استبعاد الأمازيغية من بطاقة الهوية المغربية: مصالحة منقوصة

استبعاد الأمازيغية من بطاقة الهوية المغربية: مصالحة منقوصة

17 يونيو 2020
قضايا الهوية لا تزال موضوعاً أساسياً للصراع(فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
عادت الأمازيغية لتثير مجدداً الجدل في المغرب وتحديداً تحت قبة البرلمان، بعدما استبعد مشروع قانون جديد في مجلس النواب، تحرير البيانات الخاصة ببطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية (بطاقة الهوية) باللغة الأمازيغية. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى لجنة الداخلية في مجلس النواب التي تبدأ بمناقشة المشروع اليوم الأربعاء، يُخشى أن يشعل هذا النقاش من جديد صراع الهوية، التي ما زالت تغري مختلف الفاعلين بتوظيفها في صراعاتهم السياسية.

وتجد حكومة سعد الدين العثماني وأغلبيتها البرلمانية نفسيهما أمام امتحان جديد لمعالجة الخلافات التي قد تنفجر بسبب مشروع قانون يفتح الباب على العديد من التأويلات، خصوصاً في هذه الظروف التي تمرّ بها البلاد جرّاء تفشي وباء كورونا. وبدا لافتاً عشية انطلاق مناقشة مشروع القانون في البرلمان، حديث جمعيات أمازيغية عن "استهداف صريح" للغة يتحدثها غالبية المغاربة، و"خرق جديد" لمقتضيات الدستور، و"استمرار الحكومة في إقصائها للغة الرسمية للمغرب".

وتضمّن دستور 2011 تصوراً للهوية المغربية، ففي ديباجته نصّ على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوّع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".
وعلى الرغم من اعتراف هذا الدستور بكل مكونات الهوية المغربية، خصوصاً المكونين العربي والأمازيغي، إلا أن الأحداث التي سُجلت في السنوات التالية لاعتماد الدستور أظهرت أن قضايا الهوية لا تزال موضوعاً أساسياً للصراع السياسي، إذ عرف مسار إدماج اللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة تعثرات كبرى نتيجة مسبّبات سياسية.

وبعد أن قطع ترسيم اللغة الأمازيغية أشواطاً طويلة في المغرب، بداية من تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 2001، إلى الاعتراف بها لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، في آخر دستور للبلاد سنة 2011، وأخيراً دخول القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية في سبتمبر/أيلول 2019، يبدو المغرب على أعتاب جدل سياسي وحقوقي جديد، بعد أن رأت جمعيات أمازيغية في مشروع القانون المتعلق ببطاقة الهوية الإلكترونية "مُصالحة منقوصة مع الهوية الأمازيغية".

واعتبرت تلك الجمعيات أن استبعاد تضمين بيانات بطاقة الهوية باللغة الأمازيغية، تجاوز للقانون، والذي ينص صراحة على التحرير باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، بطاقة الهوية وعقود الزواج وغيرها من الوثائق الشخصية الواردة في البند 21 من القانون التنظيمي للأمازيغية. وذهبت بعض المواقف إلى اعتبار هذا الأمر بمثابة تجاوز للدستور الذي يعتبر اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، كما جاء في الفصل السادس من الدستور، والذي ينص على أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.

واستبقت رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي، أمينة ابن الشيخ، مناقشة مشروع القانون ببعث رسالة إلى البرلمانيين والبرلمانيات، انتقدت فيها غياب الكتابة باللغة الأمازيغية في الجيل الجديد من بطاقة الهوية، الذي تعتزم المديرية العامة للأمن الوطني إطلاقه، معتبرة أن ما قامت به وزارة الداخلية من خلال إعداد مشروع القانون يعيد من جديد الصراع الهوياتي داخل الدولة والمجتمع، لافتة إلى أن "الدولة تغير القوانين، لكنها في حقيقة الأمر يجب أن تغير عقلية المسؤولين الذين يعيدون هذا الصراع".

من جهته، وصف رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، بوبكر أونغير، مشروع القانون بأنه "تراجعي ونكوص عن الدستور، ولا ينسجم مع مقتضيات القانون التنظيمي المفعل للطابع الرسمي للغة الأمازيغي ولا يحترم التعهدات الحقوقية لبلادنا في ترسيخ تعددية ثقافية ولغوية بشكل ديمقراطي"، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أطرافاً بعينها، لم يسمها، تريد التراجع عن مكتسبات المغاربة في ما يتعلق بالتعدد الثقافي واللغوي وتريد الإجهاز على مكتسبات الأمازيغية. وبحسب أونغير، فإن المشروع هو "تعبير عن رغبة جامحة في الرجوع ببلادنا لما قبل 2011 مع استغلال ظروف كثيرة وطنية وإقليمية"، لافتاً إلى أن خفوت صوت الحركة الأمازيغية ساعد أطرافاً كثيرة على التفكير في الإجهاز على المكتسبات المحققة في مجال الأمازيغية.

وفي ظل هذا الجدل، كان لافتاً تجاهل وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت، خلال جلسة الأسئلة الشفهية أمس الأول الإثنين، الرد على إشارة الفريق الحركي (المشارك في الحكومة) حول إلغاء الحروف الأمازيغية من بطاقة الهوية في شكلها الجديد. في المقابل، نقلت وسائل إعلام مغربية عن مصدر أمني، نفيه التفسيرات والتأويلات التي واكبت هذا النقاش، والتي اعتبرها "غير صحيحة ومشوبة بعدم الدقة"، مؤكداً أن "الاعتبار الأساسي الذي يتحكم في إصدار بطاقة الهوية الإلكترونية بالحروف العربية واللاتينية هو الوثائق والسجلات المرجعية، خصوصاً سجلات الحالة المدنية ورسوم الولادة التي تكتب حاليا بالعربية والفرنسية، ولا تتضمن اللغة الأمازيغية". واعتبر المصدر "أن تضمين هويات المغاربة بحرف تيفيناغ في البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية هي مسألة تقنية بالأساس، ولا علاقة لها بأي اعتبارات أو تفسيرات أخرى"، مشيراً إلى أنه "ينبغي أولاً توفير الوثائق والسجلات المرجعية التي تحدد الهوية الشخصية باللغة الأمازيغية ليتسنى إدراجها في بطاقة التعريف الوطنية، إذ لا يمكن عملياً، في الوقت الراهن، إصدار بطاقة الهوية الإلكترونية باللغة الأمازيغية؛ بيد أن الوثائق التي تستند إليها لا تتضمن المعطيات التعريفية بحرف تيفيناغ، لا سيما رسوم الولادة وسجل الحالة المدنية".