نقيب القضاة بالجزائر: لدينا تحفظات على مسودة الدستور

نقيب القضاة بالجزائر لـ"العربي الجديد": لدينا تحفظات على مسودة الدستور

08 مايو 2020
القضاة يطالبون بالاستقلال التام عن السلطة (يوتيوب)
+ الخط -
حملت مسودة التعديلات الدستورية في الجزائر، أخيرا، بنوداً مهمة تخص القضاء لجهة تحقيق مسافة إضافية فاصلة عن السلطة التنفيذية، بعد عقود من الهيمنة التي كانت تفرضها السلطة على القضاة، عبر التحكم في المجلس الأعلى للقضاء، والذي كان يديره وزير العدل نيابة عن رئيس الجمهورية. وهو ما كان مثار جدل مستمر بين القضاة والسلطة، في ظل تحفظات القوى المدنية والسياسية، خاصة في الفترة الأخيرة التي شهدت صراعا حادا بين نقابة القضاة ووزير العدل الحالي، بلقاسم زغماتي.


تعليقا على المسودة في شقها المتعلق بالقضاء، قال رئيس نقابة القضاة في الجزائر، يسعد مبروك، في تصريح لـ "العربي الجديد" إن "هناك تطورا إيجابيا، من حيث استبعاد وزير العدل من المجلس الأعلى للقضاء"، موضحاً أنه أحد أبرز المطالب القديمة للقضاة.

وأضاف أن المسودة تنص كذلك على "منح النقابة حق التمثيل في المجلس، وهو ما سيسمح للنقابة بمراقبة أكبر للمسار المهني للقضاة، بعد فترة كانت تغيب فيها الشفافية في تسيير ذلك، وكذلك توسيع تركيبته لصالح قضاة الحكم، ودسترة منع نقل القضاة، بعدما كانت آخر عملية نقل للقضاة قد تمت خارج إطار القانون وفي ظروف غامضة، ولم تستند وقتها إلى مبادئ الشفافية الكافية".

وكان رئيس نقابة القضاة يشير إلى أزمة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد قرار وزير العدل بلقاسم زغماتي بنقل أكثر من ثلاثة آلاف قاضٍ دفعة واحدة، ما خلف استياء كبيرا لدى نقابة القضاة التي أعلنت حينها عن إضراب عام وشلت خلاله المحاكم لمدة عشرة أيام، قبل أن تتدخل أطراف عليا لتهدئة الأزمة وإقناع القضاة بالعدول عن الإضراب بعد استجابة جزئية لمطالبهم.

وتضمنت التعديلات الدستورية المقترحة إسناد رئاسة المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا، نيابة عن رئيس الجمهورية، بدلا من وزير العدل، كما قررت استبعاد وزير العدل نهائيا من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وإدراج ممثلين عن نقابة القضاة في تشكيلة المجلس.

ويعني ذلك الاعتراف دستوريا بالنقابة التي شارك في آخر انتخابات أجرتها أكثر من خمسة آلاف قاضٍ من مجموع ستة آلاف قاضٍ في الجزائر. ووفر الدستور الجديد مزيدا من الضمانات لصالح القضاة، على غرار منع نقل قضاة الحكم من مناصبهم التي يشغلونها، كما لا يمكن عزلهم أو إيقافهم عن العمل أو تسليط عقوبات عليهم إلا وفق حالات وضوابط محددة وبقرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء.

وتمثل الخطوة الأخيرة تطوراً لصالح القضاة، للإفلات من تلاعب السلطة السياسية التي كانت تتولى ممارسة ضغوط بنقل القضاة من محاكم إلى أخرى، بسبب رفضهم الإذعان لضغوطها حال معالجتهم لبعض القضايا ذات العلاقة بأشخاص أو مجموعات، تكون السلطة مهتمة بتبرئتهم أو إدانتهم.

ورغم هذه الخطوات المتقدمة، فإن القاضي مبروك يرى أنها لا تمثل "السقف الأعلى للمطالب"، مشيراً إلى بعض الملاحظات والتحفظات، التي تتعلق بكون أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالنيابة، وهو رئيس للمحكمة العليا، يعود تعيينه إلى رئيس الجمهورية، وهذا يبقى نوعا من التبعية.

وقال في هذا الصدد: "نود أن يكون رئيس المحكمة العليا منتخبا"، مضيفا أن "بقاء رئيس الجمهورية كرئيس أول للمجلس الأعلى للقضاء يمكن أن يشكل ضغطا، بينما نرغب في أن تكون رئاسته شرفية، ولذلك نحن نبحث عن آلية لتشكيل مجلس أعلى للقضاء يعزز الاستقلالية الكاملة للسلطة القضائية، بحيث يصبح القاضي محميا من الضغوط لكنه يحمي المجتمع من الضغوط".

ولفت كذلك إلى "بقاء قضاة النيابة العامة الذين يشكلون أقل من ثلث التعداد العام للقضاة في الجزائر، وفقا للنظام القضائي، تابعين لوزير العدل، ولذلك نقترح أن يكون هناك نائب عام يشرف على النيابات العامة التي لها حق تحريك الدعوة العمومية".


وأعلن القاضي مبروك أن النقابة ستفتح نقاشا واسعا بين القضاة لطرح وصياغة مقترحات تقدم إلى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لتعزيز استقلالية القضاء وإصلاح بعض الثغرات، مشيرا إلى أن "المشكل عموما في الجزائر ليس في الدستور ولكن في آليات التطبيق الإيجابي لبنوده". وختم بالقول إن "استقلالية القضاء ليست مطلبا فئويا خاصا بالقضاة، ولكنها مطلب مجتمعي يهم الجميع".

المساهمون