

02 يونيو 2020
من محاكمة ضابطين متهمين بجرائم ضد الإنسانية(توماس لوهنس/فرانس برس)
+ الخط -
في سياق الاهتمام بملاحقة أركان وأمنيي النظام السوري الفارين إلى أوروبا، ركزت صحيفة "إنفارماسيون" الدنماركية على انطلاق محاكمة أحد أمنيي نظام بشار الأسد في ألمانيا، من خلال استعراض شهادة اللاجئ السوري في الدنمارك ومخرج الأفلام الوثائقية فراس فياض.

وتناولت الصحيفة الدنماركية، في عدد نهاية الأسبوع، ما سمته "القضية الأولى عن جرائم الحرب في سورية بدأت هذه الأسابيع في المدينة الألمانية كوبلنز". 

ووصفت "إنفارماسيون" انطلاق محاكمة "عقيد سابق متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتعذيبه ما لا يقل عن أربعة آلاف سجين"، بـ"التاريخية".

وتناولت "إنفارماسيون"، التي تهتم عادة بالقضايا العربية والسورية، اسم "الفرع 251 في دمشق، والمعروف بوحشيته، وفيه كان فراس فياض يجثو على ركبتيه أمام المتهم (عقيد الاستخبارات السورية أنور. ر)، أما الآن فهو في مواجهة أنور وجها لوجه، وينظر في عينيه مباشرة، كما حصل في قاعة المحكمة 128 في أواخر إبريل/نيسان الماضي".

من محاكمة ضابطين للنظام السوري في ألمانيا (توماس لوهنس/فرانس برس) 

وضابط الاستخبارات السوري "العقيد أنور"، الذي اعتقل في فبراير/ شباط 2019، أُجلس خلف ساتر زجاجي، حيث يحاكم مع رجل أمن آخر يدعى "إياد"، ضمن حملة ملاحقات قضائية لرجال الأجهزة الأمنية للنظام السوري في أوروبا، والتي انطلقت في أوائل 2019، وتناولها "العربي الجديد" في حينه، في تقرير عن تجهيز شبان وحقوقيين سوريين لحملة كشف وتقديم الجلادين الذين حضروا إلى الغرب لاجئين.


وتشير التقارير المرافقة لمداولات المحاكمات التي انطلقت أواخر إبريل/ نيسان، وشهادة فياض، إلى مسؤولية هذا الفرع الأمني عن اعتقال وتعذيب آلاف الشباب في دمشق بين 2011 و2012. وأضافت الصحيفة أن "العقيد أنور، الذي كان رئيس الفرع في ذلك الوقت، يواجه اليوم تهما بالمسؤولية عن التعذيب والتحقيق مع المعتقلين، ومن بينهم فياض".

جرائم ضد الإنسانية

ووفقا للوائح الاتهامات الموجهة إلى رجال أمن الأسد، فإن الأمر يتعلق بـ"جرائم ضد الإنسانية والتعذيب باستخدام الكهرباء والاعتداءات الجنسية بحق أربعة آلاف معتقل على الأقل".

ووصفت "إنفارماسيون" هذه المحاكمات بـ"التاريخية"، فهي بحسب خبراء "معلمٌ بارز في الكفاح ضد الإفلات من العقاب، وتعتبرها أمنستي (منظمة العفو الدولية) "نورنبيرغ الأسد"، في إشارة إلى محاكمات رجالات النازية ومقربي هتلر بعد سقوط برلين في 1945".

ولفتت "إنفارماسيون" إلى أن المجتمع الدولي "ظل لسنوات يرغب برفع قضية جرائم الحرب الواسعة المرتكبة في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية (آي سي سي)، وهو ما أُفشل  بسبب "الفيتو" الروسي في مجلس الأمن الدولي. لكن "انطلاق هذه القضايا في ألمانيا أمر بالغ الأهمية والرمزية بالنسبة للشعب السوري والقانون الدولي، بحسب المتحدثة باسم لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)، نيرما جيلاسيك".

ودائما ما اعتبرت لجنة العدالة والمساءلة أن مثل هذه المحاكمات مهمة للغاية، لأنها "ستساهم في تقديم الأدلة على جرائم الحرب الممنهجة أمام الرأي العام، وبعض الجرائم المرتكبة من جنود سوريين لقمع الاحتجاجات للإبقاء على الأسد في السلطة، هي جزء من نظام متكامل". 

وترى لجنة العدالة والمساءلة أن انطلاق القضية في كوبلنز الألمانية "ما هو إلا بداية في الطريق لمواجهة قانونية ينتظرها اللاجئون السوريون والمجتمع الدولي، وهو جزء من مواجهة قضائية أُعد لها منذ سنوات".

مخابرات لاجئون

يذكر أنه في الفترة التي شهدت فيها أوروبا بين 2014 و2015 موجة لجوء كبيرة، انضم إلى صفوف اللاجئين بعض من عمل في الأجهزة الأمنية للنظام السوري. 

وقد أثار "العربي الجديد"، في سبتمبر/أيلول 2015، في تقرير من بودابست قضية بعضهم، ممن أبدوا ندما لخروجهم من سورية، مفضلا "العيش في ظل الأسد وبراميله على العيش في أوروبا".

وبعض الذين تجري ملاحقتهم قضائيا اليوم وصل في تلك الفترة عبر مسار البلقان كبقية آلاف اللاجئين، كما في حالتي "العقيد أنور" و"زميله" في المخابرات السورية "إياد"، ليجدا نفسيهما في معسكر لجوء "مارينفيلدا" بضواحي العاصمة الألمانية برلين.

ولم يغير العقيد أنور اسمه، وتعرف على وجهه كثير من لاجئي برلين السوريين والفلسطينيين السوريين. 


ومن أهم من تعرف على وجه العقيد أنور، المحامي والحقوقي أنور البني، الذي كان أيضا معتقلا في سجون الأسد لدفاعه عن حقوق الإنسان والحريات في بلده. لكن البني في المرة الأولى صعب عليه التدقيق في سجانه من عام 2006 في دمشق جيدا، وبعد أسابيع عاد ليتعرف عليه بشكل أفضل في متجر متخصص بأدوات البناء في منطقة هيرمان بلاتز، حيث كان "العقيد أنور" يشتري بعض الأدوات.

ومنذ سنوات قليلة، بدأ مجموعة من الشباب والحقوقيين السوريين نشاطهم لجلب أركان النظام وأمنييه الذين هربوا إلى أوروبا لاجئين. 

تجميع الأدلة

ومنذ يناير/كانون الثاني 2019 بدأ هؤلاء عمليا، بعد تجميع الأدلة والتعرف على المشتبه فيهم، التوجه للمحاكم الوطنية في الدول التي يقيمون فيها لتقديم الجلادين أمام العدالة الأوروبية.

فراس فياض (توماس لوهنس/فرانس برس) 

وقد أشار إلى ذلك لاجئون ونشطاء سوريون تحدثوا إلى "العربي الجديد" من عدد من الدول في بداية العام الماضي 2019 تحت عنوان "ملاحقة النظام السوري أمام المحاكم الأوروبية: سعي لعدالة غائبة". 

ويتعاون الحقوقيون، بينهم أنور البني، وعدد من النشطاء، مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، في حين ظلت الجهود منصبة منذ 2012 على تجميع الأدلة ضد السجانين، ومن تلك الأدلة ما يقدم اليوم بوجه هذا العقيد في مواجهة العدالة في ألمانيا، التي هرب إليها لاجئا سياسيا.

إلى ذلك، تذكر لجنة العدالة والمساءلة القانونية أنها جمعت حوالي 800 ألف وثيقة صادرة عن النظام السوري، وآلاف الصور التي هربها "قيصر"، مشيرة إلى أنه ورغم "الأدلة الكثيرة التي قدمتها (نحو 25 ألف صورة لضحايا النظام)، فإن روسيا ظلت تستخدم حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية". 

وأبرز مدير التحقيق في اللجنة، وليام ويلي، أن "أدلة جرائم الحرب في سورية هي الأقوى منذ محاكمات نورنبيرغ". 

ورغم أن السوريين في أوروبا لم يكونوا قادرين على رفع القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إلا أنهم تمكنوا أخيرا من استخدام الصلاحية القضائية للمحاكم الوطنية لرفع القضية أمام المدعي العام في كارلسروه جنوبي ألمانيا، لتبدأ أولى المحاكمات التي شهد فيها مخرج الوثائقيات السوري فراس فياض المقيم اليوم لاجئاً في الدنمارك.​