لقاءات عقيلة صالح بالقاهرة: مصير حفتر والحل السياسي

لقاءات عقيلة صالح بالقاهرة: مصير حفتر والحل السياسي

02 يونيو 2020
ابتعد صالح عن حفتر في الفترة الأخيرة (Getty)
+ الخط -
لم تؤثر الهزائم المتلاحقة للواء المتقاعد خليفة حفتر في الغرب الليبي على وضعه العسكري فحسب، بل يبدو أن مستقبله السياسي بات أكثر غموضاً، مع الإعلان عن وجود رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق عقيلة صالح، في العاصمة المصرية القاهرة، منذ يوم السبت الماضي، لدراسة التطورات الجديدة في ليبيا، وبحث تصورّات مستقبلية متعلقة بالمرحلة المقبلة، على ضوء الخسائر المتتالية لحفتر وفشل حملته العسكرية على العاصمة طرابلس.

في السياق، كشفت مصادر مصرية خاصة على اطلاع واسع بالملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، أن صالح التقى، مساء أول من أمس الأحد، مدير جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، وتمّ التشاور بشأن تفاصيل المبادرة التي أعلنها من مدينة القبة الليبية قبل فترة وجيزة. وأكدت المصادر أنه اتضح من خلال الحديث الذي دار بين الجانبين، أن فرص حفتر خلال الأيام المقبلة ستكون قليلة للغاية، لافتة إلى أن المستقبل سيحمل دلالات على ذلك. وأوضحت أن القاهرة لا تتعامل مع القضية تحت مسمى حفتر فقط، متابعة "هناك العديد من أمثال حفتر في معسكر شرق ليبيا، من الممكن أن تراهن عليهم مصر في حال اتُخذ قرار بانتهاء دوره". وقالت المصادر إنه "لم يعد هناك لدى الإدارة الأميركية ترحيب بالدرجة الكافية بمنح حفتر فرصة جديدة، خصوصاً أن بقاءه يعني بالنسبة لها دوراً أكبر لروسيا في ليبيا وهو ما ترفضه تماماً، لذلك رأت واشنطن أن مصلحتها في الفترة الحالية تكمن في الشراكة مع تركيا في الملف الليبي، بحثاً عن مساحة أوسع وكذلك تقليصاً للدور الروسي". وكشفت أن القاهرة أجرت مباحثات في الفترة الأخيرة مع الجانب الأميركي، قبل المضي في تحريك عملية السلام وتهيئة الظروف المناسبة لها، التي ربما يكون أهم عناصرها اختفاء حفتر من المشهد وظهور بديل مقبول له.

وأفادت المصادر نفسها بأن هناك مخاوف لدى مصر من تحالف قوي يضم تركيا وتونس والجزائر وحكومة الوفاق، تكون واشنطن قريبة منه، لافتة إلى أنه حال حدوث ذلك سيكون من الصعب التوافق حول مصالح القاهرة في الملف الليبي لاحقاً، في ظل تنامي دور تركيا في ليبيا وشروعها أيضاً في عمليات التنقيب عن البترول في المياه الليبية، بناء على الاتفاقيات الموقعة مع حكومة الوفاق. وتابعت المصادر أن "الأمر لا يقتصر فقط على أمن الحدود والطاقة، ولكن يوجد ملف ضخم سيتم فتحه بعد استقرار الأمور نسبياً، والتوصل لحل سياسي بعدما فشلت الخطة الأساسية الخاصة بالحسم العسكري، وهو ملف إعادة الإعمار، وما يمكن أن تأخذه مصر كحصة. وتقدّر جهات مصرية عدد العمالة المباشرة التي يمكن أن يتم توجيهها لليبيا بنحو مليون ونصف المليون عامل، ما سيرفع الكثير عن كاهل الاقتصاد المصري في ظل أزمة وباء كورونا".

وأوضحت المصادر أن العلاقة في الوقت الراهن بين رئيس مجلس النواب الليبي في طبرق وقادة الإمارات ليست على أحسن صورة، بعدما اعتبر الطرفان أن كلاً منهما سعى لتجاوز الآخر لصالح أطراف أخرى أخيراً. وأشارت إلى أن للقاهرة أكثر من سيناريو للتعامل مع التطورات الليبية، أولها ترميم معسكر شرق ليبيا وتوحيده مجدداً وعقْد مصالحة بين صالح وحفتر قبل المضي نحو الحديث عن حل سياسي، لافتة إلى أن هذا السيناريو يواجه تعنتاً من الطرفين اللذين رفضا أن يلتقيا عبر وسطاء. أما السيناريو الآخر الذي بات الأقرب، وفق ترجيح المصادر، فيتمثل في تصعيد بديل لحفتر، وفي هذه الحالة سيكون الشخص الأقرب هو رئيس الأركان العامة عبد الرزاق الناظوري، الذي تربطه علاقة قوية وجيدة بعقيلة وكافة مكونات الشرق الليبي، إضافة إلى كونه شخصية مقبولة نوعاً ما لمعسكر الغرب.

من جهته، اعتبر مسؤول مصري رفيع المستوى أن "أميركا رفعت يدها عن حفتر، وخلال فترة وجيزة لن يكون أمام الإمارات، الداعم الأكبر لشخصه حالياً، سوى أن تتبعها". وبرأيه، فإن "الجميع يعلم أن واشنطن، وإن لم تكن منغمسة من البداية بفاعلية في الملف الليبي، إلا أنها صاحبة كلمة أساسية".

يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج "ضرورة العودة السريعة للحوار استناداً إلى مخرجات مؤتمر برلين، والعمل على وقف التدخلات الأجنبية". واتفق الطرفان، في اتصال هاتفي أول من أمس الأحد، على ضرورة العمل على وقف سريع للعمليات القتالية وإحياء العملية السياسية"، بحسب بيان لوزارة الخارجية الفرنسية. ونقلت الخارجية الفرنسية عن لودريان تشديده على إعادة تفعيل اللجنة العسكرية 5+5 (لجنة تضمّ 5 ضباط من قوات الوفاق و5 من قادة مليشيات حفتر)، لتحقيق نتائج فعلية استناداً إلى اتفاق برلين الموقّع في فبراير/ شباط الماضي بإشراف أممي.

وتعد فرنسا من الدول الداعمة لحفتر، وقد وجدت أسلحة متطورة لها في محاور طرابلس بحوزة مليشياته، لكن وزير خارجيتها، وفي تغيّر لافت، انتقد التدخل الروسي الأخير الداعم لهذه المليشيات. وفي إطار دعوات الابتعاد عن حفتر، دعا المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الدول الداعمة لحفتر، مثل روسيا وفرنسا، إلى قطع علاقاتهما معه، والعمل من أجل تحقيق السلام. وأكد أنه لا يمكن أن يتسم أي مشروع سواء في شرق المتوسط أو غربه بالديمومة والنجاح بمعزل عن تركيا.

وشدّد قالن على أن تركيا ماضية في دعم الحكومة الشرعية من أجل خروج الشعب الليبي من هذه الأزمة بأسرع وقت وإنهاء الاشتباكات. كما أشار إلى أن التنقيب عن النفط في المياه الليبية يأتي بموجب ترخيص من الحكومة الشرعية، وفق مبدأ "رابح – رابح" بين البلدين. وقال إن حفتر يسرق نفط الشعب الليبي لتمويل حربه، عبر بيعه بشكل غير قانوني، مشدداً على أن تركيا لا تقيم أي وزن للتهديدات الصادرة من حفتر تجاهها. وأضاف أن دعم روسيا لحفتر عبر شركة "فاغنر" الأمنية خطوة تفتقر للشرعية، فضلاً عن أن حفتر هو الطرف الذي انتهك اتفاقات وقف إطلاق النار حتى اليوم. 
وحثّ قالن مجلس نواب طبرق على إنهاء دعمه لحفتر، والعمل مع الحكومة الشرعية من أجل تحقيق السلام في البلاد. وذكر أنه حتى رئيس مجلس نواب طبرق، شرقي ليبيا، عقيلة صالح، بدأ بالابتعاد عن حفتر. وعلّق على طباعة روسيا عملات لحفتر بأن موسكو ربما تسعى لتأسيس نظام مشابه لما أقامته في سورية في ليبيا، وقد تكون ساعية لإقامة جسر جوي بين سورية وليبيا. ورأى أنه "إذا استمر غياب الاستقرار في ليبيا، وواصل حفتر ممارساته، لا يمكن لأحد أن يخرج رابحاً من هذا الوضع".